رسائل القاهرة من أوباما إلى بومبيو مندوب ترامب

11 يناير 2019
طمأن بومبيو نظام السيسي(Getty)
+ الخط -

عشر سنوات فصلت بين الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى العاصمة المصرية القاهرة، والزيارة التي قام بها اليوم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى مصر. وأوجدت تلك الفترة اختلافاً كبيراً بين الزيارتين وأهدافهما.

اختار أوباما أن يحضر بنفسه إلى المنطقة العربية، وأن يخاطب شعوبها من منصة جامعة القاهرة العريقة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى نحو قرنين من الزمن، بينما قرر الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أن يكتفي بإرسال مندوب عنه إلى العاصمة المصرية، ليخطب من منصة الجامعة الأميركية.

وانتقد بومبيو سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط، وقال إن "زعماءنا السابقين أساؤوا قراءة التاريخ، وما حدث هنا في العام 2009 أثّر تأثيراً كبيراً، وذلك أدى إلى غياب مصر لفترة طويلة". وأضاف: "هنا وقف أميركي آخر، وأخبركم بأن الإسلام المتطرف لا ينبع من أيديولوجيا جيدة، وأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول دعت الولايات المتحدة إلى التخلي عن مُثلها العليا في الشرق الأوسط، وتحدث عن بداية جديدة بين أميركا والعالم الإسلامي، وكانت نتائج هذا الخطاب سيئة ومأساوية للغاية".

ورأى وزير الخارجية الأميركي أيضاً أن "تردد الإدارة السابقة في التعامل مع المنطقة أدى إلى ظهور تنظيم داعش في بغداد، وانتشار المليشيات الإيرانية، والتي ارتكبت أيضاً الكثير من الفظاعات، كما وصل تأثير إيران إلى اليمن وسورية وغيرهما"، على حدّ قوله.


وقال بومبيو في كلمته بالجامعة الأميركية في القاهرة: "بينما كنا ننظر إلى ناحية أخرى، تركنا حزب الله يمارس أعماله، ووصلت الأسلحة إلى الجهات لتستخدمها، ومثّلت تهديداً لحليفتنا إسرائيل. وقام الأسد بما قام به صدام حسين. عندما نتخلى عن أصدقائنا، فهم يتراجعون، وعندما ندعمهم، يتقدمون".

وتابع بومبيو كلمته قائلاً: "الأخبار الجيدة هي أن عهد التراجع في الموقف الأميركي قد ولّى، والآن تأتي البداية الحقيقية، 24 شهراً أعاد خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته دور الولايات المتحدة في المنطقة، وقد تعلمنا من أخطائنا، وأعدنا اكتشاف أصواتنا وبناء علاقاتنا، انظروا إلى ما حققناه معاً تحت إدارتنا الجديدة، لقد واجهنا الوجه الحقيقي للتطرف والعنف وتغلبنا على قوى الإرهاب، وانضم إلينا الرئيس (المصري عبد الفتاح) السيسي في مواجهة الفكر الغريب".

ويختلف حديث وزير الخارجية الأميركي في مسألة الدين اختلافاً كلياً عن السياسة السابقة التي اتبعها باراك أوباما تجاه الإسلام، إذ دعا الأخير في خطبته بجامعة القاهرة عام 2009 إلى "الفهم المتبادل بين العالمين الإسلامي والغربي"، معتبراً أنه يجب على الطرفين أن "يبذلا سعيهما لمواجهة التطرف". وافتتح أوباما خطبته بتحية الإسلام "السلام عليكم" (وقد نطقها باللغة العربية) وعقِبها الآية القرآنية في سورة الأحزاب "اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا".

كما استشهد أوباما أيضاً في موضعين آخرين من خطبته بآيتين أخريين، إحداهما في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". والأخرى في سورة المائدة: "أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"؛ كما استشهد بآية من إنجيل متى "هنيئًا لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعونَ".

وبينما زار أوباما قبيل إلقاء خطابه بجامعة القاهرة، مسجد السلطان حسن بالقاهرة، في محاولة منه لإظهار الاحترام للحضارة الإسلامية، ورفض ارتداء الخف المخصص للسياح، واكتفى بالجوارب، وكانت ترافقه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي ارتدت الحجاب، اكتفى بومبيو بزيارة كاتدرائية ميلاد المسيح التي افتتحها السيسي في 6 يناير/ كانون الثاني الماضي في العاصمة الجديدة.

