تأجيل جنيف السوري: روسيا تخشى عودة أميركية

28 يناير 2017
الغوطة الشرقية تحت قصف النظام والمليشيات الحليفة (فرانس برس)
+ الخط -

كانت روسيا تسابق الزمن من أجل إرساء أكبر ما يمكن من الوقائع على الأرض في المسألة السورية، من خلال العمل على مسارات متوازية سياسية وعسكرية وقانونية، ومواصلة الزخم الناتج عن اجتماع أستانة، الذي انبثق قبل ذلك من معركة حلب واتفاق وقف إطلاق النار، استباقاً لأية خطوات قد تصدر عن الإدارة الأميركية الجديدة، وسعياً لتثبيت منجزاتها العسكرية على الأرض وتحويلها إلى مكتسبات سياسية. لكن إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن تأجيل الاجتماع الدولي في جنيف الخاص بالملف السوري من 8 فبراير/شباط المقبل إلى نهاية الشهر نفسه، جاء، بتفسير كثيرين، بمثابة تريث روسي في المضي قدماً في المشروع الروسي، بعد المفاجأة التي فجّرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما جزم بأنه "بالتأكيد سننشئ مناطق آمنة للسوريين"، مرفقاً بتتمة بريطانية ترجمتها لندن بعدم استبعاد إرسال قوات حفظ سلام إلى هذا البلد. ارتبكت روسيا فقررت تأجيل اجتماعات جنيف وتحميل الأمم المتحدة مسؤولية التأجيل ربما لتفادي تلاسن كلامي أول مع واشنطن، وكأن الكرملين يستشعر عودة أميركية ــ بريطانية إلى المنطقة عموماً وإلى الملف السوري خصوصاً، ربما يبلغ ترامب نظيره فلاديمير بوتين، في الاتصال الهاتفي الذي يجري بينهما اليوم السبت، بعناوينه العريضة. عودة أميركية، إن حصلت، فمن شأنها أن تعيد خلط الأوراق الروسية التي كانت سعيدة بالغياب الأميركي ــ الأوروبي عن المنطقة، ليظهر وكأن مساراً أميركياً يتم التأسيس له من أجل الحل السوري، بشكل موازٍ أو ربما مناقض لمسار موسكو، أو مسار أستانة بتوافق روسي ــ تركي ــ إيراني. وجاء استغراب الأمم المتحدة لرمي موسكو مسؤولية تأجيل الموعد السويسري، ليظهر أكثر درجة الارتباك الروسي والتأجيل غير المفهوم إلا في إطار ترقّب مشروع أميركي جديد في سورية.

وذكرت يارا الشريف، المتحدثة باسم المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أنه "لا يوجد تأكيد بأن محادثات فبراير أرجئت"، مضيفة أن "المبعوث الخاص سيتوجه إلى نيويورك الأسبوع المقبل، وسيتباحث في المسألة مع الأمين العام للأمم المتحدة" أنطونيو غوتيريس. وتابعت "سنتأكد من الموضوع بعد عودة المبعوث الخاص".
مصدر استغراب الإعلان الروسي تأجيل اجتماعات جنيف، ينبع من أنه قرار غير مبرر موضوعياً: لم تحصل خروق كبيرة لمشروع وقف إطلاق النار، من شأنها إحداث تطورات ميدانية تبرر تعديل الموعد. ثم لا وجود لأي تغير في مواقف الأطراف السورية التي اجتمعت في أستانة، ولا مواقف القوى السياسية التمثيلية للمعارضة، ولا تغير في مواقف الدول الضامنة (تركيا وإيران) التي تعمل ضمن المسار الروسي في الحل.



هكذا، لا يبقى هناك مدخل لفهم التردد الروسي إلا في المعطيات التي تتعلق بالقرار الأميركي الأخير حول احتمال إنشاء مناطق آمنة في سورية والتحركات السياسية الأميركية ـ البريطانية التي توحي بوجود مسار آخر غير المسار الروسي في الحلّ السوري، فيما كانت كل من تركيا وقطر أولى الدول التي رحبت بهذا القرار، إذ حثت تركيا الإدارة الأميركية على تنفيذ هذا القرار، كونه كان أحد أهم مطالبها في سورية، التي كانت تواجه برفض من الإدارة الأميركية السابقة كي لا تصطدم مع روسيا في الملف السوري.

