منذ وصوله إلى الحكم في سورية، كان اعتقاد بشار الأسد أن الدائرة المحيطة بوالده استفادت من مواقع السلطة، وبالتالي سعى لتغيير المعادلة، عبر جعل إدارة ثروة النظام في محيط عائلة والدته أنيسة مخلوف، على حساب آل طلاس وغيرهم. يمر النظام في دمشق اليوم بمرحلة مشابهة من التحوّل الداخلي، تسعى لضمان حصرية آل الأسد في الحكم، عبر التخلص من نفوذ ذوي القربى. هذه المرحلة بدأت بإيعاز روسي نهاية عام 2018، لإعادة توزيع ما تبقى من الثروات، عبر إنتاج طبقة جديدة من النخب التجارية في فلك النظام. ويتطلب هذا الأمر إخلاء الساحة لأموال خليجية وروسية قد تأتي للاستثمار، تمهيداً لصفقة أميركية-روسية محتملة عشية الانتخابات الرئاسية السورية العام المقبل.
آل الأسد يقدّمون أوراق اعتمادهم لـ"الدون الأكبر" في موسكو. ماهر يفرض رسوماً على المهربين المقربين من إيران على الحدود السورية-العراقية قرب منطقة البوكمال، وبشار يلاحق لائحة من رجال الأعمال في دمشق. القيادة الروسية تتلاعب بالخلافات العائلية، فتترك باب الحوار مفتوحاً مع آل طلاس، وتستفيد من استثمارات آل مخلوف في ناطحات السحاب في موسكو، فيما تشجع على تقليم أظافر رامي مخلوف، الذي يساعد بشار الأسد الآن أكثر مما يضره. لا يمس آل الأسد بذوي القربى والأقربين، منذ رفعت الأسد الذي يسعى اليوم للعودة إلى سورية، مروراً بمناف طلاس الذي لا يزال يبحث عن دور، وصولاً إلى رامي مخلوف الذي سيتأقلم مع تحجيم دوره، أو يلحق بأبيه إلى روسيا.
بشار الأسد يكرر سيناريو ناعماً لاعتقالات مرحلة "ريتز كارلتون" في السعودية. "الدون الأكبر" في الرياض كسر هيبة سعد الحريري، وجعل أخاه بهاء على يمينه في السياسة للتأكد أنه لا يجنح في التقارب مع "حزب الله"، كما يتأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من عدم ابتعاد بشار الأسد في محاباة إيران. في هذه المعمعة تتكسر تقاليد مشفرة لهذه المافيات العائلية، مثل عدم التحدث علناً عن مشاكل العائلة أو عدم استهداف الوريث الشرعي. الثابت في دمشق، منذ عام 1971، هو ضمان حصرية آل الأسد في الحكم، والمتغير هي التحولات التي جعلت نظام بشار الأسد رهينة القوى الخارجية التي أنقذته. غالباً ما يدير الورثة بتفوق أفول مشاريع آبائهم.