تطبيع العلاقات الأفغانية الباكستانية: مباركة أميركية سهّلت المهمة

05 يوليو 2019
غني: العداء بين باكستان وأفغانستان أمر غير محتمل (الأناضول)
+ الخط -
يبدو أنّ خطوط اللعبة في منطقة جنوب آسيا، وتحديداً في أفغانستان وباكستان، تتغير بسرعة. فبعد تزايد الهوّة بين الجارتين أفغانستان وباكستان، وتوتر عميق في العلاقات بينهما، يبدو أنهما تتجهان الآن إلى تطبيع العلاقات. هذا الأمر بدا من خلال تصريحات الرئيس الأفغاني أشرف غني، تعليقاً على زيارته الأخيرة إلى إسلام آباد، وتأكيده أن العداء بين باكستان وأفغانستان أمر غير محتمل، ولا أحد يستفيد منه، وبالتالي لا بد من تطبيع العلاقات بين البلدين وتحسينها إلى أبعد مدى ممكن. هذا التقارب بين البلدين لا شك أنه يحصل بمباركة الولايات المتحدة ورضاها، ما يعني أن التطورات الأخيرة، بداية من زيارة غني إلى إسلام آباد، وإعلان مشاريع اقتصادية ضخمة بالشراكة مع باكستان، وانتهاء بموافقة حركة "طالبان" على الجلوس حول الطاولة من أجل الحوار الأفغاني - الأفغاني، كلها تأتي نتيجة التفاهم بين أميركا وباكستان وأفغانستان.

ولم يكن التقدم في الحوار بين "طالبان" والولايات المتحدة الأميركية، وموافقة الحركة على الجلوس حول طاولة الحوار مع ممثلين من الحكومة الأفغانية (على الرغم من أنهم لا يمثلون الحكومة رسمياً)، بداية ذلك التطبيع، بل تزامنت معه تطورات مهمة أخرى تشير إلى أن هناك تفاهماً بين كابول وإسلام آباد وواشنطن. فبعدما صنفت الولايات المتحدة الأميركية "جيش تحرير بلوشستان" جماعة إرهابية، لتلبي مطلب باكستان القديم، أعلنت إسلام آباد التحرك ضد حافظ سعيد و12 من القياديين في جماعة "جيش طيبة" المحظورة وجماعة أخرى مساندة لها، وتلك الشخصيات كانت تجمع الأموال من أجل التخطيط لأعمال مسلحة. وقالت إدارة مكافحة الإرهاب الباكستانية، في بيان، إنها تحركت ضد زعيم جماعة "جيش طيبة" حافظ سعيد، التي تنشط تحت أسماء مختلفة، وضد 12 شخصية أخرى كانت تجمع الأموال من أجل "جيش طيبة" عبر مؤسسات وجماعات أخرى، مشيرة إلى أن مؤسستين، هما "فلاح الإنسانية" و"جماعة الدعوة"، اللتان تعملان لصالح جماعة "جيش طيبة" المحظورة، اتخذت خطوات ضدهما وتحركت السلطات ضد عناصرهما وقيادتيهما.

وكانت واشنطن حددت مكافأة مالية لـ"رأس" زعيم جماعة "جيش طيبة" حافظ سعيد قدرها عشرة ملايين دولار، متهمة الاستخبارات الباكستانية بمساعدته وتوفير الإيواء له. وفي الماضي اتخذت السلطات الباكستانية بعض الخطوات ضد الجماعة، لكن لم توافق كلياً أن تقضي عليها، على الرغم من مطالبة واشنطن مرة تلو الأخرى بذلك. وسعيد مطلوب أيضاً للهند. ولكن بالنظر إلى التطورات الأخيرة، لا يبدو أن إسلام آباد قد تحركت ضده نتيجة مطالبة هندية، بل إن الخطوة أتت نتيجة الطلب الأميركي. ويمثل سعيد التيار السلفي في باكستان، ولأنصاره وحزبه نشاط كبير في أفغانستان ضد القوات الأميركية والأفغانية.

التحرك ضد الجماعة والشخصيات الموالية والمساندة لحافظ سعيد يأتي بعدما صنفت واشنطن "جيش تحرير بلوشستان" جماعة إرهابية، وهو ما رحبت به إسلام آباد، مؤكدة أن الجماعة الانفصالية البلوشية شكلت تهديداً لباكستان وأن نشاطها العسكري ضد الجيش الباكستاني محط قلق لإسلام آباد، وهو ما أشير إليه في بيان وزارة الخارجية الأميركية. وفي هذا السياق، برز تساؤل حول ما إذا كانت الخطوة الباكستانية ضد أنصار سعيد جاءت مقابل الخطوة الأميركية ضد "الجيش البلوشي"؟ بل إن البعض تساءل عما إذا كان ذلك بداية تطبيع العلاقات الأميركية الباكستانية وعلاقات الأخيرة بأفغانستان عبر التحرك ضد الجماعات المسلحة، فالقضية لا تقتصر فقط على "الجيش البلوشي"، بل إنها تبدأ بموافقة "طالبان" على الحوار الأفغاني، ثم تصنيف "جيش تحرير بلوشستان" جماعة إرهابية، وأخيراً التحرك ضد الشخصيات والجماعة المساندة لجماعة "جيش طيبة" المحظورة. كما سبق أن تحركت السلطات الباكستانية ضد حركة "الحماية عن البشتون"، واعتقلت عدداً كبيراً من قياداتها وأنصارها، بل وقتل بعضهم عند الاعتقال أو أثناء الصدام بين المتظاهرين وقوات الأمن.

وكانت القبائل البشتونية تتوقع الكثير من أفغانستان، لأن أشرف غني كانت له مواقف إزاء تلك الحركة، مطالباً باكستان بتلبية مطالبها. ولكنه الآن التزم الصمت الكامل، على الرغم من انتقادات شديدة لوسائل الإعلام وشخصيات قومية. كما التزمت واشنطن الصمت المطبق إزاء الصدامات بين أنصار الحركة والسلطات الباكستانية، ما يشير إلى أن هناك تفاهماً بين الدول الثلاث إزاء بعض الجماعات وتحديداً المسلحة. لكن السؤال، هل الهدف إحلال الأمن في المنطقة، أم أن واشنطن بصدد فتح ملف جديد في المنطقة، قد يكون الملف الإيراني أو غيره؟ وبالتالي هي تحاول مع أفغانستان وباكستان إغلاق الملفات القديمة، والبداية عبر الجماعات المسلحة والمحظورة.

المساهمون