مع بداية محاكمة عدد من رموز نظام الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة ووزراء حكوماته المتهمين في قضية فساد أولى تخص مصانع تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية والأحزاب السياسية، والمتورط فيها رئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال وعدد من وزراء الصناعة ورجال أعمال ومسؤولون آخرون، يبرز سؤال مركزي حول عدم استدعاء بوتفليقة للمثول أمام المحكمة.
سلال وخلال استجوابه من قِبل قاضي المحكمة عن تهم تتعلق بتمويل الحملة الانتخابية لبوتفليقة، وفتح حسابات في المصارف تخص ذلك وحركة أموال وإيداعات لرجال الأعمال، حوّل الأنظار نحو بوتفليقة نفسه، محاولاً النأي بنفسه عن هذه التهم، وقال للقاضي "أنا جئت للحملة ولكن تم طردي مبكراً، وغادرت قبل أن تنطلق الحملة الانتخابية"، التي لم تجر أصلاً بعد إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 11 مارس/آذار الماضي واستقالة بوتفليقة من منصبه في الثاني من إبريل/نيسان الماضي.
ورد سلال على سؤال القاضي عمن أودع الأموال في حساباته، التي تخص الحملة الانتخابية، قائلاً إن "كل المسؤولية تقع على عاتق المرشح (يقصد بوتفليقة) ونحن كنا متطوعين، وأنا وقّعت على أوراق فتح الحسابات من دون أن أدقق أو أعرف على ماذا وقّعت". فيما أقر عبد الغني زعلان، مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة، الذي خلف سلال بعد إقالته في نهاية فبراير/شباط الماضي على خلفية تصريحات مثيرة هدد فيها باستعمال السلاح ضد المحتجين في الحراك الشعبي، أقر بأنه تولى إدارة ومسؤولية الحملة الانتخابية في الخامس من مارس الماضي، وأكد أن الحسابين البنكيين الخاصين بتمويل الحملة الانتخابية، فتحهما مدير الحملة الذي كان قبله (عبد المالك سلال)، مشيراً إلى أن ستة مموّلين هم رجال أعمال موّلوا تلك الحملة.
في ظاهر القانون ومقتضياته يُفترض أن تستدعي تصريحات سلال في المحكمة إقدام هيئتها على اتخاذ قرار باستدعاء بوتفليقة للاستماع إليه بشأن موضوع تمويل حملته الانتخابية التي دفع فيها رجال أعمال ومقاولون موالون له ما يقارب 800 ألف دولار أميركي، تم استرجاع 400 ألف دولار منها، بحسب وثائق القضية، لكن المحكمة التي تعالج قضايا فساد مرتبطة أساساً بسياسات بوتفليقة وتحت مسؤوليته السياسية، ما تزال تستبعده من قائمة المتهمين أو الشهود على الأقل.
ويعتقد متابعون للتطورات السياسية والقضائية في الجزائر أن استبعاد بوتفليقة من المساءلة القانونية عن ملفات وقضايا تخص فترة حكمه وتحت مسؤوليته، يرتبط بثلاث مسائل، الأولى قانونية تخص المادة 177 من الدستور، والتي لا تسمح بمحاكمة رئيس الجمهورية إلا أمام المحكمة العليا للدولة، التي ينص الدستور على إنشائها من قِبل رئيس الجمهورية مع بداية فترة حكمه، لكن الظاهر أن بوتفليقة عمل على عدم تأسيس وإنشاء هذه المحكمة، لإبقاء نفسه بعيداً عن أي مساءلة أو محاكمة متوقّعة.
اقــرأ أيضاً
لكن هذا المانع القانوني ينسحب أيضاً على من يشغل رئيس الحكومة، وتم تجاوزه بتفسيرات قانونية تسمح بملاحقة رئيسي الحكومة السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، غير أنه لم يتم تطبيق التفسيرات القانونية نفسها بشأن رئيس الجمهورية السابق، ما يعني وجود موانع أخرى. وإضافة إلى هذا العامل القانوني، تبرز عوامل أخلاقية وإنسانية تخص الوضع الصحي المتدهور لبوتفليقة، وظروفه التي لا تتيح مساءلته قانوناً، خصوصاً أن الرئيس المستقيل بحسب ما يُنقل من تقارير لا يتمتع بكامل قدراته على الاستيعاب. يضاف إلى ذلك ما يُعتقد أنها ضمانات قدّمها قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح لضمان خروج آمن لبوتفليقة من الحكم وعدم ملاحقته للأسباب السالفة.
