المقدسيون في مواجهة عدوين: الاحتلال وترامب

07 ديسمبر 2017
فلسطيني يصلي أمام قبة الصخرة أمس (محمود إبراهيم/الأناضول)
+ الخط -

"مهما قرروا القدس باقية، ونحن أيضاً هنا لن نرحل عنها"، و"قرار ترامب حول القدس لن يغير من حقيقة أن القدس مدينة عربية، فيها المسلم والمسيحي، وهم أصحاب الأرض الشرعيون". عبارتان تلخصان حياة المقدسيين الذين أصبحوا يواجهون عدواً جديداً، هو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فيما زاد الاحتلال الإسرائيلي من إجراءاته القمعية تحسباً من انفجار انتفاضة جديدة.

مؤيد دنديس، وهو صاحب محل تجاري في مدخل سوق الواد المتاخم لباب العامود، يقول، لـ"العربي الجديد"، خلال تصفحه صحيفة محلية لمتابعة آخر الأخبار المتعلقة بقرار ترامب الاعتراف بالقدس "عاصمة" لدولة الاحتلال: "مهما قرروا القدس باقية. ونحن أيضاً هنا لن نرحل عنها". ويضيف "حياة يجب أن تستمر. من قبلِهم جاء الإنكليز وانقلعوا (خرجوا)، وإن شاء الله هالاحتلال ما بطوّل وبرحل". وفي الوقت الذي كان دنديس يطالع الصحيفة، انشغل جاره شكيب جورج خوري بالإعداد لزينة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية. وبالنسبة له، فإن "قرار ترامب حول القدس لن يغير من حقيقة أن القدس مدينة عربية، فيها المسلم والمسيحي، وهم أصحاب الأرض الشرعيون". ويصف خوري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنه زعيم متهور ومجنون، يريد حل مشكلاته الداخلية من خلال إعطاء وعد لليهود، لا قيمة له أبداً بالنسبة إلينا.

رغم ذلك، لا يخفي كل من دنديس وخوري قلقهما حيال إمكانية تدهور الأوضاع في القدس المحتلة، بعد أن يصدر ترامب قراره بشأن المدينة. فأحداث الأعوام الثلاثة الماضية لا تزال ماثلة أمامهما، إذ ارتقى شهداء، وكانت هبة الأقصى الأخيرة وما خلّفته من تداعيات نموذج لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع، التي تتضرر بسببها الحركة التجارية في المدينة بسبب إجراءات الاحتلال وتدابيره العسكرية، التي غالباً ما أدت إلى عزوف المواطنين عن الوصول إلى أسواق البلدة القديمة. المشهد في حارة النصارى، أو ما يعرف بالحي المسيحي، حيث يستعد المسيحيون المقدسيون للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة لا يختلف عما تعيشه البلدة القديمة عموماً. ومشاعر الناس هناك واحدة، كما يقول مختار حارة النصارى، باسم سعيد وجيه، لـ"العربي الجديد"، واصفاً خطوة ترامب بـ"الجنونية". ويضيف "نحن كمسيحيين في القدس لا نعترف فيها، ولا كأنها موجودة. هذا تدخل مرفوض من طرفنا، وموقفنا مع إخوتنا المسلمين واحد، موقف عروبي قومي نعتز ونفتخر فيه".

عدم اعتراف المقدسيين، مسلمين ومسيحيين، بأي قرار يصدره ترامب، ظاهر في آراء المواطنين العاديين ومحاولة ممارسة طقوس حياتهم اليومية رغم منغصات الاحتلال والانتشار الكبير لجنوده وعناصره، سواء في محيط الأقصى، الذي شهد أمس اقتحام نحو 80 مستوطناً لباحاته، أو عند مدخل كنيسة القيامة، حيث يتواجد عناصر من الشرطة وحرس الحدود هناك بصورة دائمة، وتم تعزيز عديدهم الليلة الماضية. في هذا الوقت، تتهيأ العائلات المسيحية المقدسية لإضاءة شجرة عيد الميلاد، كما جرت عليه العادة كل عام، في إشارة يصفها سعيد وجيه بأنها تعبير عن الوجود العربي في المدينة الضارب جذوره في الأرض.


