رجل صندوق النقد لحكومة تكنوقراط في إيطاليا: الشعبويون يعلنون "الحرب" على الرئيس

29 مايو 2018
كوتاريللي رجل ماتاريلا في روما (بيار ماركو تاتشا/Getty)
+ الخط -
لم ينجح الحزبان الشعبويان، "حركة النجوم الخمس" و"رابطة الشمال" في تمرير حكومتهما في إيطاليا، على وقع رفض رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا، السماح بتبوؤ باولو سفونا وزارة الاقتصاد، والمعروف عنه رفضه للاتحاد الأوروبي وللعملة الموحدة تحديداً، وهو الذي تساءل أخيراً عما "إذا كان ينبغي على إيطاليا التخلي عن اليورو كعملة لها". واختيار ماتاريلا الاصطفاف إلى جانب أوروبا، خطوة هجومية في مواجهة الشعبويين واليمين المتطرف، ممثلين بـ"حركة النجوم الخمس" و"رابطة الشمال". ومع خروج جوزيبي كونتي من السباق الحكومي، باتت المهمة ملقاة على كارلو كوتاريلي، لتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة إلى حين تنظيم انتخابات مبكرة جديدة. وسارع الاتحاد الأوروبي إلى الإعراب، ضمنياً، عن ارتياحه إزاء تعيين كوتاريلي، عندما قالت مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد، فيديريكا موغيريني، التي شغلت منصب وزيرة خارجية ايطاليا في الماضي، إنها على ثقة بأن "تثبت المؤسسات الايطالية ورئيس الجمهورية أنهم، كما هو الحال دائماً، يخدمون مصالح المواطنين الإيطاليين وهو ما يعزز قوة الاتحاد الأوروبي". أما وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه رينديرز، فاعتبر أن الأولوية يجب أن تكون لتشكيل "حكومة مستقرة"، مشيراً إلى أن الحل "المثالي سيكون تشكيل حكومة بإمكان الاتحاد الأوروبي العمل معها بشكل فاعل" في ترحيب ضمني بتعيين كوتاريلي.

وقد أثار تعيين المدير السابق في صندوق النقد الدولي، كوتاريلي (64 عاماً)، غضب "حركة النجوم الخمس" و"رابطة الشمال"، وقد استنكر الطرفان الرفض "المتعمد" من قبل ماتاريلا و"جماعات الضغط" الأوروبية لحكومتهما الائتلافية. وقال رئيس "رابطة الشمال" ماتيو سالفيني، إن "كوتاريلي هو (السيد لا أحد) الذي يمثل المؤسسات المالية"، بينما استبعد رئيس "حركة النجوم الخمس" لويجي دي مايو أي "فرصة لكوتاريلي لكسب دعم البرلمان" الذي تحظى فيه حركته مع سالفيني بالغالبية. وقال دي مايو لمناصريه في تظاهرة قرب روما: "لقد استبدلوا حكومة تملك الغالبية بواحدة لن تتمكن من الحصول عليها". وقال ماتاريلا إنه قام بـ"كل ما بوسعه للمساعدة في تشكيل الحكومة، لكن تسمية وزير للاقتصاد يشكك علناً في الاتحاد الأوروبي يخالف تعهد الجانبين بتغيير أوروبا إلى الأفضل من وجهة نظر إيطالية". وأضاف أنه "طالبت بوزير للاقتصاد من الأغلبية البرلمانية تتوافق تطلعاته مع برنامج الحكومة، ولا يعتبر مؤيداً لتوجّه من المرجح، لا بل من المحتم، أن يؤدي إلى خروج إيطاليا من اليورو". وقال ماتاريلا إن "كونتي رفض أي خيار آخر"، وبعد إصرار الرئيس على رفض تسمية سافونا تخلى عن تكليفه تشكيل الحكومة.

