صراع العبادي-الصدر يهدّد باقتتال داخل الطائفة وبتمزيق "التحالف الوطني"

22 مايو 2016
منع الصدر مليشياته من التعرّض للمليشيات الأخرى(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
يتسارع وقع الحرب غير المعلنة بين زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي، بشكل لافت، لتأخذ أبعاداً جديدة متجاوزة مرحلة التهديد والوعيد ومحاولات الحوار لتدخل مرحلة الاشتباكات المسلّحة. وبدت الأمور خارجة عن السيطرة تماماً، أمس السبت، ما دفع بمليشيات الصدر للتجمّع في بغداد بانتظار أوامر زعيمها لأي قرار يتخذه. وجاء ردّ القوات الأمنيّة التي أطلقت الرصاص الحي على أتباع الصدر، مساء أمس الأول الجمعة، غير متوقع، خصوصاً أنّ الصدر كان يعوّل كثيراً على مساندة وتواطؤ القادة الأمنيين داخل المنطقة، لكنّ العبادي هذه المرة توعّد القادة بـ"عقاب شديد" في حال التواطؤ أو التهاون بحماية المنطقة الخضراء.
ويحاول العبادي من خلال التصدي لأتباع الصدر، إعادة هيبة الدولة من جديد، وتأمين المنطقة الخضراء، ليبعث برسالة تطمين إلى الجهات السياسيّة التي علّقت حضورها في البرلمان ومجلس الوزراء، ولَم شتات المؤسستين التشريعيّة والتنفيذيّة واستئناف عملها من جديد. فيما يحاول زعيم التيار الصدري، تفكيك حلف المليشيات عن العبادي، بمحاولة طمأنتهم أنّ مليشياته لا تتعرّض لهم، في خطوة لعزلهم عن العبادي لتكون الساحة بين مليشيات الصدر والأجهزة الأمنيّة الموالية للعبادي حصراً.
وقال مصدر قريب من التيار الصدري، لـ"العربي الجديد"، إن "مليشيات سرايا السلام (التابعة للصدر) تتجمّع من أغلب مناطق العاصمة ومن عدد من المحافظات في مدينة الصدر"، مشيراً إلى أنّ "قادة السرايا ينتظرون توجيهات زعيمهم مقتدى الصدر للتحرّك وفقاً لما يقرره".
من جهته، اعتبر النائب عن كتلة الصدر، عبد العزيز الظالمي، أنّ "حكومة العبادي فقدت شرعيّتها بعد أن استهدفت المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع". وأضاف الظالمي، في تصريح صحافي، أنّ "الحكومة أصبحت حالها كحال الإرهاب، بسبب لجوئها إلى العنف ضد المتظاهرين"، محمّلاً رئيس الحكومة والقيادات الأمنيّة المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء "وكل ما حصل".
ويرى كثيرون أن الاشتباكات المسلّحة بين الأجهزة الأمنية وأتباع الصدر قد تكون بداية حرب حقيقية بين الصدر والعبادي، ربما تتسع رقعتها لتشمل مليشيات طائفية أخرى، فيما تخشى كتل "التحالف الوطني" الحاكم من تداعياتها وتأثيرها على وحدة التحالف، ومن أن تكون حرباً داخل البيت الشيعي حصراً.
وحذر قائد مليشيا "بدر" القيادي في "الحشد الشعبي" هادي العامري، من معركة "شيعيّة شيعيّة". ودعا العامري في رسالة وجّهها إلى مليشياته، إلى "أخذ الحيطة والحذر، وعدم الانجرار إلى أي صدام آخر"، مضيفاً أن "البعض يحاول سحبنا إلى معركة جانبيّة شيعيّة ـ شيعيّة، وهو محرّم علينا". وشدد على أنّ "معركتنا الحقيقيّة هي مع الإرهاب"، داعياً أتباعه إلى "الاستعداد لمعركة الفلوجة، وأن لا تلهيكم أمور أخرى".


يأتي ذلك في وقت شهدت فيه العاصمة بغداد أجواءً حذرةً للغاية، وسط انتشار كثيف للقوات الأمنيّة. في غضون ذلك، يحاول الصدر تجريد العبادي من أتباعه ومن فصائل المليشيات الموالية له، لتكون الساحة فارغة بين الطرفين، من خلال إرساله رسائل تطمين لتلك المليشيات وتحذير مليشيا "سرايا السلام" من التعرّض لهم.
