روسيا تهدّد إدلب لانتزاع جبل التركمان وجسر الشغور

29 يناير 2019
الوضع في إدلب مرشح للتصعيد(عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
لا يكاد شمال غربي سورية يبتعد عن واجهة الحدث حتى يعود مرة أخرى مع تزايد التهديدات التي يطلقها النظام بشن هجوم واسع النطاق على محافظة إدلب بحجة سيطرة "جبهة النصرة" باسم "هيئة تحرير الشام" على معظم مناطق المحافظة. وتترافق تهديدات النظام هذه المرة مع توالي تصريحات المسؤولين الروس منذ أيام، والتي يتحدثون فيها عن عدم تطبيق اتفاق سوتشي بشكل كامل نتيجة وجود "هيئة تحرير الشام" (النصرة). كما يشددون على رفضهم لفكرة وجود أولويات يجب معالجتها في سورية على حساب ملفات أخرى على قاعدة أن "كل شيء مهم الآن".

بحث عن مقايضة

وفيما تتزايد المخاوف من أن تشهد منطقة الشمال السوري، تحديداً إدلب، تصعيداً عسكرياً قريباً في ظل الحديث عن استقدام تعزيزات عسكرية، توجد شكوك بشأن إمكانية شن قوات النظام هجوماً واسعاً النطاق في الوقت الراهن.

ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى وضع التهديدات المتصاعدة في سياق سياسي أكثر من كونه عسكريا غايته تغيير خريطة السيطرة في خاصرة سورية الشمالية الغربية، أخذاً بعين الاعتبار عدداً من المعطيات أولها أن نبرة التهديد والوعيد من قبل النظام السوري ارتفعت على خلفية الحراك السياسي المحموم لوضع ترتيبات أمنية وعسكرية جديدة لمنطقة شرقي الفرات، ومنطقة منبج غربي النهر، حيث لا يمكن عزل ما يجري في هاتين المنطقتين عما يجري في محافظة إدلب.



كذلك فإن منطقة إدلب محكومة باتفاقات وتفاهمات تركية روسية من الصعب تجاوزها، تحديداً اتفاق سوتشي الذي أعلن عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية، في 17 سبتمبر/أيلول من العام الفائت والذي تم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل.
وتعزز هذه المعطيات من رأي المشككين الذين يعتبرون أن النظام وحلفاءه تحديداً روسيا، يبحثون عن مكاسب عسكرية "سهلة" في شمال غربي سورية، تحديداً السيطرة على مواقع في جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي والتي تقع خارج سيطرة النظام، وعلى منطقة جسر الشغور في ريف إدلب المتاخمة للجبلين، وذلك بهدف تأمين الساحل السوري وقاعدة حميميم الروسية التي عاد الروس للحديث عن استهدافها أول من أمس. كما يسعى النظام إلى السيطرة على أجزاء واسعة من ريف إدلب الجنوبي لتأمين الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري بمدينة حماة في وسط سورية، ومن ثم مدينتي حمص والعاصمة دمشق.
وبحسب أصحاب هذا الرأي فإن النظام وحلفاءه لديهم الاستعداد لتسهيل مهمات الجيش التركي الذي يريد القضاء على "الخطر الكردي" في غربي نهر الفرات وشرقه، في سبيل الحصول على هذه المناطق. وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعاد التأكيد أمس الاثنين على تصميم تركيا التقدم باتجاه شرق الفرات لإبعاد المسلحين الأكراد الذين تصفهم أنقرة بـ"الإرهابيين الانفصاليين"  بقوله "سنحقق السلام والاستقرار والأمن في منطقة شرق نهر الفرات قريبا، تماماً كما حققناه في مناطق أخرى". ولفت أردوغان، خلال مشاركته في الاجتماع التأسيسي لشبكة تعاون جمعيات الهلال والصليب الأحمر في دول منظمة التعاون الإسلامي في مدينة إسطنبول، إلى وجود تنسيق مع الدول التي لها قوة عسكرية على الأرض، وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة، موكداً "وجود مؤشرات إيجابية من الدولتين". وشدد على أنّ "هدف تركيا هو ضمان أمنها القومي وتعزيزه إلى جانب ضمان وحدة الأراضي السورية". كما لفت أردوغان إلى أن تركيا "ستطهر المنطقة من عناصر داعش وبقاياها التي يتم تدريبها ضد تركيا". وأكد أردوغان أنهم سيقضون على "بقايا داعش التي تركت في المنطقة عن عمد وعلى داعش الذي سيق عن عَمدٍ تجاه تركيا". وربط بين تأسيس المنطقة الآمنة وعودة أربعة ملايين سوري في تركيا إلى سورية.
في موازاة ذلك، حمل حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس الاثنين، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الكازاخستاني خيرات عبد الرحمنوف، تلميحاً واضحاً إلى رغبة روسيا بصفقة متكاملة مع الأتراك. وبينما قال إن استحواذ "هيئة تحرير الشام" على أغلبية المنطقة في إدلب لا يتوافق مع الاتفاقات التي تم التوصل إليها من أجل حل مشكلة منطقة الأمن في إدلب، لافتاً إلى أن "الجانب التركي أكد استعداده للتخلص من الإرهاب في إدلب"، شدد على أنه لا يمكن الحديث عن أولويات في سورية، "فكل شيء مهم حالياً، القضاء على بؤرة الإرهاب في إدلب، تأمين المناطق الحدودية الشمالية، عودة اللاجئين، واللجنة الدستورية".
وجدد لافروف تأكيد أن موسكو تعتبر أنه من الممكن أن تستخدم تركيا وسورية "اتفاق أضنة" لتوفير الأمن على الحدود السورية التركية. كما أكد وزير الخارجية الروسي، أن هناك توافقا على عقد قمة روسية تركية إيرانية بشأن سورية خلال شهر فبراير/شباط المقبل.
وكان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، قد أعرب أول من أمس الأحد في حديث تلفزيوني، عن قلق كل من موسكو ودمشق إزاء تطورات الأوضاع في إدلب شمال غربي سورية، مشيراً إلى أن الاتفاقات مع الجانب التركي حول هذه المنطقة لا يتم تنفيذها بالكامل.

