تونس .. يريدون إجهاض الديمقراطية اليتيمة في العالم العربي

28 يونيو 2015
استغلت الجماعات المسلحة الأجواء المضطربة والخلافات السياسية (Getty)
+ الخط -

يشعر التونسيون بأنهم قد وقعوا في قبضة الجماعات الإرهابية. المجزرة التي ذهب ضحيتها 38 قتيلا من الأجانب، والتي حصلت في سوسة عاصمة السياحة التونسية، جعلتهم يشعرون بكثير من الإحباط، ويتعاظم القلق لديهم، حول مستقبل بلادهم.

لم يستوعبوا كيف أمكن أن ينتج مجتمعهم المشهود له بالتسامح والانفتاح أمثال هؤلاء من خريجي المدارس والجامعات التونسية، الذين يسمحون لأنفسهم بقتل أبرياء أجانب توجهوا إلى بلادهم كضيوف، فإذا بدمائهم تشوه مياه البحر الأبيض والرمال الصفراء، وأن يعتقدوا بأن ذلك جهاد سيقربهم من الله ويدخلهم الجنة من أعرض أبوابها.

ليس صدفة أن تكثف هذه الجماعات المسلحة من عملياتها في تونس، خلال هذه المرحلة بالذات، إذ إن البلاد تشهد مزيداً من تعميق ممارستها الديمقراطية، بعد أن تمكن التونسيون من إرساء مؤسسات تمثيلية منتخبة.

اقرأ أيضاً: سوسة ضحيّة طالب "من دون سوابق": النموذج التونسي مستهدف

ورغم أن هذه المؤسسات لا تزال تشق طريقها بصعوبة، نظرا لحداثتها، ولاستمرار التحدي الاقتصادي والاجتماعي، لكنها بدأت تثبت وجودها، وتعمل على التكيف مع بنيتها الحديثة. ويلاحظ ذلك على مختلف الأصعدة الخاصة بالمسار البرلماني أو السلطة التنفيذية أو المعركة الدائرة حاليا، فيما يتعلق بضمان استقلالية القضاء.

تكمن المعضلة في أن الجماعات التي تمارس الإرهاب لا يعنيها هذا الانتقال نحو الديمقراطية، بل ترى فيه وسيلة لإخراج تونس عن هويتها الإسلامية بحكم اقتناعها بأن الديمقراطية كفر، وأن الدستور خروج عن الإسلام.

ولهذا تحرص هذه الجماعات على مضاعفة معاناة التونسيين، من خلال تحويل أحلامهم إلى كوابيس، وأفراحهم إلى أحزان. كما تختار التوقيت الأسوأ للقيام بعملياتها وتصيد ضحاياها.

والسؤال الأبرز: أين تبدو أخلاقيات الجهاد عندما يتسلح شخص بكلاشنكوف، ويهجم على مدنيين يسبحون أو يتمددون بملابس البحر على الرمال، لا يملكون أي قدرة على الدفاع عن أنفسهم، ولم يأتوا لغزو تونس، فيقوم باصطيادهم كالأرانب، ويتركهم جثثا من دون تمييز بين شيوخ ونساء وأطفال.

ضرب السياحة

هدف الذين خططوا لهذه العملية، هو توجيه ضربة قاصمة لقطاع السياحة، وذلك بعد الجهود الجبارة التي بذلتها تونس من أجل امتصاص تداعيات العملية السابقة التي تعرض لها متحف باردو، وإعادة الثقة في قدرة تونس على حماية زوارها.

ومن المعروف أن الحرب الاقتصادية تعدّ من الوسائل المعتمدة من قبل التنظيمات الإرهابية أو الحركات الثورية المسلحة، من أجل إضعاف القدرات الدفاعية للدولة تمهيدا لإسقاطها. قتل السياح الغربيين بهذا الأسلوب الوحشي يشكل ضربة قاتلة للقطاع السياحي الذي يشغل ما بين 800 ألف و1.5 مليون شخص.

اقرأ أيضاً:27 قتيلاً في هجوم إرهابي على فندق بمدينة سوسة

وتأسيساً على ذلك، يمكن إرباك الدولة بمزيد من إغراقها في وحل الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بعد قيام الثورة. هذه الأزمة التي أعادت في الأشهر الأخيرة حالة الاحتقان الاجتماعي ورفعت من نسقها بشكل مخيف.

كما تواصلت من جهة أخرى حملة التشكيك في قدرة الحكومة الائتلافية الثانية على قيادة البلاد وتحقيق أهداف الثورة، رغم أنها أكثر حكومة مدعومة من البرلمان في تاريخ التجربة الديمقراطية القصيرة.

تحد تاريخي

وقد استغلت الجماعات المسلحة الأجواء المضطربة والخلافات السياسية والنقابية الحادة، من أجل تعميق التناقض بين التونسيين، ورفع درجة إحساسهم بالخوف من المستقبل، والعمل على دفعهم إلى اليأس من مستقبلهم الديمقراطي.

تونس تمر بتحد تاريخي فريد من نوعه في كامل المنطقة العربية. فهي من جهة حافظت على وجود الدولة، ونجحت خلافا لبقية دول ما سمي بالربيع العربي، في المحافظة على تماسكها الداخلي والتزامها بالنهج الديمقراطي من جهة أخرى.

لكن من جهة أخرى تجد نفسها عرضة لسلسلة من العمليات المتتالية والهادفة إلى إجهاض تجربتها، من خلال إغراقها في مستنقع الاقتتال، والعمل على إيقاف عملية الانتقال الديمقراطي، وتفكيك الدولة الوطنية، وتحويل تونس إلى مجرد إمارة تستمد وجودها وسياساتها من مرجعية هلامية نابعة من خارج كيانها، وبعيدة كل البعد عن أصولها التاريخية.

إما أن تتمكن البلاد من رفع التحدي ومواصلة سيرها نحو حماية تجربتها الديمقراطية الناشئة، أو أن تسقط مرة أخرى في أيدي قوى الثورة المضادة بجناحيها: الجناح المفيوزي القائم على النهب والقمع، أو القوى الرجعية التي تريد أن تحول الدين إلى سجن كبير.  

 اقرأ أيضاً:المرزوقي مهنئاً برمضان: أيام صعبة على التونسيين وتجاوزها ممكن

دلالات
المساهمون