وفي السياق، يقول المحامي والناشط عبد الغني بادي، لـ"العربي الجديد"، إن "من الواضح أن هناك صفقة سياسية حول المسألة تتجاوز القضاء، وإن قوى غير قضائية هي من قررت عدم محاكمة بوتفليقة وتعمّدت عدم تأسيس المحكمة العليا للدولة لمحاكمة الرئيس ورؤساء الحكومة طبقاً للمادة 177 من الدستور"، مضيفاً "حتى أن الجهات القضائية لم تقدّم تبريراً واحداً مقبولاً للرأي العام عن عدم تحريك دعاوى قضائية ضده وهذا يؤكد فرضية التفاوض". ويلفت إلى أن ما يؤكد وجود الصفقة "بقاء عائلة بوتفليقة كلها خارج المحاكمات المتعلقة بالفساد بمن فيها شقيقه السعيد الذي يُعرف عنه رعايته للكارتل المالي، على الرغم من أن الكثير من التصريحات انصبّت حول أوامر صادرة منهم تعلقت بفساد مالي كبير يرقى للإضرار بالاقتصاد الوطني وتدميره"، عدا أن السعيد تمت محاكمته في قضية التآمر على سلطة الجيش قبل أشهر.
وبغض النظر عن الطابعين الاقتصادي والجنائي لهذه القضية وقضايا فساد لاحقة ستتم معالجاتها خلال الأيام والأسابيع المقبلة، واستدعاء القضاء لبوتفليقة من عدمه، فإن هذه المحاكمة تمثّل بالنسبة للكثيرين محاكمة سياسية لنظام بوتفليقة بشكل كامل ولسياساته التي انتهت بالبلاد إلى هذا الوضع المرعب من الفساد وتمدد شبكة الكارتل المالي وهيمنته على القرار السياسي والاقتصادي للحكومة. ويعتقد الناشط السياسي ناصر حداد أن "اللائحة الجنائية لهذه المحاكمة تضم أسماء محددة، لكن لائحتها السياسية تنسحب على نظام بوتفليقة بشكل كامل، وعلى كل المجموعات السياسية والمدنية والاجتماعية التي كانت تدعمه وتؤيد سياساته، وناشدته الترشح لولاية رئاسية خامسة".
وعلى الرغم من أن المحاكمات لم تكشف بعد عن كل أسرارها، لكن بعض ما تم الكشف عنه في المحاكمة الأولى كان صادماً للجزائريين، وأظهر تلاعباً كبيراً بالدولة والمقدرات المالية للبلاد، واستغلالا فادحا للسلطة والنفوذ، كان يمكن أن يستمر لولا حراك 22 فبراير/شباط 2019.
سلال وخلال استجوابه من قِبل قاضي المحكمة عن تهم تتعلق بتمويل الحملة الانتخابية لبوتفليقة، وفتح حسابات في المصارف تخص ذلك وحركة أموال وإيداعات لرجال الأعمال، حوّل الأنظار نحو بوتفليقة نفسه، محاولاً النأي بنفسه عن هذه التهم، وقال للقاضي "أنا جئت للحملة ولكن تم طردي مبكراً، وغادرت قبل أن تنطلق الحملة الانتخابية"، التي لم تجر أصلاً بعد إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 11 مارس/آذار الماضي واستقالة بوتفليقة من منصبه في الثاني من إبريل/نيسان الماضي.
