هدوء ما قبل عاصفة حلب: الحملة المحتملة والتحضيرات لصدها

08 نوفمبر 2016
يبحثون عن ناجين وعن ضحايا الغارات بحلب(بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -
يسود مدينة حلب هدوء ما قبل العاصفة المتوقعة، تخرقه غارات الطيران الروسي ومقاتلات النظام السوري في محيط المدينة، لا سيما في الريف الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة السورية، والذي يُعد طريق الإمداد الحيوي للفصائل التي هاجمت قوات النظام أخيراً، في إطار "ملحمة حلب الكبرى". وساهمت هذه الملحمة بقلب بعض موازين القوى، وفتحت الباب واسعاً أمام العديد من الخيارات، منها خوض معركة فاصلة تحدد مصير ثاني أهم المدن السورية.

ويسود اعتقاد على نطاق واسع، مصدره مواصلة روسيا حشد مزيد من قطعها الحربية قبالة الشواطئ السورية، بأن محور النظام، ربما يستغل انشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم الثلاثاء، ليبدأ بحملة قصف جوي عنيف على حلب. وتبدو الاستعدادات واضحة لاستئناف العمليات العسكرية، على الرغم من إعلان المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أمس الإثنين، أن "الهدنة الإنسانية لها أطر زمنية محددة، إلا أن نظام وقف سلاح الجو الروسي لعملياته لا يزال مستمراً". ورغم إعلان بيسكوف أنه "إذا لم ينتقل المقاتلون إلى الهجوم ولم ينفذوا حملة عنيفة، عندها سيعتبر الرئيس (فلاديمير بوتين) أنه من المناسب تمديد وقف إطلاق النار"، فإن الثقة مفقودة بالكامل بالتصريحات والتعهدات الروسية التي لم تحترمها موسكو منذ ما قبل تدخلها العسكري في سورية.

وهناك تساؤلات عديدة حول هذا الهجوم الجوي المحتمل ومدى إمكانية قوات النظام والمليشيات المساندة له، على خوض معركة كبرى ضد فصائل المعارضة على الأرض في حلب. وتؤكد المعارضة السورية أنها مستعدة لصد هذا الهجوم، إذا بدأ فعلاً. وسبق لها أن أوقفت هجمات كثيرة في السابق. ومن المرجح أن يعاني النظام نزيفاً حاداً في قواه البشرية، ولذلك سيعتمد كلياً على المليشيات التي تم حشدها طائفياً في حلب وغيرها من المناطق السورية.

وليست هناك أرقام مفصلة يمكن الركون إليها عن عدد قوات النظام والمليشيات الطائفية ومليشيات "الشبيحة" الموجودة داخل حلب. لكن النظام أرسل إلى المدينة آلاف العناصر منها، لا سيما خلال العام الجاري. وهو يدرك أهمية المدينة في الصراع الذي يجري من أجل السيطرة ليس على المدينة فحسب، بل على سورية كلها. ويعتمد النظام على مليشيات طائفية في الدفاع عن الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرته، إذ تؤكد مصادر في المعارضة السورية المسلحة، أن القرار العسكري في المدينة بات بيد قادة هذه المليشيات، وحزب الله اللبناني، إضافة إلى ضباط روس ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني. وتضيف أن ضباط جيش النظام باتوا منفذين للأوامر، ولا سلطة فعلية لهم، لا سيما في استراتيجيات المعركة.

في هذا الصدد، يؤكد الناطق باسم "حركة نور الدين الزنكي"، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن عدد قوات النظام وحزب الله والمليشيات "كبير في حلب"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن الفصائل المقاتلة للنظام "لا تهتم بالعدد كثيراً". وأشار إلى أن هناك ثلاث قوى تقاتل في حلب إضافة إلى "بقايا قوات النظام" و"شبيحة محليين"، وهي: حزب الله، وحركة النجباء العراقية، ولواء القدس. ويوضح أن قوات "حزب الله" و"حركة النجباء" تتمركز على الجبهات الغربية، والجنوبية الغربية من حلب، وتتوزع مقارها ما بين حي "حلب الجديدة"، وحي "الحمدانية"، مشيراً إلى أن مليشيات لواء القدس تتمركز في الجبهة الشمالية الغربية. ويعد هذا اللواء من أبرز المليشيات المساندة للنظام السوري داخل حلب، ويضم فلسطينيين من سكان مخيم النيرب للاجئين، كما يضم عدداً من السوريين. ويتزعمه المدعو محمد سعيد، الذي شكل مطلع عام 2013 هذه المليشيات، بدفع من أجهزة استخبارات النظام، لمساعدة قواته في مواجهة المعارضة. ويقدر عدد عناصر هذه المليشيات بنحو ألفين، قبل أن يقتل منهم عدد كبير خلال المعارك التي خاضتها ضد قوات المعارضة على مدى سنوات.

وتؤكد مصادر مطلعة أن هذه المليشيات ارتبطت مع الحرس الثوري الإيراني وتتلقى تمويلاً مباشراً منه. ويتوزع عناصرها في العديد من الجبهات: في مخيم حندرات شمال حلب، وفي منطقة جمعية الزهراء غربها. وكان لها دور في معارك السيطرة على طريق الكاستلو منذ نحو أربعة أشهر. وهو ما أدى إلى إحكام الحصار على أحياء حلب الشرقية التي تضم نحو 300 ألف مدني.

