الاتفاق الأميركي الروسي يلفظ أنفاسه... وموسكو تتهرب من المسؤولية

18 سبتمبر 2016
لم تدخل أي مساعدات للمناطق المحاصرة (براء الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -
بدت التصريحات الروسية المتعاقبة طوال ساعات يوم أمس السبت بمثابة تمهيد لسقوط اتفاق الهدنة في سورية، وسط محاولة موسكو تبرئة نفسها والنظام السوري، مقابل تحميل الأميركيين روسيا مسؤولية ترنح الاتفاق نتيجة استمرار خروق النظام السوري له وعرقلته وصول المساعدات الإنسانية، بغطاء سياسي من موسكو.
وبعد أيام على دخول الاتفاق الأميركي حيز التطبيق ومتابعة التصريحات الروسية، بدا واضحاً أن موسكو سعت طوال الأيام الماضية، وبشكل مكثف، لاستخدام مسألة التحفظ الأميركي على نشر بنود الاتفاق كجزء من البروباغندا الإعلامية لتسجيل نقاط لصالحها على حساب الجانب الأميركي، ما أثار تساؤلات عن أسباب إحجام موسكو عن نشر الاتفاق بنفسها. كما أظهرت التطورات أيضاً توجهاً روسياً لتفريغ الهدنة من محتواها باستخدام ورقة المساعدات الموقوفة. ويضاف إلى ذلك منع روسيا أي محاولة لإيجاد بيئة تساعد على العودة إلى المفاوضات والتوجّه نحو الانتقال السياسي، في موازاة عودة النظام السوري والروس إلى التصعيد العسكري بشكل مكثف من خلال استخدام البراميل المتفجرة والنابالم.
من جهته، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرب عن تفاؤله بشأن الهدنة في سورية، متهماً "الإرهابيين بمحاولة إعادة تجميع صفوفهم"، ومؤكداً أن "روسيا تفي بكل التزاماتها، وأن القوات السورية ملتزمة تماماً بهذه الاتفاقات". وحاول بوتين رمي الكرة في ملعب الأميركيين بعد إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً الجمعة لمجلس الأمن الدولي للاطلاع على الاتفاق الأميركي-الروسي، إذ قال الرئيس الروسي: "لا أفهم صراحة لماذا علينا أن نخفي أي اتفاقات، ولكننا سنحجم بالطبع عن الكشف عن أي تفاصيل إلى أن يوافق شركاؤنا الأميركيون على ذلك". أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فدعا نظيره الأميركي جون كيري لنشر بنود الاتفاق في سورية، ولإشراك عسكريين أميركيين في مراقبة الالتزام بالهدنة، كما نقلت عنه وكالات إعلام أمس.
وفي السياق، كان الجيش الروسي يتهم الولايات المتحدة بعدم تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق الهدنة في سورية. وقال الجنرال فلاديمير سافتشنكو، أمس، إنه "إذا لم يتخذ الجانب الأميركي الإجراءات الضرورية لتنفيذ التزاماته فإن الولايات المتحدة ستتحمل المسؤولية الكاملة عن انهيار وقف إطلاق النار". وحذر سافتشنكو من أن "الوضع في سورية يسوء، وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية ارتفع عدد الهجمات بشكل كبير مع تنفيذ 55 هجوماً على المواقع الحكومية والمدنيين"، وفق قوله.

وبينما ركزت موسكو على تحميل واشنطن وجماعات المعارضة المسؤولية عن الخروق، كان موقف الإدارة الأميركية واضحاً على لسان الرئيس باراك أوباما، والذي أعرب بعد اجتماعه مع مجلس الأمن القومي ووزيري الخارجية والدفاع، عن قلقه العميق من منع النظام السوري دخول المساعدات على الرغم من تراجع العنف في جميع أنحاء سورية. وأكد أن الولايات المتحدة لن تنتقل إلى الخطوات التالية بالاتفاق مع روسيا حتى ترى سبعة أيام متواصلة من التهدئة واستمرار وصول المساعدات.