وجاء الإعلان الأميركي عن مناطق آمنة في سورية بشكل أزعج الكرملين بوضوح، في الوقت الذي كانت فيه موسكو تروّج لنجاحها في تحويل سورية "عدا مناطق سيطرة (تنظيم الدولة الإسلامية) داعش" إلى منطقة آمنة، من خلال اتفاق وقف إطلاق النار، ولنجاحها في جمع الأطراف العسكرية السورية الفاعلة على الأرض من خلال لقاء أستانة، وأنها أصبحت على بعد خطوات قليلة من البدء بمسار حل سياسي على مقاس الرؤية الروسية. الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول المسار الذي تسير فيه السياسة الأميركية من موضوع الحل في سورية، فيما إذا كان سيكون مساراً داعماً للجهود الروسية، أم أن الإدارة الجديدة تفكر بلعب دور أكثر فعالية بالقضية السورية، من خلال التنسيق مع شركائها الأوروبيين بعد أن تحولت الإدارة السابقة إلى مجرد وسيط بين الأطراف.



مع العلم أن تصريحات بريطانية بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، ترجّح نية بريطانيا أداء دور أكبر في سورية، بعد إعلان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون خلال جلسة استماع أمام لجنة برلمانية حول الشرق الأوسط، يوم الخميس، أن لندن تحترم روسيا، قبل أن يستدرك: "لكن يجب التعامل مع موسكو بحرص وحسم إذا أساءت التصرف"، موضحاً أن "بريطانيا ستعود للقيام بدور أكبر على الساحة الدولية". ولم يستبعد جونسون مشاركة بريطانيا في قوات حفظ سلام في سورية بعد التوصل إلى حل.

كما أن أول لقاءات الرئيس الأميركي بعد انتخابه، كانت أمس، مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وكان على رأس جدول أعمال هذا الاجتماع تفعيل العلاقات البريطانية الأميركية في مواجهة الخطر الإيراني، الذي تعتبره الإدارة الأميركية الجديدة "الخطر الأكبر على أمنها وأمن حليفتها إسرائيل". وسبق لماي أن أعلنت خلال زيارتها لعاصمة البحرين المنامة، أن "إيران تشكل خطراً واضحاً على منطقة الخليج ولا بد من التصدّي لها عن طريق بذل جهود مشتركة".

كما أكدت أوساط بريطانية أن ماي سعت من خلال مباحثاتها مع ترامب أمس الجمعة إلى تقريب واشنطن من التوجهات التي أعلنتها في المنامة من دعم كامل لدول الخليج ضد السياسة الإيرانية، وهي ستشجع في هذا المضمار الرئيس الأميركي على إعادة تصويب العلاقات الأميركية الخليجية والتي تعرضت للارتباك والبرود إبان عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.



كما أن تهميش الدور الأوروبي والعربي الخليجي في القضية السورية خلال الفترة السابقة على حساب إبراز الدور الإيراني ومحاولة الروس تسويق ايران كطرف محايد وضامن في صياغة الحل، ربما يدفع بالولايات المتحدة للتعاون مع تلك الأطراف على مسار حل سياسي بديل للخطة الروسية وممارسة ضغوطات على الجانب الروسي من أجل تقليص الدور الإيراني في الحل، بدءاً من مشروع انشاء مناطق آمنة في سورية والسير باتجاه حل سياسي بفعالية أكبر لتلك الدول. وقد تكون هذه المعطيات قد دفعت روسيا لتأجيل مفاوضات جنيف إلى حين استبيان طبيعة السياسة الأميركية تجاه المنطقة وإجراء مباحثات أكثر مع الإدارة الجديدة، التي قد تكون بدايتها اليوم السبت بالاتصال الهاتفي الذي سيجريه الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.


المساهمون