"إضراب الكرامة 2": معركة جديدة للأسرى في مواجهة الاحتلال

11 ابريل 2019
وقفة داعمة للأسرى الفلسطينيين(فايز أبو رميليه/الأناضول)
+ الخط -
من جديد يصارع الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي سجّانيهم، مع بدئهم عملياً "إضراب الكرامة 2" عن الطعام، مساء الإثنين الماضي، بعد فشل الحوار بينهم وبين إدارة مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك عقب عامين من "إضراب الكرامة 1" الذي خاضه الأسرى في إبريل/نيسان 2017. وباشر الأسرى إضرابهم، للحفاظ على منجزات الحركة الأسيرة، واحتجاجاً على الممارسات القمعية التي تعرّضوا لها خلال الفترة الماضية، فيما سُجّل دخول قضيتهم على خط التفاهمات من أجل الوصول إلى تهدئة بين الاحتلال وقطاع غزة برعاية مصرية. ومن المتوقع أن تكون الأيام القليلة المقبلة كفيلة بحسم مصير الإضراب، لا سيما بعد توضيح نادي الأسير الفلسطيني في بيان، أن "مفاوضات غير مباشرة تجري داخل المعتقلات، في ظلّ جهود مصرية مستمرة للضغط على سلطات الاحتلال من أجل تحقيق مطالب الأسرى الحياتية".


والإضراب بدأته الهيئات القيادية للتنظيمات في معتقلات الاحتلال قبل أن ينضم إليها حتى مساء الثلاثاء، نحو 400 أسير في معتقلات النقب، وريمون، ونفحة، وايشل، وعوفر، وجلبوع، ومجدو، وذلك عقب الهجمة الكبيرة في الأسابيع الماضية ضدهم، إثر خطة وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان برفع وتيرة الاعتداء والقمع ضد الأسرى، التي لم تكن بعيدة عن سياق سياسي لا سيما أنها تزامنت مع الانتخابات الإسرائيلية ومع التصعيد في غزة.

وقرّر الأسرى الإضراب عن الطعام بطريقة تصاعدية، بدءاً من مشاركة العشرات من قيادة الحركة الأسيرة، ثم اتّساعها تدريجياً بالتزامن مع ذكرى يوم الأسير في 17 إبريل/نيسان الحالي، بعدما ثبت لهم أن ما جرى من حوارات خلال الأيام الماضية مع إدارة سجون الاحتلال بشأن تحسين الظروف الحياتية، مجرد وعود من دون أية ضمانات جادة بتحقيق المطالب.

في السياق، أكد المتحدث الرسمي باسم نادي الأسير الفلسطيني، عبد الله الزغاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث الآن بحق الأسرى مرتبط بمحاولة الاحتلال الحصول على تهدئة في قطاع غزة، إذ تزامنت أجواء التوتر مع الاعتداء على الأسرى، وما تلا ذلك من ربط قضية الأسرى بمجريات الأحداث في غزة". وشدّد على أن "الأسرى قرروا الحفاظ على إنجازات الحركة الأسيرة التي تم تحقيقها على مدار السنوات الطويلة الماضية، فكان لا بد من خوض هذا الإضراب في مواجهة مصلحة سجون الاحتلال التي لا تتورع عن قمع الأسرى والتنكيل بهم".

وأمل الزغاري أن "لا يطول إضراب الأسرى، وهو أمر مرتبط بمجريات الأحداث في قطاع غزة". ما يعني ارتباط مطالب الأسرى بمسألة التهدئة في غزة، لجهة محاولة الاحتلال الانقضاض على حقوقهم الحياتية، ومحاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحصول على تهدئة كاملة.



وأشار المتحدث باسم نادي الأسير الفلسطيني، إلى أن "ما يدل على هذا الارتباط، أن من كان يشرف على المفاوضات هو مبعوث من قبل نتنياهو، لكن مع إجراء الانتخابات الإسرائيلية ربما تتضح الأمور خلال الأيام المقبلة، لأن ما يجري مرتبط بالتهدئة في قطاع غزة". وأبدى أمله في أن "لا يكون هناك إطالة في الإضراب، خصوصاً أن الأسرى داخل السجون بدأوا مباشرة بالامتناع عن شرب الماء، وهو أمر في حال إطالته قد يوقع ضحايا وشهداء".