تعزيزات عسكرية

في موازاة ذلك، عاود النظام التلويح بحرب في شمال غربي سورية عقب صمت شهور نتيجة اتفاق سوتشي. وقالت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام إن معركة إدلب "تلوح في الأفق"، ناقلة عن مصدر ميداني أمس الاثنين قوله إن قوات النظام "استقدمت تعزيزات جديدة إلى محيط إدلب تحضيراً لعملية عسكرية جديدة لن تقتصر على المنطقة المنزوعة السلاح التي نص عليها اتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي". وأضاف المصدر أن قوات النظام استقدمت خلال اليومين الماضيين أرتالاً عسكرية جديدة من الأسلحة الثقيلة والدبابات والآليات، انضمت إلى تعزيزاته التي انتشرت حشودها على جبهات ريف إدلب الجنوبي الشرقي وريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي. وبحسب المصدر نفسه فإن هذه القوات جاهزة "لتنفيذ أي مهمة تطلب منها"، مشيراً الى أنها أحبطت "كل عمليات التسلل التي نفذتها النصرة وحليفها تنظيم حراس الدين". وأشار إلى هذه القوات "تعاملت (أول من أمس) الأحد بالوسائط النارية المناسبة مع الإرهابيين خلال نقلهم عتاداً عسكرياً باتجاه النقاط المتقدمة في بلدات الخوين والتمانعة والزرزور، جنوب شرق إدلب وإيقاع قتلى وجرحى في صفوفهم وتدمير آليات عسكرية بحوزتهم"، على حد قوله.
وأشارت مواقع إخبارية تابعة للنظام إلى أن التعزيزات التي وصلت أخيراً من قواته إلى محيط محافظة إدلب هي من "الفرقة الأولى"، و"فوج المدفعية 141"، قائلة إنه من المقرر أن تبدأ مهمة جديدة في الأسابيع المقبلة.
في موازاة ذلك أكدت مصادر محلية في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الروس يعززون مواقعهم في هذا الريف الملاصق تماماً لريف ادلب الجنوبي، مشيرة الى أنهم استقدموا تعزيزات من "الفيلق الخامس اقتحام"، الخاضع لإشرافهم خصوصاً في منطقة الطليسية شمال شرق مدينة صوران والقرى المحيطة بها. وأكدت المصادر أن هناك تعزيزات روسية في مزرعة الترابيع جنوب حلفايا وفي تل صلبا جنوب مدينة سقيلبية، مشيرة إلى وجود معسكر للمليشيات المنضمة حديثاً للفيلق الخامس قرب قرية عناب. كما يوجد تعزيزات تابعة للجانب الروسي على أطراف ريف حماة الشمالي في مناطق بريديج، الحماميات، الجبين، الشليوط، الناصرية، المصاصنة، الزلاقيات، طيبة الإمام، صوران، عطشان. وأشارت المصادر إلى أن التعزيزات الجديدة من الروس والمليشيات التابعة لهم، تقع خلف نقاط التماس بحوالى سبع كيلومترات، معربة عن اعتقادها أن الهدف الرئيسي منها "إغلاق المنطقة وليس شن هجوم عسكري". واعتبرت أنه لا توجد مؤشرات على هجوم وشيك ضد مواقع المعارضة في ريف حماة الشمالي أو إدلب، مضيفة "حتى اللحظة تكتفي قوات النظام باستهداف مناطق المعارضة بين وقت وآخر بقذائف المدفعية".
من جانبه، أكد محمد رشيد مدير المكتب الإعلامي في "جيش النصر" التابع لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" أكبر تجمع لفصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، في حديث مع "العربي الجديد" أن الجبهة لم ترصد الحشود التي تتحدث عنها وسائل إعلام النظام. ولفت إلى أنه تم "رصد اقتتال بين الفيلق الخامس اقتحام الذي يتبع للروس وبين الفرقة الرابعة التي تتبع للإيرانيين". وأشار إلى أن قوات المعارضة تعزز بشكل دائم مواقعها، مؤكداً الجهوزية "للتصدي لأي عدوان من قبل قوات النظام في حال حدوثه".

من جهته قال القيادي في الجيش السوري الحر، قائد حركة "وطن"، العقيد فاتح حسون، إن النظام "أضعف من أن يخوض معركة محدودة على محور في قرية بدون مساندة جوية روسية، وقوات برية إيرانية. لهذا فتهديدات النظام الجديدة وراءها روسيا وإيران". وأضاف "روسيا تريد الضغط على تركيا لإبعادها عن التقارب مع الولايات المتحدة، أما إيران فقد وجدت نفسها وحيدة غير مكترث بها دولياً في كل الاتفاقيات التي تحدث وحتى تلك التي من الممكن أن تحدث لاحقاً ومنها المنطقة الآمنة وإعادة الإعمار، لذا فالدولتان تحركان نظام الأسد لإصدار هذه التصريحات التي من الجيد أن تؤخذ بمحمل الجد". وأوضح أن "التقارب التركي الأميركي سينتج عنه تباعد مع روسيا، وبجميع الحالات فدور إيران المخرب سيبقى ويتمدد، إن لم يتم لجمها بكل ما تعنيه هذه الكلمة".