شهدت جبهات القتال في محافظة إدلب شمال سورية بين قوات النظام وفصائل المعارضة المسلحة هدوءاً شبه تام على معظم محاور الاشتباكات بين الطرفين، خلال الأيام الأخيرة، بسبب توقّف قوات النظام عن التقدّم أكثر في كل من الريف الجنوبي والغربي للمحافظة وفي ريف حلب الجنوبي الغربي، وبسبب توقّف الطيران الروسي وطيران النظام عن قصف المدنيين في المدن والبلدات في تلك المناطق. على الرغم من ذلك، لم تقم قوات المعارضة بمحاولة جدية لشنّ هجوم عكسي تحاول من خلاله استعادة ما قضمه النظام من مناطق يفترض أنها مناطق هدنة قام بخرقها خلال عمليته الأخيرة بمؤازرة الضامن الروسي لتلك الهدنة.
في ظل هذا الوضع، يبدو المشهد وكأنه مسرحية يقوم من خلالها النظام بالسيطرة على مناطق متفق عليها ولكن بعد أن يتم تهجير سكانها وتدمير منازلهم وقتل عدد منهم، فيما تأخذ فصائل المعارضة دور المدافع غير القادر على الصمود في وجه تلك الحملة الشرسة التي يقوم بها النظام، مع التزايد اليومي في عدد الضحايا المدنيين والارتفاع المرعب في أعداد النازحين الذين يتم حشرهم ضمن بقعة جغرافية ضيقة.
هذا الوضع يطرح العديد من التساؤلات حول عدم مبادرة فصائل المعارضة الموجودة في محافظة إدلب إلى استغلال فترة توقف القصف والمبادرة بهجوم لاستعادة ما تم انتزاعه منها، بل الأسوأ التمهيد في بعض مناطق ريف إدلب الجنوبي للانسحاب منها، وذلك من خلال توجيه الأهالي لإخلائها، لأنها هدف مقبل للنظام. ويأتي ذلك فيما كانت قوات النظام قبيل العملية على إدلب تعاني من نقص هائل في عدد العناصر وفي إمكانية فتح أكثر من جبهة مع المعارضة، في حين كانت قوات المعارضة تستعرض عضلاتها باتحاد جميع عناصرها ضمن ما سمي بـ"الجيش الوطني" الذي ينتشر من محافظة الحسكة إلى محافظة إدلب، ولديه عشرات نقاط التماس مع النظام في ريف حلب الشمالي والشرقي، والتي لم يحرك فيها ساكناً، في الوقت الذي كان يتقدّم فيه النظام في محافظة إدلب.
ولو تم في تلك النقاط فتح جبهات مع قوات النظام، فإن ذلك كان سيشكّل عامل ضغط كبير عليه يجعله يعيد حساباته بالنسبة لعملية إدلب، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن هناك اتفاقاً غير معلن بين الضامنين الروسي والتركي على نقل السيطرة في كل المناطق الواقعة جنوب طريق حلب اللاذقية وشرق طريق حلب دمشق إلى قوات النظام، ولكن من خلال معركة، ليتحوّل قتل المدنيين إلى مجرد رسائل يتبادلها الضامنون، فيما النتيجة النهائية محسومة، بحسب الاتفاقات. ومن هنا فقط يمكن معرفة سبب عدم مبادرة "الجيش الوطني" لاستعادة ما تم الاستيلاء عليه من قِبل قوات النظام.