وقال المعاون الجهادي لمليشيا "سرايا السلام"، كاظم العيساوي، في بيان صحافي، إنّ الصدر "أبدى رفضه وبغضب كبير من توجيه بوصلة الاتهام إلى منظّمة بدر، بشأن ما جرى من أحداث يوم أمس (الأول)". وأضاف: "نقلتُ هاتفياً لزعيم قوات بدر هادي العامري، رفض الصدر أي تعرّض لجماعة بدر، وأنّه (الصدر) هدّد بحل سرايا السلام في حال تعرّضهم لأفراد أو مقرات بدر".
يأتي ذلك في وقت تحاول فيه كتل "التحالف الوطني" السيطرة على الموقف، من خلال وساطات يقوم بها قادة التحالف بين العبادي والصدر، فيما يصرّ الصدر على أخذه حقه بالقوة، الأمر الذي قد يجر العراق إلى معركة خطيرة تكون ساحتها بغداد.
وقال نائب في "التحالف الوطني"، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قادة التحالف كانوا يأملون حل الأزمة بين الصدر والعبادي بالحوار، وبذلوا جهوداً لحصول ذلك، لكن الأمور خرجت عن السيطرة، ما حدا بهم إلى القيام بتحركات سياسيّة جديدة للسيطرة على الموقف"، موضحاً أنّهم "أجروا حوارات مكثّفة مع العبادي من جهة، والصدر وهيئته السياسية من جهة أخرى". وكشف النائب أنّ "الحوارات لا تُبشّر بخير حتى الآن، وأنّ العبادي متمسّك بحفظ هيبة الدولة والتصدّي لأية عملية اقتحام للمنطقة الخضراء من أية جهة، وقد توعَّدَ القادة الأمنيين المسؤولين عن ملف الخضراء بعقوبات شديدة في حال تهاونهم مع أتباع الصدر". وأضاف: "كما أنّ الصدر والهيئة السياسيّة التابعة له يرفضون رفضاً قاطعاً السكوت على ما جرى مساء أمس (الأول)، وأنّهم متمسكون بالتظاهر والتغيير واتباع كافة الوسائل لرد الحقوق".
ويتعقد المشهد السياسي والأمني في البلاد إثر هذه الأزمة، التي يعدّها مراقبون "منعطفاً خطيراً يهدّد وحدة التحالف الوطني، ويعطّل عمل السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة". وقال الخبير السياسي محمود السعدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحرب بين الصدر والعبادي خرجت عن السيطرة وتجاوزت حرب التصريحات والبيانات، لتصل إلى الاشتباكات والمواجهات"، محذراً من أنّ "ذلك منعطف خطير في الصراع بين الطرفين وستكون له تداعيات على الملفين السياسي والأمني".
وأوضح أنّ "التحالف الوطني الحاكم سيواجه التمزّق والتقسيم إلى جبهتين، الأولى مؤيّدة للعبادي والثانية تؤيّد الصدر، بينما ستكون ساحة الحرب هي بغداد العاصمة وما لذلك من تداعيات خطيرة على كافة الصعد، وما لها من تأثير على عمل السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة". وأشار إلى أنّ "الصدر بدأ بالتخطيط الفعلي لهذه الحرب، من خلال منع مليشياته من التعرّض للمليشيات الأخرى، وهي محاولة لتجريد العبادي من أتباعه وإفراغ الساحة للقوات الأمنيّة الموالية للعبادي وأتباع الصدر"، لافتاً إلى أن "أتباع الصدر يستطيعون فعل الكثير، فهم قوة لا يستهان بها من حيث العدّة والعدد، وهم يدينون بالولاء المطلق لزعيمهم مهما كان رأيه"، مشيراً إلى أنّ "طبول الحرب قرعت وقد يصعب احتواؤها، فيما تبقى أنظار قادة التحالف الوطني ترنو نحو إيران التي قد تخوض غمار التهدئة عبر عقد صفقات سياسيّة بين الطرفين".
يُذكر أن مليشيا "سرايا السلام"، شيّعت، أمس السبت، قتيلين من المتظاهرين الذين اقتحموا المنطقة الخضراء وسط بغداد، أول أمس الجمعة، فيما أعلنت خلية الإعلام الحربي العراقية وفاة عنصر أمن عراقي نتيجة طعنه بالسكاكين من قبل المتظاهرين.