أما كوتاريلي فقد انضمّ إلى صندوق النقد الدولي للمرة الأولى عام 1988، بعد أن عمل لستة أعوام في المصرف المركزي الإيطالي. وبين عامي 2008 و2013 شغل منصب مدير في قسم الشؤون المالية في الصندوق، وبات معروفاً بلقب "السيد مقص" بسبب عمليات خفض الإنفاق التي أشرف عليها في ايطاليا عندما تم تكليفه بمراجعة الإنفاق العام للدولة، من قبل حكومة يمين الوسط التي ترأسها أنريكو ليتا (2013 ـ 2014) ولم تعش طويلاً. وأسف كوتاريلي لمقاومة البيروقراطيين له حينها وعدم مد يد العون إليه للقيام بدوره المكلف به، وقال إنه "في بعض الأحيان لم يسلموني حتى وثائق كنت أطلبها". ورشحه ماتيو رينتزي الذي خلف ليتا عام 2014 ليكون المدير التنفيذي لصندوق النقد في ايطاليا واليونان ومالطا، قبل أن يغادر هذه المؤسسة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017. ومنذ ذلك الحين يعمل كوتاريلي كمدير رصد الحسابات العامة في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، إضافة إلى ظهوره المستمر على شاشات التلفزيون كمعلق محذّراً من الكلفة الاقتصادية للبرنامج الحكومي المشترك لـ"حركة النجوم الخمس" و"رابطة الشمال" والذي يتضمن تخفيضات ضريبية وزيادة في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.


ورحّبت الأسواق بفيتو ماتاريللا على حكومة "حركة النجوم الخمس" و"رابطة الشمال" ومرشحها لوزارة الاقتصاد، باولو سافونا، المشكك بالاتحاد الأوروبي وباليورو. وتراجع الفارق في مؤشر النقاط بين السندات الإيطالية والسندات الألمانية القياسية، الذي تصاعد بشكل مثير للقلق الأسبوع الماضي، صباح أمس الإثنين. كما ارتفع اليورو من أدنى مستوياته في أشهر عدة، وصعد اليورو أكثر من 0.6 في المائة إلى 1.1728 دولار متعافياً من أقل مستوى في ستة أشهر ونصف الشهر عند 1.1646 دولار الذي سجله يوم الجمعة الماضي. كما زادت العملة الأوروبية الموحدة 0.8 في المائة مقابل الفرنك السويسري والين الياباني لتتعافى من أقل مستوى في ثلاثة أشهر و11 شهراً على الترتيب.

مع ذلك، هل تنتهي الأزمة الإيطالية هنا؟ على الأرجح لا، فتشكيل حكومة تكنوقراط لإدارة البلاد حتى موعد الانتخابات النيابية المبكرة (في الخريف المقبل) دونه عقبات، تبدأ من احتمال فشلها في كسب ثقة النواب، بسبب سيطرة "حركة النجوم الخمس" ورابطة الشمال" على الأغلبية النيابية، وتنتهي في احتمال استمرار حكومة باولو جنتيلوني، وإدارتها الانتخابات مجدداً، بعد إدارتها الأولى في 4 مارس/آذار الماضي.

لكن الجديد، هو اتخاذ دي مايو قراراً بمحاربة ماتاريلا، مبدياً أمله في حديثٍ تلفزيوني بأن "نعطي الكلمة للإيطاليين في أقرب وقت، لكن أولاً علينا توضيح بعض الأمور: أولاً عزل ماتاريلا وبعدها الانتخابات". واستند لويجي في مطلبه بناء على المادة 90 من دستور إيطاليا، التي تنص على "إمكانية إقالة الرئيس لانتهاك الدستور وخيانة مصالح البلاد"، ويتطلب عزله دعم الأغلبية المطلقة للنواب في البرلمان. لكن الأمر صعب في ظلّ عدم موافقة "رابطة الشمال" على هذا المطلب، ما يعني أن ماتاريلا نجح، حتى الآن، في زعزعة التحالفات، إذ بعد خروج سليفيو برلوسكوني من الصورة مؤقتاً، وحربه ضد حلفاء الأمس: "رابطة الشمال"، باتت مسألة "عزل الرئيس" خاضعة لاختبار سياسي بين "رابطة الشمال" و"حركة النجوم الخمس"، ما قد يفرّقهما في أي انتخابات مقبلة. ويستند ماتاريلا على تفكيك الشعبويين قبل الانتخابات المقبلة، سواء نجح بتشكيل حكومة تكنوقراط أم لا، خصوصاً أن حكومة جنتيلوني لا تزال تعمل. وفي حسابات ماتاريلا، إن الانتخابات المقبلة، ستدفع إلى إضعاف اليمين المتطرف عبر ثنائية برلوسكوني ـ سالفيني، ويعيد اليسار الديمقراطي إلى الواجهة، فيتمكن من مواجهة "حركة النجوم الخمس"، والانتهاء من الضجيج السياسي الذي تشهده إيطاليا. 

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)


دلالات