في غضون ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول كبير بالمعارضة السورية المسلحة في حلب لم تسمه، تأكيده أن وقف إطلاق النار في سورية "لن يصمد"، مشيراً إلى استمرار وجود قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة على الحدود التركية في انتظار إذن الانطلاق إلى حلب. وأضاف: "لا يمكن لمن يشن حرباً على شعب أن يسعى لتحقيق هدنة كما أنه لا يمكن أن يكون طرفاً راعياً لهذا الاتفاق وهو يقصف ليل نهار وفي المقابل الطرف الآخر، أي أميركا، يقوم بدور المتفرج".


وجاءت هذه التطورات بعد إلغاء جلسة لمجلس الأمن خاصة ببحث الاتفاق الروسي-الأميركي يوم أمس الأول الجمعة، فيما قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، للصحافيين من مقر مجلس الأمن في نيويورك، رداً على سؤال حول الجهة التي طلبت إلغاء الاجتماع، إن بلاده "قالت للأميركيين إنه لا جدوى من عقد اجتماع، إذ لا يريد الأميركيون من خلاله مشاركة الملفات والمعلومات مع بقية الدول، فما الجدوى من اجتماع من هذا القبيل؟"، متابعاً: "نحن نتحدث عن أكثر من وثيقة واحدة من هذه الاتفاقيات تم التفاوض حولها والتوصل لاتفاق مع الأميركيين في التاسع من الشهر الحالي، وكنا قد أعلنا عنه، ولكن هناك ملفات أخرى كنا قد اتفقنا وتفاوضنا حولها في يوليو/تموز الماضي وغيرها"، مؤكداً أن كيري ولافروف سيعقدان لقاءات ثنائية خلال الأسبوع المقبل في نيويورك، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حالياً.
وكان الطرفان الروسي والأميركي قد مددا مساء أمس الأول الجمعة، الهدنة التي بدأت عند السابعة من مساء الإثنين الماضي، لاثنتين وسبعين ساعة، بعد أن كانت مُددت قبل ذلك لثمانٍ وأربعين ساعة، لتُتِم بذلك مساء اليوم الأحد مدة الأسبوع التي كان قررها اتفاق وزيري الخارجية الأميركي والروسي في جنيف فجر يوم الجمعة قبل الماضي. ولكن القصف الجوي والمدفعي لقوات النظام، وإن كان قد تراجع خلال الهدنة، لكنه لم يتوقف، مع بلوغ الخروقات التي ارتكبتها هذه القوات "181 خرقاً، خلال الأيام الخمسة للهدنة" بحسب تقريرٍ للائتلاف الوطني السوري. التقرير الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخةٍ منه ونُشر صباح أمس السبت، عدّد بالتفصيل المناطق التي شهدت خروقاتٍ من قبل قوات النظام، موضحاً أن "المناطق الموثقة لا تشمل مناطق سيطرة داعش"، مُحصياً 51 خرقاً في اليوم الخامس للهدنة فقط، بواقع 16 خرقاً في حلب، وعشرة في حماة، وتسعة في ريف دمشق، وسبعة في إدلب، وستة في حمص، وخرقا في درعا، وآخر في القنيطرة وفي حي جوبر شرقي العاصمة دمشق.
والخروقات الأكثر عدداً بحسب الوقائع الميدانية، كما بَيّن التقرير، وقعت في محافظة حلب، والتي ما زالت أحياؤها الشرقية المحاصرة من قبل قوات النظام، تنتظر دخول المساعدات الأممية المتوقفة عند الحدود السورية التركية.
عدم دخول المساعدات الذي كان مقرراً أن يبدأ في اليوم التالي لبدء الهدنة، يعرقله النظام السوري بشكل رئيسي، فيما الاتفاق الروسي-الأميركي، ينص على إلزام قوات النظام بسحب قواتها وآلياتها الثقيلة لمسافة 500 متر بعيداً عن طريق الكاستيلو، بالتزامن مع ابتعاد فصائل المعارضة التي تُسيطر على مواقع قريبة كذلك عن الطريق، والذي ستمر من خلاله شاحنات المساعدات. لكن، وعلى الرغم من انتشار وحدات عسكرية روسية هناك لمراقبة التنفيذ منذ الأربعاء الماضي، لم تبتعد قوات النظام إلى المسافة المُقررة. فيما أعلن مركز "حميميم" أمس التوصل لاتفاق على مرور قافلة مساعدات إنسانية إلى مدينة المعضمية في ريف دمشق اليوم الأحد.
