الجزائر... إنذار من بجاية والبويرة

05 يناير 2017
تشابهت الأحداث مع أحداث عام 2011 (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -
تحوّلت الأنظار مطلع العام الحالي إلى الجزائر، تحديداً إلى ولايتي بجاية والبويرة، شرق العاصمة. لم ينتظر الجزائريون، وعلى رأسهم التجار، طويلاً للاحتجاج على الميزانية الجديدة لعام 2017، التي أصدرتها السلطات وتضمّنت زيادة في الضريبة على القيمة المضافة من 17 في المائة إلى 19 في المائة، وكذلك زيادة في الرسوم على العقارات والوقود والتبغ، واستحداث رسم على الأجهزة الكهربائية التي تستهلك الكثير من الطاقة. كما قررت الحكومة أيضاً تجميد التوظيف في القطاع العام وعدم زيادة الأجور خلال سنوات 2017 و2018 و2019، فضلاً عن أنه تمّ إنجاز الموازنة على أساس سعر 50 دولاراً لبرميل النفط، باعتبار أن تصدير المحروقات يُشكّل 95 في المائة من مداخيل البلاد.


منذ يوم الاثنين، تشهد بجاية والبويرة إضراباً نسبياً للتجار احتجاجاً على الميزانية، في ظلّ استمرار المواجهات في الشوارع بين محتجين وقوات الشرطة، التي تدخّلت فيها قوات مكافحة الشغب مستخدمة الغاز المسيّل للدموع، وسط أنباء إعلامية تفيد بسقوط جرحى من المحتجين ورجال الأمن. كما ذكرت معلومات أن أحداث الشغب انتقلت إلى مدينتي أقبو وسيدي عيش، حيث قام المحتجون بتخريب مقار شركات ومبان إدارية، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الألمانية. وأرسلت السلطات الجزائرية تعزيزات أمنية إلى بجاية لمحاصرة أحداث العنف والتخريب التي طاولت حافلات عمومية ومقرات محلات تجارية تم نهب محتوياتها.

من جهته، اعتبر وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، أن "الدولة هي الضامن الوحيد للقدرة الشرائية للمواطنين الجزائريين، وأن السلطات الأمنية تسيطر على الوضع". و"توعّد" كل من يحاول المساس بالممتلكات العامة والخاصة، بأنه سيجد أمامه الدولة الجزائرية بمؤسساتها وقوانينها وعدالتها بالمرصاد. وأوضح أن "الحكومة خصصت ما يزيد عن 10 مليارات دولار في موازنة 2017 للحفاظ الدائم على الدعم الموجه للمواطن". وبدت الأحداث الأخيرة مشابهة لأحداث يناير/ كانون الثاني 2011، التي عُرفت بـ"أحداث الزيت والسكر"، حين شهدت مدن بجاية والبويرة ومناطق في ضواحي العاصمة الجزائرية إضراباً للتجار وقطع طرقات وإشعال العجلات المطاطية وتخريب ونهب محلات تجارية.

في بجاية، ما زالت بعض المحلات التجارية مغلقة استجابة لنداء الإضراب، لكن الوضع العام عاد إلى طبيعته، حسبما أشار الإعلامي جيلالي يعقوبن، المقيم في المدينة. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر يعني أن جزءاً من التجار فضّلوا فتح محلاتهم وعدم الانخراط في حراك تشوبه الفوضى".



من جهته، اتهم شاهد عيان من بجاية، يدعى جمال الرزقي، من سماهم "بمجموعات منحرفة دخلت على الخط، ما يعني أن هناك حركة فوضوية، أضف إلى ذلك مظاهر النهب والسطو، فكل هذه الأمور لا تدعو إلى الاطمئنان ولا تشجع أي فئة للمشاركة في مسيرة احتجاجية أو أي شيء آخر". كما كشف الصحافي جمال عليلات أنه "شاهد تعزيزات أمنية، اتجهت نحو بجاية، فيما قام عمال البلديات بتنظيف الشوارع من آثار الشغب وأحداث العنف في الشوارع". وعلى خلفية الاحتجاجات، طالبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بـ"توخي الحذر وعدم الانجرار وراء مخططات الفتنة وبضبط النفس لتفادي الانزلاق". وأكدت الرابطة أن "الحكومة مطالبة بإيجاد حلول عاجلة لتهدئة الأوضاع، بعد انهيار القدرة الشرائية والسياسات الشعبوية المكرسة للتهميش والتفقير والإقصاء، المفروضة على رقاب الفئات المحرومة والكادحة من الشعب الجزائري".

أما رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، فدعا السلطات إلى فتح الحوار وعدم الانفراد بالقرارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية. وذكر في حسابه على موقع "فيسبوك"، مساء الاثنين، أن "التخريب والاعتداء على الممتلكات في الاحتجاجات لا يخدم إلا السلطة الحاكمة، وإذا خرج الاحتجاج عن إطاره السلمي انقلب إلى ضده وتحول إلى أداة هدم وليس بناء".