ورد سلال على سؤال القاضي عمن أودع الأموال في حساباته، التي تخص الحملة الانتخابية، قائلاً إن "كل المسؤولية تقع على عاتق المرشح (يقصد بوتفليقة) ونحن كنا متطوعين، وأنا وقّعت على أوراق فتح الحسابات من دون أن أدقق أو أعرف على ماذا وقّعت". فيما أقر عبد الغني زعلان، مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة، الذي خلف سلال بعد إقالته في نهاية فبراير/شباط الماضي على خلفية تصريحات مثيرة هدد فيها باستعمال السلاح ضد المحتجين في الحراك الشعبي، أقر بأنه تولى إدارة ومسؤولية الحملة الانتخابية في الخامس من مارس الماضي، وأكد أن الحسابين البنكيين الخاصين بتمويل الحملة الانتخابية، فتحهما مدير الحملة الذي كان قبله (عبد المالك سلال)، مشيراً إلى أن ستة مموّلين هم رجال أعمال موّلوا تلك الحملة.
ويعتقد متابعون للتطورات السياسية والقضائية في الجزائر أن استبعاد بوتفليقة من المساءلة القانونية عن ملفات وقضايا تخص فترة حكمه وتحت مسؤوليته، يرتبط بثلاث مسائل، الأولى قانونية تخص المادة 177 من الدستور، والتي لا تسمح بمحاكمة رئيس الجمهورية إلا أمام المحكمة العليا للدولة، التي ينص الدستور على إنشائها من قِبل رئيس الجمهورية مع بداية فترة حكمه، لكن الظاهر أن بوتفليقة عمل على عدم تأسيس وإنشاء هذه المحكمة، لإبقاء نفسه بعيداً عن أي مساءلة أو محاكمة متوقّعة.
وفي السياق، يقول المحامي والناشط عبد الغني بادي، لـ"العربي الجديد"، إن "من الواضح أن هناك صفقة سياسية حول المسألة تتجاوز القضاء، وإن قوى غير قضائية هي من قررت عدم محاكمة بوتفليقة وتعمّدت عدم تأسيس المحكمة العليا للدولة لمحاكمة الرئيس ورؤساء الحكومة طبقاً للمادة 177 من الدستور"، مضيفاً "حتى أن الجهات القضائية لم تقدّم تبريراً واحداً مقبولاً للرأي العام عن عدم تحريك دعاوى قضائية ضده وهذا يؤكد فرضية التفاوض". ويلفت إلى أن ما يؤكد وجود الصفقة "بقاء عائلة بوتفليقة كلها خارج المحاكمات المتعلقة بالفساد بمن فيها شقيقه السعيد الذي يُعرف عنه رعايته للكارتل المالي، على الرغم من أن الكثير من التصريحات انصبّت حول أوامر صادرة منهم تعلقت بفساد مالي كبير يرقى للإضرار بالاقتصاد الوطني وتدميره"، عدا أن السعيد تمت محاكمته في قضية التآمر على سلطة الجيش قبل أشهر.
وبغض النظر عن الطابعين الاقتصادي والجنائي لهذه القضية وقضايا فساد لاحقة ستتم معالجاتها خلال الأيام والأسابيع المقبلة، واستدعاء القضاء لبوتفليقة من عدمه، فإن هذه المحاكمة تمثّل بالنسبة للكثيرين محاكمة سياسية لنظام بوتفليقة بشكل كامل ولسياساته التي انتهت بالبلاد إلى هذا الوضع المرعب من الفساد وتمدد شبكة الكارتل المالي وهيمنته على القرار السياسي والاقتصادي للحكومة. ويعتقد الناشط السياسي ناصر حداد أن "اللائحة الجنائية لهذه المحاكمة تضم أسماء محددة، لكن لائحتها السياسية تنسحب على نظام بوتفليقة بشكل كامل، وعلى كل المجموعات السياسية والمدنية والاجتماعية التي كانت تدعمه وتؤيد سياساته، وناشدته الترشح لولاية رئاسية خامسة".
وعلى الرغم من أن المحاكمات لم تكشف بعد عن كل أسرارها، لكن بعض ما تم الكشف عنه في المحاكمة الأولى كان صادماً للجزائريين، وأظهر تلاعباً كبيراً بالدولة والمقدرات المالية للبلاد، واستغلالا فادحا للسلطة والنفوذ، كان يمكن أن يستمر لولا حراك 22 فبراير/شباط 2019.