الهند تفضل عدم التورط في أفغانستان... ومتحمسة للانخراط الأميركي

24 سبتمبر 2017
التحالف الهندي ـ الأفغاني بات أقوى (ناريندار نانو/فرانس برس)
+ الخط -

يستبعد عارفون بمطبخ السياسة الخارجية الهندية، أن تتورط الهند في أية شراكة مع الولايات المتحدة أو الدخول في تعاون عسكري مع أي طرف آخر في أفغانستان. ويعتبر خبراء في السلك الدبلوماسي الهندي أن المناشدة التي وجّهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للهند لتأدية دور أكبر في أفغانستان، تشير إلى تكثيف صراع النفوذ في هذا البلد، وقد تدخله الصين إلى جانب الحضور الباكستاني والإيراني والأميركي. وتفضّل الهند أن تحصر تعاونها في إطار ثنائي مع أفغانستان بدلاً من الدخول في تحالفات أو معسكرات دولية متواجهة في الحرب الأهلية في هذا البلد.

في هذا السياق، يقول خبراء ودبلوماسيون سابقون إن "الهند تشارك قلق الولايات المتحدة بالنسبة لوضع الأمن والسلام في أفغانستان، وهي مستعدة لتأدية دورها، لكن من دون إرسال قواتها المسلحة ومعداتها الحربية إلى هذا البلد، فيما تهتم بالمشاركة في إعادة الإعمار فور نضوج الظروف لذلك".

من جهته، يعتبر الدبلوماسي الهندي المخضرم، السفير الهندي السابق لدى باكستان، جي بارتهاسارتهي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الهند تشارك قلق أميركا إزاء أفغانستان، لكن هذا لا يعني أنها ستكون شريكاً لها في كل ما تفعله هناك"، مشيراً إلى أن "جميع الجهود التي تبذلها الهند في أفغانستان هي من طبيعة تنموية وفي إطار تعاون ثنائي مباشر بين نيودلهي وكابول". ويلفت إلى أنه "هنالك تعاون بين الهند وأفغانستان في مجال التدريب العسكري، وليس من ناحية حشد القوات الهندية على أراضي أفغانستان، والمعدات العسكرية الهندية التي تصل إلى القوات المسلّحة الأفغانية أقل بكثير مما تطلبه كابول".

ويضيف بارتهاسارتهي أنه "قبل اختطاف طائرة هندية في عام 1999 من قبل حركة المجاهدين الأفغان، لم تكن هنالك علاقة عدائية بين الهند وحركة طالبان. لكن الدور الذي أدته الحركة في إطلاق سراح المحتجزين، أثارت شكوكاً في أذهان الهنود عن علاقتها بهذا الحادث". وكانت هذه بداية الهجمات على الهنود واستهداف المصالح الهندية في أفغانستان من "طالبان" التي لا تعتبرها الهند مجموعة مستقلة، بل "آلة تستغلها باكستان ضد المصالح الهندية في أفغانستان"، بحسب الأدبيات الهندية الرسمية.



بدوره، قال الممثل الدائم السابق للهند لدى الأمم المتحدة، تي بي سيرنيواسان، لـ"العربي الجديد"، إن "الولايات المتحدة أشادت بالدور الإيجابي الذي تؤديه الهند في أفغانستان. وهي تريد من الهند أن تؤدي دوراً أكبر مما تؤديه الآن". لكنه يجزم بأن "الهند لن تشارك في أي عملية عسكرية في أفغانستان"، لافتاً إلى أنه "في الماضي أرادت الولايات المتحدة من الهند أن تشارك قواتها المسلحة في العمليات في العراق، لكننا رفضنا هذه الفكرة".

وحول صراع النفوذ في أفغانستان ومحاولة الصين الدخول فيها، يوضح سيرنيواسان أن "الفراغ الذي كان متوقعاً بسبب قرار إدارة (الرئيس السابق) باراك أوباما سحب القوات الأميركية، حاولت الصين ملئه، لكن تغيّر الموقف الأميركي مع ترامب أحبط إرادة الصين. مع ذلك فإن بكين قد تعود في الصراع بمساعدة باكستان التي تشهد توتراً جديداً في علاقتها مع الولايات المتحدة"، وفق تعبير الدبلوماسي الهندي.