وتعد مليشيات "حركة النجباء" العراقية التي تتبع "الولي الفقيه" في إيران، أبرز المليشيات الطائفية في حلب. وهي رأس حربة في مشروع إيراني للسيطرة على المدينة. وقد أسس هذه الحركة أكرم الكعبي، في بداية عام 2013. وأرسل معظم عناصرها إلى سورية للمشاركة مع مليشيات طائفية أخرى ممولة من إيران في قتال المعارضة السورية لأسباب طائفية بحتة.
وترتبط "النجباء" عضوياً وعقائدياً بالنظام الإيراني الذي تعمد عدم تجميع المقاتلين الشيعة العراقيين والأفغان والباكستانيين في تنظيم واحد، لكي تسهل عملية التحكم والسيطرة عليهم. وتؤكد مصادر في المعارضة السورية أن إيران تعتمد على "حركة النجباء" في حلب وريفها "كونها الأكثر انضباطاً من بين المليشيات الإيرانية الأخرى"، مشيرة إلى أن عددها ربما يصل إلى ثلاثة آلاف عنصر، أغلبهم متخصص في سلاح المدفعية ويغطون جميع المعارك في حلب نارياً.

وتشير المصادر إلى أن الحركة تملك أحدث السيارات الأميركية، لا سيما "الهامر"، ولها مستودعات خاصة من الأسلحة، والذخائر. وتوضح أن أكبر تجمع لهذه المليشيات في قرية "الذهبية" يقع بريف حلب الجنوبي، وأن هدفها الرئيسي يتمثل في "فك الحصار عن بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين في ريف إدلب". وهو ما فشلت به حتى الآن، على الرغم من قيامها بالعديد من المحاولات. وتكشف المصادر عن أن عناصر هذه المليشيات هم من استعاد الكليات العسكرية جنوب حلب من المعارضة في بداية سبتمبر/أيلول الماضي، تحت غطاء جوي روسي. وتشير إلى أن عناصر الحركة "لا يقاتلون إلا وسلاح الهاون والمدفعية معهم، وتحت قيادتهم"، مؤكدةً أن مئات من عناصر هذه الحركة يتمركزون في الأكاديمية العسكرية غرب حلب للدفاع عنها.

كذلك يعتبر حزب الله اللبناني من القوات الضاربة في حلب وريفها، بمساندة قوات النظام. وهو يتخذ من مناطق جنوب حلب ومنها بلدة العيس مقراً وممراً له إلى المدينة. ولا توجد معلومات دقيقة تماماً عن عدد مسلحي حزب الله داخل حلب، لكن خسارة الحزب المتزايدة لعدد من ضباطه وعناصره، تؤكد أنه دخل بكل ثقله في المعارك هناك.

ويتوقع مراقبون أن تحاول قوات النظام والمليشيات الطائفية استعادة زمام المبادرة مرة أخرى في حلب، من خلال شن هجوم على أحياء حلب الشرقية المحاصرة، أو من خلال القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق غربي المحافظة، لاستعادة ما خسرته الأسبوع الماضي من مواقع هامة، لا سيما ضاحية (الأسد) لإبعاد شبح الحصار عن أهم معاقلها وهي الأكاديمية العسكرية التي باتت في مرمى نيران المعارضة السورية.

ولا تستبعد المعارضة أن تشن قوات النظام والمليشيات هجوماً خلال أيام على مواقعها "لتعويض ما خسرته من مواقع في أقوى جبهاته وهي الجبهة الغربية"، وفق النقيب عبد السلام عبد الرزاق. وهو يؤكد أن قوات المعارضة "مستعدة لكل الاحتمالات"، ويشير إلى أنها تملك القدرة على صد أي محاولة للمليشيات، للتقدم سواء في غرب حلب أو شرقها، مضيفاً: "نحن في حالة استعداد دائم. جاهزون لكل الاحتمالات".

ويدرك النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون أن الهجوم على شرق حلب سيكون مكلفاً للغاية، وأن حرب الشوارع المتوقع لها أن تدور في حال الهجوم ستكون لصالح فصائل المعارضة، المتمركزة هناك منذ منتصف عام 2012. لذلك، تعمد النظام والروس شن حملة قصف جوي "متوحش" على مدى شهر كامل، أدت إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتدمير أغلب مرافق المدينة الحيوية من مخابز ومشاف ومدارس وغيرها من المرافق الحيوية للمدنيين.

لكن هذه الحملة لم تؤد إلى انسحاب المعارضة كما كان مخططاً، بل رفضت كل المحاولات الروسية، معلنة تمسكها بمواقعها، واستعدادها للمواجهة. وذهبت أبعد من ذلك، من خلال شنها معركة في غرب المدينة أدت إلى تقهقر قوات النظام، والمليشيات عن مواقع هامة. وتذكر مصادر في المعارضة أن النظام بدأ يحشد المزيد من قوات جيشه، وقوات حزب الله، والمليشيات للدفاع أولاً عن أحيائه التي باتت مهددة في غرب المدينة، ولمحاولة اقتحام الأحياء الشرقية، وتغيير خارطة السيطرة في المدينة التي من المتوقع أن تعيش أياماً عصيبة أخرى لن تنتهي قبل الحسم، سواء من المعارضة أو النظام. وهو ما أكده نائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني، بقوله يوم السبت الماضي إن "العام الحالي هو عام تقرير مصير الحرب السورية".

المساهمون