قمة بوتين وترامب: أجندة شاملة واحتمالات مفتوحة وخاسرون ورابحون

28 يونيو 2018
بوتين وترامب خلال اجتماع أبيك في 2017 (Getty)
+ الخط -
لم يحتج الرئيسان الأميركي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، إلى كثير من الوقت، قبل إعطائهما الضوء الأخضر، للكرملين والبيت الأبيض، للإعلان رسمياً أمس الخميس عن تفاصيل عقد قمتها، في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 16 يوليو/ تموز المقبل، أي بعد أيام من قمة حلف شمال الأطلسي التي ستعقد من 11 إلى 12 يوليو في بروكسل، وبعد الزيارة المفترض أن يقوم بها ترامب إلى بريطانيا في 13 من الشهر نفسه وبعد انتهاء مسابقة كأس العالم، التي ستجري مباراتها الختامية يوم 15 يوليو.
التوافق على فنلندا برمزيتها كمكان لعقد اللقاء بعيداً من موسكو أو واشنطن رسالة مبكرة بأن القمة المرتقبة ستعقد على مبدأ "رابح – رابح" وأن حجم التنازلات المرجح تقديمها سيكون متكافئاً، خصوصاً أن لكلا البلدين التي علاقتهما "ليست على أفضل حالها" على حد وصف بوتين نفسه، أولويات وحسابات سياسية أولاً واقتصادية ثانياً، والتي يعتقد الطرفان أن بالإمكان استخدامها كأوراق مساومة للتوصل إلى التفاهمات.



وبالقدر الذي رأت فيه الصحافة الأميركية في اللقاء تكريساً للواقعية التي تتحلى بها إدارة ترامب، خصوصاً بعد التغييرات التي أجراها الأخير بتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية خلفاً لريكس تيلرسون قبل أشهر، وجون بولتون مستشاراً للرئيس لشؤون الأمن القومي، الذي زار موسكو أول من أمس الأربعاء، خصوصاً أنهما كانا يعدان من الصقور، بقدر ما أضافت مخاوف لدى الأوساط السياسية الأميركية من مآلاتها خصوصاً بسبب توقيتها في خضم الأزمات التي عانى منها ترامب داخلياً خصوصاً لجهة تسارع التحقيقات في قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016، والتي تقترب من دائرة ترامب الضيقة. لكن هذه المخاوف لا تقتصر على الداخل الأميركي، إذ ظهرت هواجس في العديد من الدول الأوروبية، وسط خشية من توجهات ترامب وتفضيله التقارب مع روسيا على حساب الحلفاء الأوروبيين التاريخيين، وهو طلاق ظهر بوضوح في قمة مجموعة السبع الكبار في كندا أخيراً، ويتطور يومياً في فصول الحرب التجارية التي يشنها ترامب نفسه على دول الاتحاد الأوروبي.
إلا أن العلاقة مع أوروبا لن تكون الوحيدة على طاولة مباحثات ترامب وبوتين اللذين لم يلتقيا سابقاً سوى مرّتين، وكان اللقاء الأول على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في ألمانيا قبل نحو عام، بالإضافة إلى محادثات قصيرة على هامش قمة "أبيك" في فيتنام في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
وفيما أعلنت موسكو أمس أن وزير خارجيتها سيرغي لافروف قد يلتقي نظيره الأميركي مايك بومبيو قريباً لحسم جدول الأعمال، إلا أن تصريحات المسؤولين الأميركيين والروس في اليومين الماضيين أعطت فكرة أولية عن أجندة القمة، بدءاً من ترامب الذي قال إنه سيتم بحث الحرب في سورية والوضع في أوكرانيا، مروراً ببومبيو الذي قال إنه على ثقة في أن موضوع "التدخلات الانتخابية" سيبحث من دون أن يمنع ذلك ترامب من إجراء "محادثات مثمرة" يمكن أن تؤدي إلى تحسينات للبلدين. بدوره، أعرب بولتون، خلال زيارته موسكو أول من أمس، عن أمله في أن اللقاء سيبحث التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وذلك فيما تقترب التحقيقات في القضية من دائرة ترامب الضيقة بما في ذلك ما أظهره طلب إصدار مذكرة لتفتيش شقة بول مانافورت، المدير السابق لحملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية، عن صلات أوثق مما كان معروفا سابقاً بينه وبين قطب أعمال روسي يدعى أوليغ دريباسكا وله صلات وثيقة بالكرملين. وكان بولتون واضحاً بقوله إنه "إذا نظرنا إلى المجالات المحتملة للتعاون، فيعتقد الرئيس ترامب والرئيس بوتين على حد سواء، بضرورة مناقشة المسائل العامة، لأن علاقاتنا الثنائية تؤثر في الاستقرار في العالم أجمع".
