قرار روسي بحل مليشيات النظام في سورية

09 يونيو 2018
مليشيات تابعة للنظام في دوما (يوسف كرواشان/فرانس برس)
+ الخط -



بعد تمكن النظام السوري بغطاء روسي من تأمين محيط العاصمة دمشق وتهجير كل الفصائل التي كانت تشكّل تهديداً له فيها إلى الشمال السوري، وكذلك تأمين الطريق الدولي بين دمشق وحماة بعد عمليات تهجير ريف حمص الشمالي، بدأ النظام بتغيير استراتيجيته في التعاطي مع المليشيات التي تم تشكيلها خارج إطار الجيش النظامي ضمن ما عرف باسم "الدفاع الوطني" التي أدت دوراً كبيراً في الحرب السورية إلى جانب النظام وأُطلقت أيديها بشكل مطلق لممارسة كل أشكال الفساد والنهب وبكل الطرق الممكنة. وبدا أن هناك قرارات عديدة قد اتخذت وتم البدء بتطبيق بعضها، تحديداً المرتبط بمستقبل المليشيات ووضع الحواجز الأمنية التي نصبتها مع الأفرع الأمنية على الطرقات وداخل العاصمة.

وبما أن روسيا هي التي قادت عملية تأمين كل تلك الجبهات وساهمت في تحويلها إلى جبهات مستقرة، فمن المرجح أن كل القرارات المتخذة في الوضع العسكري والأمني هي قرارات روسية، خصوصاً أنها جاءت بعد زيارة رئيس النظام بشار الأسد لروسيا في 17 مايو/ أيار الماضي، ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم تغيير موقفه من الكثير من القضايا على المستوى السياسي والأمني. في هذا السياق، غيّر الأسد موقفه قبيل مغادرته لروسيا من اللجنة الدستورية التي كان يرفضها قبل الزيارة وتعهد بتشكيل لجنة تابعة للنظام بهذا الشأن. ثم توالى تنفيذ عدد من القرارات الأمنية والعسكرية بعد عودته إلى دمشق. وترى موسكو أن المليشيات انتهى دورها فعلياً، كما أن استمرار وجودها بدأ يشكل خطراً على الأمن في المناطق التي تنشط فيها. وهو أمر يتوافق منطقيا مع توجهات النظام الذي بدأ يرى في تعاظم نفوذ بعض المليشيات خطراً قد يحوّلها إلى سلطة موازية وأحياناً فوق سلطته.

وكشفت مصادر من داخل الأجهزة الأمنية في دمشق لـ"العربي الجديد"، عن "صدور مجموعة قرارات من قبل كبار قيادات النظام تتعلق بوضع المليشيات، كان أهمها إصدار قرار إلى جميع الأفرع الأمنية في سورية بحل جميع المليشيات والعصابات التي كانت تعمل لصالح الأفرع والضباط الكبار، كسهيل الحسن المعروف بالنمر وغيره".

بالإضافة إلى ذلك، تمّ توجيه قرارات لجميع الأفرع الأمنية في دمشق بإزالة الحواجز الأمنية داخل مدينة دمشق التابعة لسلطة اللجان الشعبية والدفاع الوطني والمليشيات الأخرى غير النظامية، وتسليمها للشرطة المدنية التابعة لوزارة الداخلية السورية، تحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية. وأكدت المصادر أن "كل تلك القرارات التي صدرت مصدرها روسي عبر قاعدة حميميم في الساحل السوري".

وبيّنت المصادر أن "من أهم المجموعات التي جاء القرار بحلّها هي مليشيات الدفاع الوطني التابعة لابن عم بشار الأسد، ومجموعات أمن الفرقة الرابعة التابعة للفرقة الرابعة التي يترأسها ماهر الأسد، شقيق بشار، ومجموعات مكافحة الإرهاب التابعة لفرع الأمن العسكري المركزي في دمشق، ومجموعات سهيل الحسن التابع للواء جميل الحسن مسؤول الاستخبارات الجوية في سورية".

وتابعت المصادر أنه "في السياق ذاته، صدر قرار مرادف بإيقاف عمليات التطويع لتلك المليشيات، على أن يتم تخيير المتطوعين فيها بين تسوية وضعهم وتطويعهم في صفوف جيش النظام أو في صفوف (الفيلق الخامس اقتحام) بشكل رسمي، وذلك عبر عقود سنوية كمقاتلين مرتزقة على أن تعمل هذه المليشيات تحت إدارة مشتركة سورية روسية، أو إنهاء عقودهم مع المليشيات وعودتهم لحياتهم المدنية، شرط أن لا يكونوا من المطلوبين لإحدى الخدمتين الإلزامية أو الاحتياطية".



