مصر: القضاء العسكري يتحدّى الثورة

26 يناير 2015
دانت منظمات محلية وأممية القضاء العسكري (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اقتحم خمسة عناصر أمن شقة الطالب في الفرقة الأولى بكلية التجارة في جامعة عين شمس، محمد أحمد العربي (18 عاماً)، في المطرية، شرق القاهرة، واقتادوه إلى مقرّ جهاز الأمن الحربي في مدينة نصر، شمال القاهرة، بعد استيلائهم على جهازي كمبيوتر خاصين به وبشقيقته.

نموذج محمد، بات جزءاً من "ثقافة" ترسّخت مصرياً في السنوات الأخيرة. لم يُتهم محمد بـ"حضور اجتماع لحزب منحلّ" أو "المشاركة في تظاهرة غير مرخّصة"، أو غيره، بل أوقف وأُحيل إلى القضاء العسكري، بسبب ما يكتبه على موقع "فيسبوك"، حسب ما أكد والده.

وكشفت عضو مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية" سارة الشريف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ صدور قانون حماية المنشآت، أُحيل حوالى 1300 مواطن مصري إلى القضاء العسكري حتى الآن. وينتمي عدد كبير منهم إلى المحافظات الحدودية، ومنهم أيضاً عدد لا بأس به من طلاب الجامعات".

وأضافت أن "المجموعة تعكف حالياً على إعداد حصر شامل للمحاكمين عسكرياً في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، خصوصاً بعد تزايد معدلات المحاكمات العسكرية للمدنيين في أعقاب التظاهرات الشعبية التي أطاحت بالرئيس المصري المعزول، محمد مرسي في 30 يونيو/حزيران 2013، وفي أحداث فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة".

وأفادت المجموعة، التي أسستها الناشطة السياسية، منى سيف الإسلام، أن "القضاء العسكري يفتقر إلى الكثير من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة والمنصفة، كونه يخضع لسلطة وزير الدفاع، وجميع القضاة وأفراد النيابة عسكريون برتب مختلفة، ويخضعون لكافة لوائح الضبط والربط، المنصوص عليها في قوانين الخدمة العسكرية. ويقوم وزير الدفاع، بناء على توصيات رئيس هيئة القضاء العسكري بتعيين القضاة، وهم غير قادرين على محاكمة الأعلى منهم رتبة، كما أن أحكامهم لا تُعدّ نافذة قبل التصديق عليها من ضابط ليس عضواً في المحكمة، ومن صلاحياته إلغاء الحكم أو إيقاف تنفيذه أو تخفيفه أو حتى إعادة المحاكمة".

وكانت المجموعة قد أصدرت ورقة حقوقية في 10 يناير/كانون الثاني الجاري، بعنوان "المحاكمات العسكرية للمدنيين، قيد دستوري في رقبة الثورة"، بالتنسيق مع "الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان". وجاء في الورقة أن "الطرفين أكدا أن المحاكم العسكرية، لن تكون أبداً قبلة الباحثين عن العدل، ولن يُقام في محرابها قواعد ومبادئ حقوق الإنسان، لأن نشأتها واستمرارها مرتبطان بالسلطة التنفيذية وبالتبعية لها التي تحرمها من الاستقلال".

ولم يقتصر الأمر على هاتين المنظمتين، فقد أصدرت 15 منظمة من منظمات المجتمع المدني المصري، بياناً موحداً، انتقدت فيه التوسّع في اختصاصات القضاء العسكري، وذلك في 30 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. ورأت المنظمات أن "قانون تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، جعل عدداً هائلاً من المنشآت العامة في حكم المنشآت العسكرية، مما يترتب عليه توسيع مجال اختصاص القضاء العسكري على نحو يعرّض حق المواطنين في محاكمات عادلة للخطر، ويفاقم من أزمة منظومة العدالة التي تشهدها مصر حالياً".

دولياً، أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، بياناً انتقدت فيه القانون، الذي سمح للسلطات المصرية بإحالة مئات المدنيين إلى المحاكم العسكرية، استناداً إلى مرسوم "قانون حماية المنشآت". وأكدت المنظمة أنه "قد أُحيل ما لا يقلّ عن 820 مدنياً إلى النيابة العسكرية في الأسابيع الستة التي أعقبت صدور القانون مباشرة، بناءً على التوسع غير المسبوق في اختصاص المحاكم العسكرية".

وللمحاكمات العسكرية في مصر عقب الثورة، تاريخ طويل، كان آخره في 17 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حين حكمت المحكمة العسكرية في مدينة السويس على كل من محمود إمام محمد وعلاء سعيد شوقي بالسجن المؤبد، وعلى أحمد يوسف خضاري، طالب في كلية طب القصر العيني، ومصطفى كامل محمود، وشهرته مصطفى حورس، بالسجن لمدة 10 سنوات، وعلى أحمد نور الدين بالسجن 7 سنوات، وعلى مصطفى هاني أحمد (16 سنة) بالسجن لمدة سنة.

كما أفاد الباحث في المرصد الطلابي التابع لمؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، محمد عبدالسلام، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "أُلقي القبض على 23 طالباً من داخل الجامعات وفي محيطها، وتم تحويلهم إلى نيابات عسكرية، ولكنه لم يتم تحويل هذه البلاغات إلى المحاكم العسكرية بعد".

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قد وقّع في 28 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، على قانون "حماية وتأمين المنشآت العامة والحيوية"، ويلزم القوات المسلحة المصرية بتأمين وحماية جميع المنشآت العامة والحيوية. ويسري القانون لمدة عامين، وتُحال بموجبه جميع الجرائم التي تُرتكب ضد المنشآت إلى النيابة العسكرية وتحويلها إلى القضاء العسكري.

وفي غضون إصدار القانون، أفاد وزير العدل المصري، المستشار محفوظ صابر، بأن "قانون حماية المنشآت سيتم تطبيقه بالتنسيق بين قوات وزارة الداخلية المصرية والقوات المسلحة المصرية، بهدف التصدي لجرائم الإرهاب المتزايدة في الفترة الأخيرة، وأنه باعتبار الجامعة منشأة عامة، فسيتم تطبيق القانون عليها، خصوصا أن حرم الجامعات المصرية يشهد أعمال عنف وتخريب".

تابعونا ثورات_تتجدد

المساهمون