كذلك لفت إلى أنه قد يبحث مع بوتين مسألة عودة روسيا إلى مجموعة السبع الكبار، وإن أشار إلى أن موقف الولايات المتحدة بشأن العقوبات ضد روسيا لم يتغير. وكانت المجموعة قد أعلنت تجميد عضوية روسيا في مجموعة "G8"، على خلفية تدهور العلاقات بين موسكو وعدد من العواصم الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014.
كما ذكر بولتون أنه من بين المواضيع المحتمل مناقشتها بين الرئيسين، معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى والرقابة على التسلح. مع العلم أن مستشار الأمن القومي بحث مع بوتين خلال التحضير للاجتماع قبل يومين، ملفات الاستقرار الاستراتيجي، والسيطرة على السلاح النووي، والأزمة الأوكرانية وكوريا الشمالية، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني.
في الجانب الآخر، أي الروسي، أفاد مساعد بوتين، يوري أوشاكوف، في تصريحات للصحافيين نقلتها وكالة أنباء سبوتنيك، بأن حديثاً قد تم بشأن خروج القمة المرتقبة ببيان مشترك من شأنه أن يرسم الخطوات اللاحقة للجانبين ويحدد خطوات تحسين العلاقات الثنائية، والإجراءات المشتركة على الساحة الدولية وسبل ضمان الاستقرار والأمن الدوليين. وأوضح المسؤول الروسي أن هناك جملة من القضايا الضخمة بين البلدين وفي مقدمتها الاستقرار الاستراتيجي، ومكافحة الإرهاب الدولي، بالإضافة الى المشاكل الإقليمية، التي تشمل جميع حالات الصراع المعروفة، وتحسين العلاقات الثنائية. وأضاف أوشاكوف أن كل هذه الموضوعات مهمة بشكل مبدئي بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة مع التركيز على الوضع في العلاقات الثنائية، والتسوية السورية والاستقرار الدولي وملف نزع السلاح.



أما النتائج النهائية التي يمكن أن تخرج بها القمة فتبدو غير محسومة وهو ما كان بولتون صريحاً تجاهه لجهة قوله إنه "لا يتوقع أي نتائج محددة لأنه لم تكن هناك قمة رسمية بين رئيسي دولتينا منذ فترة طويلة"، لكنه لم يستبعد التوصل إلى اتفاقات محددة، مشيراً إلى أن "هناك الكثير من المسائل الملحة".
وتتراوح الاحتمالات بين التوصل إلى تفاهمات صلبة حول عدد من الملفات تؤسس لمرحلة جديدة في العلاقات الأميركية الروسية أو أن تقتصر على مخرجات رمزية، فيما يبدو المثال الكوري الشمالي حاضراً، خصوصاً أن قمة ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في سنغافورة، على أهميتها، لم تنته بتوافقات حاسمة بشأن البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وهو ما دفع صحفا ومواقع إخبارية أميركية إلى التحذير من أنه من غير المرجح أن يؤدي اجتماع ترامب ــ بوتين إلى نتائج ملموسة حقيقية، فضلاً عن طرح تساؤلات عدة، حول من سيكون الرابح الأكبر ومن الخاسر.
وذهب البعض إلى التشديد على أهمية التفريق بين العلاقة بين أميركا وروسيا من جهة، وبين أجندة ترامب الشخصية تجاه بوتين من جهة ثانية. وفي السياق نقل موقع "سي أن بي سي" الأميركي، عن ماثيو بوليج، وهو زميل باحث في معهد تشاتام هاوس، إشارته إلى أن "التطمينات لروسيا سترسل إشارة مختلطة إلى الجميع. وهذه هي النقطة التي تتوقف فيها سياسة الولايات المتحدة وتبدأ أجندة ترامب الشخصية"، خصوصاً أن الأخير بات يعرف بميله إلى القمم الثنائية وعدم ارتياحه للقمم/ الاجتماعات متعددة الطرف.
وتتعزز هذه المخاوف خصوصاً في ضوء التحقيق المستمر في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 والتواطؤ المحتمل بين الكرملين وحملة ترامب، لكن في نفس الوقت، ولهذا السبب أيضاً، يمكن أن يكون الاجتماع بمثابة فرصة لترامب، صاحب شعار "أميركا أولاً" لكي يُظهر أمام جمهوره المحلي أنه صعب في مواجهة موسكو. من ناحية أخرى، يمكن أن يسعى أيضاً إلى طمأنة بوتين إلى أنه لا يزال يحاول تقوية العلاقة الأميركية مع الكرملين.
ويرتبط الأمر بشكل أساسي بتوقعات كل طرف من القمة، بدءاً من بوتين الذي يضع قائمة "الأمنيات"، على حد وصف موقع "سي أن أن" تتضمن رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا رداً على ضم شبه جزيرة القرم والعقوبات المنفصلة التي فرضتها الولايات المتحدة على موسكو نتيجة تدخلها في الانتخابات الأميركية وانتهاكات حقوق الإنسان. كما يود بوتين أن يسمع من ترامب أنه يقبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ويقلل من دورها في الحرب الأهلية في أوكرانيا.