في هذا الإطار، تمّ تأكيد حلّ مليشيات أحمد الدرويش التابعة للاستخبارات الجوية في حماة وسحب جميع الأسلحة والسيارات من عناصره وسحب البطاقات الأمنية منهم. كذلك وصل الأمر إلى علي الشلّي، أحد متزعّمي عصابات الخطف والقتل في الريف الغربي لحماة، الذي طُلب منه إزالة جميع الحواجز التابعة له في تلك المناطق وتسليم البطاقات الأمنية المعطاة لأفراد عصابته أيضاً. كما أن هذه الإجراءات بدأ تطبيقها على أكثر من مليشيا في حماة. أما في حمص، فقد تمّ حل ثلاث مليشيات، منها ما يتبع لفرع الأمن العسكري، وطُلب من أفرادها مراجعة الأفرع الأمنية لتسوية أوضاعهم الأمنية، لأن غالبية عناصرها من المطلوبين لإحدى الخدمتين في جيش النظام.

أما عن الساحل السوري، معقل وأكبر مكان لتجميع مجموعات وعصابات النظام ومليشياته، فقد عملت الشرطة العسكرية الروسية وبمساندة قوى من جيش النظام، على مداهمة مزارع وأماكن تجمّع "قوى صقور الصحراء" في اللاذقية وطرطوس التي يترأسها أيمن جابر، بهدف تطبيق القرارات النافذة بحل تلك المليشيات وضمها للقوات التي تعمل تحت كنف الشرطة العسكرية الروسية، ومصادرة أسلحتها وعتادها الثقيل.

وقال فهد س. الشاب الثلاثيني من مدينة اللاذقية، لـ"العربي الجديد"، إن "اللاذقية ضجّت بخبر حملات الدهم على مراكز مليشيات صقور الصحراء التي تتبع لأيمن جابر، أحد أكبر قيادات النظام في اللاذقية إجراماً، وتحدث الخبر عن اشتباكات جرت في أرياف اللاذقية وطرطوس بين عناصر الشرطة الروسية والأفرع الأمنية من جهة وعناصر مليشيات أيمن جابر من جهة أخرى جراء سخطهم ورفضهم لتسليم سلاحهم وبطاقاتهم الأمنية أو عودتهم إلى جيش النظام، خوفاً من فقدان سلطتهم التي كانوا يملكونها والتي كانوا من خلالها يبتزّون أهالي الساحل السوري".

وأضاف أن "هنالك خوفاً كبيراً يعتري جميع العناصر المتطوعين في مليشيات النظام في جميع المناطق السورية، خصوصاً من المتخلفين عن تأدية إحدى الخدمتين في جيش النظام، لأنّهم وجدوا التطوع في تلك المليشيات ملاذاً آمناً لهم بدلاً من الخدمة في جيش النظام والقتال على الجبهات الساخنة، إلّا أن هذه القرارات الجديدة ستعيدهم رغماً عنهم إلى جيش النظام وتحت سلطة روسية لإيقاف الوساطات الأمنية التي ربما تتدّخل في فرز تلك العناصر أو إرسالها إلى جبهة من الجبهات الساخنة التي ما زالت في سورية، كريف حلب وإدلب".

وأكدت الصحافية شهرزاد الهاشمي، من مدينة سلمية، أنه "تمّ حل جميع مليشيا الدفاع الوطني في سلمية وريفها، وتمت إزالة معظم الحواجز في المنطقة، باستثناء حاجز الكافات المشترك بين جهات عدة، بعضها يتبع لمليشيات تابعة لأفرع أمنية". وأضافت أنه "منذ أكثر من أربعة أشهر تم إيقاف رواتب عدد كبير من مليشيا الدفاع الوطني، خصوصاً المليشيا التي تتبع للمدعو غزوان السلموني. الأمر الذي دفع بعض العناصر إلى ترك تلك المليشيات ولجوء البعض الآخر إلى استخدام سلطتهم في عمليات النهب والسرقة، إلى أن تمّ حلّ تلك المليشيات بالكامل". وبدأت مناطق موالية للنظام وعائلات كبيرة منها بإبداء سخطها على النظام، خصوصاً مناطق ريف الساحل السوري وريف حماة وحمص جراء هذا القرار، وبدأت طلباتهم بأن "يتم ترك أبنائهم وشبابهم للدفاع عن مناطقهم كمليشيا دفاع ذاتي، في ظلّ دفعهم للآلاف من شبانّهم للحفاظ على بقاء النظام".