وتبدو خيارات المعارضة صعبة إلى حد كبير في هذه المرحلة، وهي التي تحفّظت على نقاطٍ معلنة في الاتفاق الروسي-الأميركي من دون أن ترفضه، وإحدى النقاط البارزة التي كانت موضع تحفظ المعارضة، هو عدم وجود آليات واضحة لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار. وقال القائد السابق للمجلس العسكري في حلب وريفها العميد زاهر الساكت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قوى الثورة جربت الهدن السابقة، لا سيما وقف الأعمال القتالية في فبراير/شباط الماضي، وحصلت خلاله مئات الخروقات التي رفعناها للأمم المتحدة"، معتبراً أن "النظام هذه المرة أيضاً لم يلتزم ولن يلتزم، لأن هناك خللاً أساسياً في آلية هذه الاتفاقات التي تبرمها الدول الكبرى دون العودة إلينا"، متسائلاً "كيف لروسيا التي دخلت إلى بلدنا بحجة قتال داعش وقتلت مئات المدنيين وقصفت المرافق المدنية، أن تكون طرفاً يشارك بقتل السوريين وفي الوقت نفسه تراقب وقف إطلاق النار؟".
ولفت إلى أن "روسيا منحازة بشكل كامل للنظام، والولايات المتحدة بحد ذاتها تشكك بنوايا الروس والنظام في تطبيق الهدنة، ونحن نرى بأن الاتفاقية ككل تهدف بالمحصلة لتدمير الثورة السورية، وخلق احتراب بين فصائلها لتعويم النظام مجدداً بعد انهياره عسكرياً في الداخل، وسياسياً في الخارج".
وحول الوضع الحالي في طريق الكاستيلو، أكد الساكت أن "الروس يكذبون بشأن انسحاب النظام من الكاستيلو لمسافة 500 متر، إذ توجد للطرفين وحدات عسكرية على الطريق، ولم تنسحب منه قوات النظام"، معتبراً أنه "لا يمكن للمعارضة السورية أبداً أن تثق بالروس، وإذا كان من جهة يمكن الوثوق بهم لمراقبة الاتفاق، فيمكن الاعتماد على الجانب التركي لأنه محل ثقة فصائل الثورة"، مشيراً إلى أنه "في حال تعثر الهدنة خلال أيام فليس من بد للمعارضة إلا العودة للميدان، والاعتماد على الأصدقاء الفعليين للثورة".
ميدانياً واصلت قوات النظام أمس السبت، خرق هدنة وقف إطلاق النار، إذ قُتل ستة مدنيين وأصيب آخرون أمس السبت، جراء قصف بالمدفعية الثقيلة لقوات النظام وانفجار مخلفات قنابل عنقودية في حمص. ومنذ فجر السبت، كان تصعيد النظام قد ازداد عنفاً، إذ استهدف طيرانه الحربي قرية تيرمعلة في ريف حمص الشمالي بقنابل فوسفورية وصواريخ فراغية. كما أفاد مدير "شبكة سورية مباشر" علي باز لـ"العربي الجديد" صباح أمس، بأن طفلاً قتل وأصيب آخرون، في قصف لقوات النظام براجمات الصواريخ على مدينة حريتان في ريف حلب الشمالي. وأضاف أن "شخصاً قُتل وأصيب اثنان، جراء استهداف قوات النظام بقذائف الدبابات قرى وادي بردى في الريف الغربي".
كذلك واصلت قوات النظام التحرك للسيطرة على مناطق جديدة في محافظة درعا، واستمرت بالتوغل أمس في بلدة داعل الواقعة على طريق دمشق-درعا القديم وذلك بعد سيطرتها على جزء كبير من بلدة أبطع المجاورة. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن قوات النظام قصفت بالمدفعية بلدات داعل وأم ولد وتلة الشيخ حسين في ريف درعا.

المساهمون