كذلك، يريد بوتين فرض روسيا دورها وسيطاً قوياً في الشرق الأوسط، وتوظيف التقارب مع واشنطن، والعلاقات التي تجمعه مع طهران، والنظام السوري وإسرائيل لهذه الغاية. وبقدر ما يرغب بوتين في إنهاء الحرب في سورية لمصلحة نظام الأسد، يريد الاحتفاظ بنفوذه فيها، وهو ما جعله يسعى إلى ضبط التوتر الذي حدث في الأشهر الأخيرة بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية. وللغاية نفسها فإن بوتين قد يبدي انفتاحاً على أي تسوية تعرض عليه من قبل ترامب، إذا ما كانت تتضمن خروج إيران من كل الأراضي السورية في مقابل إعادة أميركا الاعتراف بشرعية رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ولم تتردد موسكو أخيراً في إبداء حماستها لأداء دور الوسيط بين إسرائيل وإيران على اعتبار أنه "إذا أرادت إسرائيل التحدث مع الإيرانيين، يجب أن تتحدث مع الروس"، على حد قول سفير إسرائيلي سابق لدى موسكو لصحيفة جيروزاليم بوست. كما أبدى بوتين استعداده لأداء الدور نفسه في ما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة وإيران بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الذي يصادف مرور 3 أعوام على توقيعه في 14 يوليو، أي قبل يومين من القمة بين بوتين وترامب.
وفي السياق، رأى موقع "سي أن أن" في نسخته الإنكليزية أنه إذا كان التاريخ الحديث يصلح كدليل، فإنه يوجد ما يكفي من الأسباب التي تدعو إلى القلق، مرجحاً أن الرئيس الروسي هو الذي سيستفيد أكثر من الاجتماع المثير للجدل، فيما سيكون أقرب حلفاء أميركا والأمن الولايات المتحدة من أكبر الخاسرين، أخذاً في الاعتبار الطريقة التي يتصرف بها ترامب على المسرح العالمي، خصوصاً بعد الازدراء الذي تعامل فيه ترامب مع قادة مجموعة السبع وذهابه للقاء كيم والثناء "على أحد أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم بل وتقديم تنازلات ملموسة لم يتم الرد عليها بالمثل".
وما يعزز المخاوف أن ترامب منذ الأيام الأولى لحملته الرئاسية، أبدى إعجابه الشديد بالرئيس الروسي وبمجرد توليه منصبه، أظهر إحجاماً عن الاعتراف بالتدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وتلا ذلك جهود متواصلة للتخفيف من أفعال روسيا السيئة.
على الرغم من كل ذلك لا يستبعد الموقع أن يفاجئ ترامب الجميع، والتحدث مع بوتين حول عدد من القضايا الحساسة بدءاً من ضمّ القرم، وإظهار جبهة موحدة مع حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي عبر تأكيد الالتزام الأميركي بالدفاع المتبادل. لكن عكس ذلك قد يحدث أيضاً. وفي السياق، رأت صحيفة "فيلت" الألمانية أن عقد روسيا والولايات المتحدة صفقة بينهما بعيداً من أوروبا، يمكن أن يتحول إلى سيناريو كارثي لأوروبا، ولاستقرار حلف شمال الأطلسي، خصوصاً إذا ما أفضت القمة إلى موافقة واشنطن على وقف المشاركة في المناورات العسكرية لحلف شمال الأطلسي على حدود الحلف الشرقية، على أن تتخلى موسكو عن إجراء مناورات في غرب روسيا.
وهنا تحديداً تحضر خشية بولندا على وجه الخصوص من هدية يقدمها ترامب لبوتين، على غرار التي قدمها ترامب لكيم بعد وقف المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، خصوصاً أن وزارتي الدفاع البولندية والأميركية كانتا وقعتا خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بولندا أوائل تموز الماضي اتفاقا بشأن تسليم منظومات الدرع الصاروخي إلى وارسو على أن يتم نقل هذه الأنظمة إلى بولندا حتى عام 2022، الأمر الذي أثار استياء موسكو، فيما أبدت في الأيام الماضية تفاؤلاً بشأن التفاهم مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بنظام الدرع الصاروخي في أوروبا، بما في ذلك تأكيد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس الخميس، أن الحوار بين روسيا والولايات المتحدة، حول معاهدة التخلص من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، أصبح أكثر مهنية في الآونة الأخيرة.
وإزاء هذه المخاوف، تبدو دعوة رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في رسالة وجهها الى رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد لأسوأ سيناريوهات مع الولايات المتحدة، في ظل رئاسة دونالد ترامب، مفهومة. ولخص مخاوفه بالقول: "رغم جهودنا الدؤوبة للحفاظ على وحدة الغرب، إلا أن العلاقات بين ضفتي الأطلسي تخضع لضغوط هائلة بسبب سياسة الرئيس ترامب"، مضيفا أن "الانقسامات للأسف تذهب أبعد من التجارة".