المستوى السياسي الفلسطيني في القدس المحتلة، العاصمة العتيدة لدولة فلسطين، كما يقول وزير القدس ومحافظها، عدنان الحسيني، يقف بكل ثقله وقوته وراء القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس. الحسيني كان شارك على مدى اليومين الماضيين في لقاءات ضمت مختلف القوى السياسية الفلسطينية وقيادات ميدانية من حركة "فتح". وكان موقف الجميع واحداً وموحداً في رفض أي خطوة يقدم عليها ترامب بالاعتراف بالقدس "عاصمة" لدولة الاحتلال. هذا الموقف كانت عبرت عنه حركة "فتح" - إقليم القدس، والتي اعتقل أمين سرها شادي المطور بعد اقتحام منزله، بعد أن أعلنت الحركة، في بيان أول من أمس، جهوزية كوادرها ميدانياً لمواجهة الخطوة الأميركية المرتقبة، والتي وصفها البيان بأنها انحياز أعمى للاحتلال. ويرى القيادي في حركة "فتح" ومسؤول ملف القدس فيها، حاتم عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار ترامب المرتقب سيصب الزيت على النار المتأججة في القدس، بفعل ممارسات الاحتلال ومستوطنيه، متوقعاً أن تشهد المدينة خلال الأيام المقبلة المزيد من التصعيد، وتشجيع الاحتلال على هدم مزيد من منازل المقدسيين ومصادرة أراضيهم، وتكثيف الاستيطان، بينما تتصاعد استفزازات المستوطنين وعدوانهم على المسجد الأقصى من خلال الاقتحامات اليومية ومحاولة شرطة الاحتلال تغيير مسارات هذه الاقتحامات باتجاه مسجد الصخرة، خلافاً لما كان الوضع قائماً عليه سابقاً. ويؤكد عبد القادر أن المقدسيين، والشعب الفلسطيني عموماً، لن يفرط بمدينته المقدسة، ولن يقبل بأن تكون بلدة أبو ديس عاصمة لدولته، فعاصمته هي القدس بحدودها التاريخية والجغرافية المعلومة للقاصي والداني. ويوضح "يبدو أننا اليوم بتنا أمام عدوين، الأول هو الاحتلال، الذي فشل في طمس معالم القدس العربية رغم كل ما قام به من محاولات تهويد، أما العدو الثاني، فهو دونالد ترامب الذي يصرّ على معاداة المقدسيين وإنكار حقوقهم في مدينتهم المقدسة".

وكان الاحتلال الإسرائيلي بدأ، فجر أمس، أولى إجراءاته وتدابيره الأمنية في القدس المحتلة، من خلال نشر قوات إضافية من عناصر شرطته الخاصة وتعزيز تواجدها في البلدة القديمة من القدس وعدة أحياء متاخمة لها، وأتبعها باقتحام عناصر استخباراته لمنزل أمين سر حركة "فتح" - إقليم القدس، شادي المطور، وذلك في أعقاب إعلان الإقليم حالة الاستنفار القصوى بين عناصره لمواجهة تبعات إعلان ترامب القدس "عاصمة" لدولة الاحتلال الإسرائيلي. وكشفت عائلة المطور، على لسان فادي المطور، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن قيام قوات الاحتلال بتخريب محتويات المنزل، وإهانة أفراد العائلة قبل اقتياد شادي إلى مركز استجواب وتحقيق في القدس الغربية، يعرف بشرطة المسكوبية، وهو واحد من أسوأ مراكز التوقيف والتحقيق والاعتقال الإسرائيلية، والذي يصفه المقدسيون بـ"المسلخ"، إذ يمارس عناصر استخبارات الاحتلال تعذيباً وحشياً ضد المعتقلين.
في مقابل ذلك، استيقظ المقدسيون على مسيرات واستفزازات نظمها عشرات المستوطنين المتطرفين، خلال اقتحامهم الأقصى. وهتف المستوطنون بشعارات مستفزة للمقدسيين، مثل "القدس لنا" و"القدس عاصمة إسرائيل"، وسط صرخات هستيرية وحلقات رقص عند مداخل الأقصى، قبل أن تسمح لهم شرطة الاحتلال باقتحام المسجد والتجوال في ساحاته. وفي باب العامود، وهو بوابة الدخول الرئيسية للقدس العتيقة، احتجز جنود الاحتلال العديد من تلامذة المدارس في نقطتي مراقبة وأخضعوهم لتفتيش مهين في أجواء عاصفة وماطرة. ويقول محمد أشتيّ، وهو تلميذ في الصف التاسع في مدرسة الأيتام الإسلامية، لـ"العربي الجديد"، إن جنود الاحتلال عبثوا بحقيبته وبكتبه المدرسية وسألوه إن كان بحوزته سكين، ثم أرغموه على الوقوف ووجهه باتجاه الحائط لمدة 20 دقيقة قبل أن يطلقوا سراحه، مشيراً إلى أن الجنود اعتدوا بالضرب على زميل له، هو عادل صندوقة، خلال محاولتهم إرغامه على الوقوف باتجاه الحائط وفتح ساقيه إلى أبعد مدى، ولما لم ينصع لهم، قاموا بصفعه وركله وسلموه استدعاء للاستجواب في مركز شرطة القشلة في البلدة القديمة.