ليست مشاكل الأسعار والضرائب فقط ما يقلق سكان ولاية بجاية، إذ لم تكتمل المشاريع التنموية، التي وُعد بتنفيذها منذ ست سنوات، والتي كان يمكن أن تسهم في امتصاص نسب من العاطلين من العمل. كما لم يتمّ إنجاز الطريق السريع الذي يربط بين بجاية والطريق السيار الممتد إلى شرق غربي الجزائر. كما أن مشروع إعادة بعث استغلال منجم الفوسفات ما زال حبراً على ورق، ولم يتم إنجاز مشروع مصفاة للنفط في المنطقة، ما جعل سكانها يشعرون بالتهميش، في مقابل تركيز الحكومة لكبرى مصانع السيارات والمشاريع الصناعية في مدن غربي الجزائر.

وإضافة إلى هذه المشاكل ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي، فإن عاملاً رئيساً يؤدي دوراً كبيراً في المنطقة، وهو متعلق بإرثها الثقافي وغالبية سكانها من الأمازيغ (البربر)، الذي حدّد لفترة طويلة علاقات المنطقة المتوترة مع السلطة ومسارها مع التمرد السياسي والاجتماعي.

وفي عام 1963 كانت منطقة بجاية جزءاً من منطقة تمردت فيها مجموعة بقيادة الزعيم الثوري حسين آيت أحمد، على السلطة المركزية بعد انقلاب الجيش على الحكومة المؤقتة صيف عام 1962، مباشرة بعد الاستقلال، لكن السلطة الجديدة في الجزائر تمكنت من كبح التمرّد المسلّح.

وفي إبريل/ نيسان عام 1980 كانت بجاية على موعد مع ما يعرف بـ"الربيع الأمازيغي"، الذي بدأ من جامعة في منطقة تيزي وزو المجاورة، في أعقاب منع السلطات محاضرة عن الشعر الأمازيغي، كان الكاتب مولود معمري يعتزم إلقائها. كما كانت الولاية مركزية في "إضراب المحفظة" الذي نفّذه التلاميذ في منطقة القبائل عام 1994، للمطالبة بتدريس اللغة الأمازيغية في المدارس. وفي إبريل من عام 2001 اندلعت أحداث عنيفة في تيزي وزو وبجاية والبويرة بعد مقتل شاب أمازيغي. وتطوّرت هذه الأحداث التي استمرت أسابيع عدة، إلى حركة مطلبية رفعت خلالها مطالب تضمنتها أرض القصر، في بجاية، تتعلق بالاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور ومطالب أخرى تتعلق بالحريات والديمقراطية والتنمية والتعويضات لضحايا الأحداث.



في سياق آخر، تُعدّ ولاية بجاية أكثر المناطق عزوفاً عن المشاركة الانتخابية، إذ لم تتجاوز نسب المشاركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية الماضية فيها الـ23 في المائة، وتدنت إلى 12 في المائة في انتخابات عام 2002. كما تعد أقل الولايات مع ولاية تيزي وزو، التي تصوت لصالح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والأحزاب الموالية للسلطة، إذ يسيطر هناك حزبا المعارضة الرئيسيان في منطقة القبائل: جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، بحكم مرجعياتهما السياسية وتبنيهما للمطلب الأمازيغي كقضية رئيسية في نضالهما السياسي.

وأعاد الحراك الأخير، النقاش حول الدور الحقيقي لحركة مدنيّة برزت في السنوات الأخيرة في منطقة بجاية وتيزي وزو والبويرة (منطقة القبائل) تطالب بالحكم الذاتي للمنطقة. ويقود الحركة المطرب الأمازيغي من فرنسا حيث يقيم، فرحات مهني، مع العلم أنه سبق له قبل سنوات أن أعلن عن حكومة لم تحظ بأي اعتراف، لكنه نجح في تكريس حضور الحركة في المنطقة، خصوصاً خلال الاحتفالات التي تقام بمناسبة ذكرى الربيع الأمازيغي في 20 إبريل من كل عام. ومثّل تنظيم الحركة لمسيرة حاشدة في إبريل الماضي وسط مدينة تيزي وزو، حدثاً لافتاً عن تغلغلها، على الرغم من عدم تمتّعها باجماع مجتمعي من قبل سكان المنطقة والقوى المدنية والسياسية الفاعلة، والمعارضة أيضاً للسلطة. وترفض هذه القوى أي طروحات انفصالية أو مشاريع حكم ذاتي وتتمسك بخيار الوحدة الوطنية للبلاد.

كما أبدى السكرتير السابق لحزب جبهة القوى الاشتراكية كريم طابو، اعتقاده بأن "بروز هذه الحركة في منطقة القبائل هو من نتائج المعالجة الأمنية التي تنتهجها السلطة إزاء مشكلات اجتماعية واقتصادية من جهة، وارتباطها وترددها إزاء مطالب هوياتية وثقافية مشروعة". ورأى أن "صدّ السلطة للأحزاب التمثيلية والفاعلة في المنطقة وتشجيعها لهياكل مدنية مصطنعة تتفاوض معها حول مطالب المنطقة، كما حدث مع حركة العروش بعد أحداث عام 2001، هو من بين الأسباب الرئيسة التي فتحت الباب أمام نمو هذه الحركة البعيدة عن الإجماع الوطني".


دلالات
المساهمون