وكانت أدت هذه الأحداث إلى فشل اتفاق مكة بين حركتي "حماس" و"فتح" (تمّ الاتفاق بموجبه على إيقاف الاقتتال الداخلي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية) الذي وقع في فبراير/شباط عام 2007، برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، لتنهار حكومة الوفاق الوطني التي كان يرأسها إسماعيل هنية، بعدما أقاله الرئيس محمود عباس، وكلّف سلام فياض برئاسة حكومة جديدة. وقد رفضت "حماس" من جهتها هذه الإجراءات، وأعلنت أن حكومتها ستواصل تسيير أعمالها في غزة كونها جاءت بإرادة شعبية، ووفقاً لصناديق الاقتراع، بعدما حصدت أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي عقب الانتخابات التشريعية التي أجريت مطلع عام 2006.
وأعقبت الانقسام تحركات عربية لرأب الصدع، كان أولها اتفاق صنعاء الذي وقع في 23 مارس/آذار عام 2008 والذي نصّ على الدخول في حوار مباشر بين الطرفين بشأن العودة بالأوضاع في قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل الاقتتال والانقسام في يونيو/حزيران 2007. غير أنّ الحركتين اختلفتا على تفسير بنود الاتفاق، إذ طالبت "حماس" بعودة حكومة الوحدة برئاسة هنية، في الوقت الذي طالبت فيه "فتح" بأن تسلّم "حماس" القطاع كاملاً لإدارة السلطة. ومع تجمد الحوارات، دخلت مصر في سبتمبر/أيلول 2009، لتطرح رؤية جديدة عملت على صياغتها لإنهاء الانقسام، غير أنّ هذا التحرك لم يكتمل وفشلت الجهود المصرية كذلك في التوصّل لاتفاق ينهي الانقسام، ويعيد الطرفين للوحدة من جديد.
وبعد انهيار نظام الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، تحركت الاستخبارات المصرية برعاية الجامعة العربية لرعاية الحوار الفلسطيني، وتكلل ذلك بالنجاح، إذ وقعت الفصائل في 4 مايو/أيار 2011 على اتفاق نصّ على معالجة القضايا كافة التي نجمت عن الانقسام. وتمّ تشكيل لجان رئيسية لإتمام مقتضيات المصالحة، وهي: الانتخابات، المصالحة المجتمعية، تشكيل حكومة وحدة وطنية، ضمان الحريات العامة، بناء الثقة، تفعيل المجلس التشريعي، وإعادة هيكلة منظمة التحرير لتنضم إليها الفصائل غير الممثلة فيها، لا سيما حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، غير أن ذلك لم يتحقق.
وفي 6 فبراير/شباط 2012، عادت "فتح" و"حماس" لتوقعا في العاصمة القطرية الدوحة على اتفاق رعاه أمير قطر آنذاك، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ووقعه الرئيس محمود عباس نيابة عن "فتح"، وخالد مشعل نيابة عن حركة "حماس". وقد نصّ الاتفاق على تفعيل وتطوير "منظمة التحرير"، وتشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات مهنية مستقلة برئاسة عباس.
ومع الفشل المتكرر الذي كان من نصيب كل هذه الجهود، اجتمعت الفصائل الفلسطينية في 23 إبريل/نيسان 2014، في منزل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ووقعت اتفاقاً جديداً نصّ على تشكيل حكومة توافق يعقبها بستة أشهر إجراء انتخابات عامة. وبموجب الاتفاق، تشكّلت حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله، وضمت 4 وزراء من قطاع غزة. غير أنّ هذه الحكومة لم تستلم مهامها بشكلٍ كامل في القطاع، إذ فجّر ملف الموظفين الذين عينتهم حركة "حماس" بعد عام 2007 الأزمات، لتقرر الأخيرة لاحقاً تشكيل لجنة إدارية لتسيير مهام الوزارات الخاصة بها، فيما بقيت الحكومة من دون صلاحيات في غزة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، توصلت "فتح" و"حماس" إلى اتفاقٍ جديد في القاهرة برعاية جهاز الاستخبارات المصري، نصّ على تمكين حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمدالله من تولي المسؤوليات كافة في قطاع غزة، وأن يتولى حرس الرئيس الإشراف على المعابر ولا سيما معبر رفح الحدودي مع مصر.
ولكن بقيت ملفات الموظفين والسيطرة الأمنية والقضائية للحكومة في غزة على حالة الخلاف، إذ لم يتم دمج موظفي الحكومة السابقة بموظفي السلطة، ما رفع التوتر بين الطرفين ليعاودا الدخول في موجة من التراشق الكلامي والاتهامات، فشلت معها الجهود المصرية في احتواء الأزمة. وجاء التفجير الذي تعرض له موكب الحمدالله في غزة، مارس/آذار عام 2018، ليعقد المشهد أكثر بين الحركتين، إذ اتهم الرئيس محمود عباس وحركة "فتح"، "حماس" بمحاولة اغتياله، فيما رفضت الأخيرة هذه الاتهامات واعتبرت أن ما جرى محاولة تهدف لإفشال المصالحة. وفي أعقاب ذلك، تجمّدت المصالحة وانتهت برحيل حكومة الوفاق وتشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد اشتية.
ومن جديد، تحرك الرئيس الفلسطيني في سبتمبر/أيلول الماضي، للإعلان عن نيته إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، ملوحاً بتحميل الطرف المعطل لهذا التوجه المسؤولية السياسية، لتعلن "حماس" في وقت لاحق موافقتها الكاملة وغير المشروطة على إجراء الانتخابات، قبل أن يتجمد هذا الملف كلياً أيضاً. ولا يزال الانقسام الفلسطيني مسيطراً على كل شيء في حياة الفلسطينيين، وباتت القضية الفلسطينية في مهب الريح وسط تآمر كثيرين عليها، فيما لم يستطع الشعب فعل شيء لإجبار الطرفين المتنازعين على القيام بما يلزم لإنهاء هذا الانقسام والتفرغ لحماية المشروع الوطني الفلسطيني.