أوباما تناول في خطابه مسألة "التطرف"، لكنه قال إن أحد أسبابها هو "مساهمة الاستعمار خلال العصر الحديث في تغذية التوتر بسبب حرمان الكثير من المسلمين من الحقوق والفرص، كما أسهمت في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها بلدان كثيرة ذات الأغلبية المسلمة -بلا حق- كأنها مجرد دول وكيلة يجب عدم مراعاة تطلعاتها الخاصة. وعلاوة على ذلك، حدا التغيير الكاسح الذي رافقته الحداثة والعولمة بعدد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معادياً لتقاليد الإسلام".

أما وزير الخارجية الأميركي الحالي، فركز في خطابه بشكل كبير على الحديث عن "مصلحة إسرائيل" وضرورة مواجهة النفوذ الإيراني، واكتفى بالإشارة إلى التعاون بين أميركا والدول العربية في هذا المجال فقط.

وقال بومبيو: "عمان والكويت والأردن كلها لعبت دوراً في التصدي للنفوذ الإيراني، والبحرين أيضا لعبت دوراً في ذلك، وهي تصدّت للأنشطة البحرية في المنطقة، ونشيد بهذه الجهود ونطالب جميع الدول بالتصدي للنفوذ الإيراني...عقوباتنا ضد إيران مستمرة ويشمل ذلك حليفها حسن نصر الله".


وأضاف: "إدارة ترامب أعادت بناء العلاقات المتينة مع مختلف حلفائنا، فنحن ندعم إسرائيل والأردن والسعودية، وأنا أرحب دائماً بجميع زعمائكم في مكتبي بالخارجية الأميركية".

وشدد وزير الخارجية الأميركي في كلمته على أنه "ينبغي أن نواجه التطرف الديني، وكذلك الأمر بالنسبة للمشاكل التي يمر بها مجلس التعاون الخليجي".

وقال: "من كان يتصور قبل سنوات أن يزور رئيس وزراء إسرائيل مسقط، وكذلك العلاقات بين السعودية والعراق".

وأضاف بومبيو: "قال ترامب إنه يتوقع من حلفائه المزيد، ونحن نعمل معهم، وندعم جهود مصر لمحاربة داعش في سيناء، وندعم إسرائيل لمنع النفوذ الإيراني من التوسع تحديداً في لبنان"، مشيراً إلى أن "الكلمة الفصل في هذا الإطار هي المساعدة؛ فنحن نساعد هذه الدول على اجتثاث الإسلام المتطرف أينما نعثر عليه، وعلينا أن نشير أيضاً إلى تقويض دور إيران في المنطقة. وسوف نعمل مع شركائنا لطرد كل جندي إيراني من سورية". 

وفي هذا السياق، رأى بومبيو أنه "من المهم أن أؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إزاء الاعتداءات الإيرانية، وسنحرص على أن تكون لإسرائيل القدرات العسكرية اللازمة لتحقيق ذلك، وسوف ندعم دائماً سلاماً دائماً وشاملاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، مشيراً إلى أن "الرئيس ترامب أعلن أن القدس عاصمة للدولة العبرية، وقال: سننقل قريبا سفارتنا إلى القدس وهذا القرار تضرب جذوره قديماً في التاريخ".

وختم بومبيو كلمته برسالة طمأنة إلى النظام المصري ورئيسه السيسي، واكتفى بدعوته إلى "إطلاق يد الإبداع لدى المصريين حتى تتمكن البلاد من الازدهار". كما حيّاه على "دعمه الحريات الدينية"، وقال إنه "ينبغي أن يحتذي به القادة في العالم".



وأشار وزير الخارجية الأميركي إلى المتهمين الأميركيين في قضية "المنظمات الأجنبية، وقال في هذا الإطار: "سرّتني جداً تبرئة مواطنين أميركيين كانوا متهمين بإدارة منظمات غير حكومية، وطبعاً لن يتكرر هذا الأمر في المستقبل وسنساعد مصر، ويسرنا أن تكون شريكة للولايات المتحدة في هذه الجهود".