بدوره، يشير الباحث الاستراتيجي في مؤسسة "أوبزرفر للأبحاث الهندية" بوشان داس، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "واشنطن لا تدرك حدود الهند في تعاملها مع أفغانستان والوضع الذي تتجنّب فيه رد فعل باكستان، فحين تبرز الهند كمنافسة لباكستان، كما تريد إدارة ترامب، فإن هذا الأمر محفوف بالمخاطر".

وبدعمها المادي بقيمة ملياري دولار، أصبحت الهند من أكبر دول العالم في حجم المساعدات لأفغانستان. وخُصّص هذا المبلغ في مرحلة أولى للعمل التنموي، وقد بدأت المفاوضات بين البلدين للمرحلة الثانية من التعاون. وأبدت الهند استعدادها لمنح مبلغ مليار دولار إضافي للمرحلة المقبلة لبناء أفغانستان.

وسبق أن عُقد منتصف الشهر الحالي، الاجتماع الثاني لمجلس الشراكة الاستراتيجي بين الهند وأفغانستان في نيودلهي، وشاركت فيه وزيرة الشؤون الخارجية الهندية سوشما سوراج، ووزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني. وجاء في البيان الختامي للاجتماع: "نحن معاً في المحاولات للتغلب على التحديات التي يشكلها الإرهاب العابر للحدود"، من دون ذكر أي بند بالنسبة لإمكانية حضور الهند عسكرياً في الأراضي الأفغانية.



كما تمّ الاتفاق في الاجتماع على تنفيذ 116 مشروعاً تنموياً جديداً للبنية التحتية في 31 إقليماً أفغانياً، منها بناء سد شاتوت، ومشروع إيصال مياه الشرب لكابول، والإسكان بكلفة منخفضة لإعادة اللاجئين، وتشييد شبكة مياه في مدينة تشاريكار، وبناء مستشفيات في مدينة مزار شريف وغيرها. وتم التأكيد في الاجتماع على أن "البلدين سيركزان على بناء مؤسسات الحكم والديمقراطية، وتجهيز الموارد البشرية وتنمية المهارات، بما فيها مجالات مثل التعليم والصحة والزراعة والطاقة وإدارة الموارد وتكنولوجيا الحكم".

ومنذ تولّي ناريندار مودي الحكم رئيساً للوزراء في الهند عام 2014، زار أفغانستان ثلاث مرات. كما زار الرئيس الأفغاني أشرف غني الهند أيضاً في عدد من المناسبات. وحسب اتفاق الشراكة الاستراتيجية الموقع عام 2011، قدمت الهند تدريباً للقوات الأفغانية، كما قدّمت أخيراً أربع مروحيات حربية إلى أفغانستان، وشيّدت مبنى البرلمان الأفغاني، وميناء تشابهار، وشبكات طرق خاصة من هيرات إلى الحدود الإيرانية ـ الأفغانية. كما درّبت الموظفين المدنيين والعسكريين الأفغان، وطوّرت البنية التحتية للكهرباء والاتصالات في أفغانستان.

وبين الهند وأفغانستان علاقات تاريخية، وتربطهما 106 كيلومترات من الحدود المشتركة، ولنيودلهي أربع قنصليات في هيرات وقندهار وجلال آباد ومزار شريف، بالإضافة إلى سفارتها في كابول، التي تم استهدافها باعتداءات تبنت "شبكة حقاني" العدد الأكبر منها. وأفغانستان هي بوابة الهند على آسيا الوسطى الغنية بمصادر الطاقة الهامة جداً للنمو الاقتصادي الهندي. لذلك بدأ العمل على بناء خط للغاز من تركمانستان إلى الهند عن طريق أفغانستان وباكستان ومن المقرر تشغيله بدءاً من نهاية عام 2019. ولهذا السبب لم يعجب إعلان أوباما سحب القوات الأميركية من أفغانستان، الهند، التي رحّبت بإعلان ترامب حشد قواته من جديد في هذا البلد، لحاجتها إلى بيئة آمنة في أفغانستان حفاظاً على المشاريع الاقتصادية.