ولفت الزغاري إلى أنه "لا توجد رهانات كبيرة، فالأسرى مطالبهم حياتية بإيقاف أجهزة التشويش المتطورة والخطرة على حياتهم، ووقف العقوبات التي تعرّض لها الأسرى خلال الأيام الماضية"، مضيفاً أن "هذا الإضراب ربما يحافظ على منجزات الأسرى التي يحاول الاحتلال سلبها".

وقد انضم العشرات من الأسرى إلى الإضراب بعد فشل الحوار يوم الإثنين الماضي، وتم نقل الأسرى المضربين إلى أقسام أخرى وربما إلى زنازين العزل. وقد تتطور الأمور في 17 إبريل بالتزامن مع ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، كما أوضح الزغاري، الذي أكد "وجود حالة من التفاعل مع الأسرى في مختلف المحافظات الفلسطينية، فهذا الإضراب مفصلي وخطير، ونحن نأمل أن لا يطول".

واستعرض نادي الأسير أبرز مطالب الأسرى في "إضراب الكرامة 2"، ومن بينها: إزالة أجهزة التشويش، وتركيب هواتف عمومية في أقسام الأسرى، وإلغاء منع الزيارة المفروض على مئات الأسرى، ورفع العقوبات الجماعية التي فرضتها إدارة المعتقلات عام 2014، إضافة إلى العقوبات التي فرضتها في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد عمليات القمع التي نُفذت بحق الأسرى في معتقلي النقب الصحراوي، وعوفر.



وبين مطالب الأسرى "توفير شروط إنسانية" بما يُسمّى "المعبار"، وهو محطة يمرّ بها الأسرى عند نقلهم من معتقل إلى آخر، وقد ينتظر فيه الأسير لأيام قبل نقله للمعتقل، فضلاً عن نقل الأسيرات إلى قسم آخر تتوفر فيه ظروف إنسانية أفضل، وتحسين ظروف احتجاز الأسرى الأطفال، ووقف سياسة الإهمال الطبي وتقديم العلاج اللازم للمرضى، وإنهاء سياسة العزل.

بدوره، أكد مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، فؤاد الخفش، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما تعرّض له الأسرى خلال الفترة السابقة من قمع وتنكيل، كان كفيلاً بخوض هذا الإضراب الذي جاء احتجاجياً على ممارسات مصلحة سجون الاحتلال، وحجم الاعتداءات على الأسرى، خصوصاً من حركة حماس ومحاولة الاستفراد بهم، في محاولة لمعاقبة غزة والمقاومة ومن يأسر الجنود، وهو ما رفضه الأسرى ودفعهم للاحتجاج".

ولفت إلى أنه "من الطبيعي أن يتجاوز الإضراب مرحلة الاحتجاج على هذه الإجراءات إلى طرح تحسين ظروف الأسرى الذين لديهم مجموعة من المطالب الحياتية". وذكّر بأن "ما فجّر الإضراب الاعتداء على الأسرى، الذين سُحلوا وضُربوا وأُصيب عدد كبير منهم بجروح، كان اثنان منهم مصابين بجروح خطيرة".

ورأى الخفش أن "الشارع الفلسطيني هذه المرة متفاعل مع إضراب الأسرى أكثر من الإضراب الجماعي السابق عام 2017، فإسرائيل تدرك تماماً أنه لا يوجد من يؤثر على إضراب الأسرى وقرارهم وإرادتهم، بعكس إضراب 2017 الذي أفسده تدخل جهات خارجية، علاوة على أن الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة قد توحد لأجل قضية الأسرى".

وما يميز هذا الإضراب، بحسب الخفش، أن "تدخل الجهات الخارجية هو بشكل داعم وإيجابي، فمفاوضات التهدئة في غزة والتي تدخل فيها المصريون، جعلت قضية الأسرى على جدول أعمال تفاهمات التهدئة". وتوقع أن "تكون هناك انفراجة خلال الأيام المقبلة في قضية إضراب الأسرى ومطالبهم وأن تستجيب إسرائيل لتلك المطالب".

وعلى مدار سنوات الحركة الفلسطينية الأسيرة، خصوصاً ما قبل اتفاقية أوسلو، نجحت الإضرابات عن الطعام بعدما خاضها الأسرى وهم موحّدون. وأوضح الأسير المحرر المقدسي راسم عبيدات، الذي أمضى سنوات في الاعتقال وخاض تجارب إضرابات سابقة في سجون الاحتلال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الفترة السابقة من تاريخ الإضرابات كانت تشكّل للإضراب قيادة في مختلف السجون، وكذلك لجان، وقيادات ظل، تتولى الأمور في حال قمع أو ترحيل القيادة الأولى".



وبحسب عبيدات، فإن "الإضراب لا يجري فكه إلا بقرار من قيادة الإضراب بشكل مركزي، لذلك في الإضرابات المفتوحة عن الطعام التي خاضها الأسرى موحّدين، تعرضوا للقمع والتنكيل والترحيل والعزل، لكن الحركة الأسيرة تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة عُمّدت بالدماء والتضحيات. في المقابل، أخفقت الحركة الأسيرة عندما خاضت إضراباتها بشكل غير موحد، على الرغم من خوضها إضرابات بشكل فردي من قبل المعتقلين الإداريين، وإضرابات فصائلية وانتصرت فيها. ولكن الفرق هنا أن المدة طالت وتجاوزت الأربعين يوماً، فلا توجد حاضنة لا من قبل الحركة الأسيرة ولا من قبل القوى والأحزاب والجماهير في الخارج، لذلك كان الاحتلال يمعن بالقمع والتنكيل بالمضربين، ولكنهم بالنهاية انتصروا".

في الإضرابات السابقة، حقق الأسرى الكثير من الإنجازات، كإنهاء قضية الأسرى المعزولين، ووقف التفتيش الليلي والعاري، وتقديم العلاج للحالات التي تعاني من أمراض خطيرة، وزيادة كميات ونوعية المشتريات من الكنتينا (بقالة السجن)، وإعادة العديد من القنوات التلفزيونية التي شطبت.

وتوقع عبيدات أن "الإضراب الحالي سيحقق أهدافه في حال خاضه الأسرى موحدين وبقيادة موحدة، رغم استشراس إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابرات الاحتلال ووزير الأمن الداخلي والكابينت الإسرائيلي، ومن دون تآمر من أحد كما في الإضراب السابق، الذي سُمّي بـ(إضراب الأخ مروان البرغوثي)، الذي جرى إجهاضه وإفشاله لأجندات وأهداف خاصة وفئوية من قبل البعض خارج المعتقلات".

ورأى عبيدات أن "تسمية هذا الإضراب بـ(إضراب الكرامة 2) له مدلولات بأن الحركة الأسيرة بجميع أطيافها الحزبية وفصائلها، تستهدفها إدارة مصلحة سجون الاحتلال وأجهزة مخابراتها والكابينت الإسرائيلي". ولفت إلى أن "الحرب التي تشن على الحركة الأسيرة باقتطاع الرواتب من أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، ومحاولة كسر الحركة وإذلالها وإفراغها من محتواها النضالي والكفاحي هي جزء من الحرب الشاملة التي تشن على الشعب الفلسطيني ضمن ما يسمى بصفقة القرن (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)".

من جهته، أبدى رئيس لجنة أهالي أسرى القدس، أمجد أبو عصب، وهو أسير محرر، ثقته في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "يحقق الإضراب الحالي أهدافه، باعتباره إضراباً للكرامة". وأضاف أن "الحركة الأسيرة بكافة شرائحها موحّدة وعلى قلب رجل واحد، خصوصاً بعد ما حصل في سجن ريمون والنقب الصحراوي، الذي كان تجاوزاً لكل الخطوط من ضرب وتكسير وإهانة، ومنع العلاج الطبي. كل هذا أشعل الضوء الأحمر أمام الأسرى، بوجوب انتزاع حقوقهم من الاحتلال. ووصلت الأمور عندهم إلى مرحلة تساوت فيها معاني الحياة والموت في سبيل الكرامة".

وشدّد أبو عصب على أن "الأسرى لا يهدفون من خوض الإضراب إلا العيش بكرامة، فالاحتلال حينما ينكل ويضرب ويحطم الأسنان ويهشم الرؤوس والضلوع هدفه تسجيل موقف سياسي، تزامناً مع الانتخابات الإسرائيلية وحملة اليمين المتطرف التي قادها (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو ووزير أمنه، لكن الأسرى قرروا أن يلقنوا الاحتلال درساً في هذا الموضوع حتى لا يتكرر ما حدث". وأعرب عن أمله في أن "يكون عمر الإضراب قصيراً، وأن تكون هناك إنجازات حقيقية، ولكن يجب أن يكون هناك تضافر من أبناء شعبنا مع أسرانا، وأن تتوحد الطاقات لدعمهم وإسنادهم".