التيار المدني في العراق: مشروع دولة مدنية يواجه الاغتيال

13 مارس 2017
خرج الآلاف بتظاهرات ضد الفساد عام 2015(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من تعرضه لشتى أنواع القمع والتنكيل، خلال السنوات الماضية، إلا أن التيار المدني في العراق لا يزال مصراً على أهدافه التي تدعو إلى استبدال النظام الطائفي الحالي بدولة مدنية، في ظل تشديده على أن السلام لن يتم بوجود الطبقة الحاكمة الحالية، مع تخوّف بعض قيادييه من تصاعد عمليات الاستهداف بحقه لأنه يملك البديل. ويمثّل التيار المدني العراقي تجمّعاً لجهات سياسية تعمل لتأسيس الدولة المدنية، وتضم شريحة واسعة من الكُتّاب والمثقفين والأدباء والصحافيين وأساتذة الجامعات. وبرز اسم التيار المدني العراقي أخيراً، بشكل لافت، خصوصاً في مطالب الإصلاح التي انطلقت في صيف عام 2015، بعدما رفع التيار شعار الدولة المدنية في العراق، وقاد حراكاً واسعاً تمكّن من خلاله من استقطاب عشرات الآلاف من العراقيين الذين نزلوا إلى ساحات التظاهر والاعتصام للمطالبة بالإصلاح وإقصاء الوجوه الحالية التي تمثّل نظام المحاصصة والخطاب الطائفي في البلاد. ومر التيار بمحطات عدة بدأت باشتراك رمزي في الحكومات السابقة، وتخللتها معارضة علنية لحكومتي حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، كما تعرض عدد من رموزه للتصفية والاعتقال.


مشاركة وقمع

تبلور التيار المدني العراقي بشكله الحالي بعد عام 2004 من خلال تنظيم نفسه بقيادة الحزب الشيوعي العراقي وأحزاب مدنية أخرى للاشتراك في العملية السياسية الناشئة. وحصل التيار على وزارة واحدة في الحكومة العراقية المؤقتة التي تشكّلت عام 2004، وهي وزارة الثقافة التي تولاها القيادي في الحزب الشيوعي، مفيد الجزائري، قبل أن يتولى سكرتير الحزب الشيوعي الحالي، رائد فهمي، وزارة العلوم عام 2006. ولم يكن التيار المدني في العراق بمنأى عن الحراك الشعبي الواسع الذي شهدته دول خلال الربيع العربي، وخرجت قيادات التيار وجماهيره بتظاهرات واسعة نهاية عام 2011 تطالب برحيل رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وأطلقت شعارات لاقت رواجاً شعبياً مثل "كذاب نوري المالكي، الهالكي، والدكتاتور".

ويقول الناشط المدني، مؤيد العمار، إن مرحلة التظاهر ضد الظلم والطغيان والفساد في عهد المالكي كانت من أشد المراحل قسوة في تاريخ التيار المدني، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد" تعرض ناشطي التظاهرات إلى حملات تصفية واغتيال غير مسبوقة. ويضيف: "على الرغم من القمع والتنكيل اللذين تعرضت لهما الجماهير التي تظاهرت ضد فساد وظلم حكومة المالكي، إلا أنها لم تتوقف وواصلت نشاطها وإن كان بأعداد أقل"، مشيراً إلى أن المالكي "استخدم الطائرات وقوات خاصة مرتبطة به لكبح جماح التظاهرات التي انتشرت في مناطق مختلفة من البلاد".

ويوضح العمار، أن التظاهرات لم تكن سياسية عند انطلاقتها، بل اعتمدت على جماهير واسعة نظمت مواعيد احتجاجاتها واعتصاماتها من خلال مواقع التوصل الاجتماعي، مذكّراً بتعرض قادة التظاهرات من المدنيين "إلى حملات تنكيل وصلت إلى حد التصفية، كما حصل مع الناشط المدني هادي المهدي الذي اغتيل على يد عصابات حكومية تابعة للمالكي". يُذكر أن هادي المهدي هو مسرحي عراقي كان معارضاً لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وبعد احتلال العراق عام 2003 عاد وانضم إلى جموع التيار المدني المطالبة بالإصلاح، وأصبح أحد قادة الحراك الجماهيري ضد المالكي، وتعرض للاعتقال من القوات العراقية أكثر من مرة، قام على إثرها بتقديم دعوى قضائية ضد المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة، قبل أن تعثر عليه القوات العراقية نهاية عام 2011 مقتولاً في شقته. ولا تزال هوية القاتل مجهولة، لكن زملاءه اتهموا المالكي بشكل مباشر بتدبير عملية الاغتيال.


دخول البرلمان
بعد أن واجه التيار المدني ضغوطاً كبيرة من جماهيره المُطالبة بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد، بسبب هيمنة الأحزاب الإسلامية المرتبطة بإيران على دفة الحكم، قرر التيار قيادة حراك سياسي واسع بدأ عام 2012 تحضيراً لانتخابات مجالس المحافظات التي أجريت عام 2013. وتلا ذلك مشاركته المثيرة للجدل في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2014، وتمكّن خلالها مرشحان عن التيار من الوصول إلى البرلمان، هم فائق الشيخ علي، وشروق العبايجي، فيما لم يتمكّن القيادي في التيار، جاسم الحلفي، من الحصول على عضوية مجلس النواب العراقي على الرغم من حصوله على 17 ألف صوت في الانتخابات، وهذا الرقم يفوق الأصوات التي حصل عليها بعض مرشحي "ائتلاف دولة القانون" بزعامة المالكي بنحو 8 أضعاف، الأمر الذي دفع بعض الناشطين المدنيين إلى اتهام مفوضية الانتخابات بالتزوير، وتقديم طعون انتخابية بسبب عدم فوزه، مشيرين إلى أن الأصوات التي حصل عليها الحلفي تفوق أصوات رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس البرلمان مجتمعة.

تظاهرات الإصلاح
لم تنجح الحملات القمعية المتكررة في إسكات صوت التيار المدني، الذي نظّم نفسه مجدداً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ليخرج بتظاهرات واسعة نهاية عام 2015 للمطالبة بإصلاح الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان)، ما دفع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إلى إطلاق حزم إصلاحية تضمنت إلغاء بعض المناصب المهمة، وإجراء تقليص في الدرجات الخاصة، وإطلاق وعود بتشكيل حكومة تكنوقراط.
لكن مجرى التظاهرات تغيّر بعد دخول مسلحين بين صفوف المتظاهرين بهدف إثارة الفوضى، ما منح القوات العراقية الذرائع الكافية لتفريقها، وبالفعل بدأ عدد المتظاهرين بالتناقص، قبل أن يدعو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره للنزول إلى الشوارع والتظاهر إلى جانب التيار المدني.
وينتقد عضو التيار المدني، فراس علو، "الإجراءات التعسفية للقوات العراقية ضد الناشطين المدنيين"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "المحتجين تعرضوا لأسوأ حملات التنكيل". ويشير إلى "مقتل متظاهرين من التيار المدني في البصرة عام 2015 على يد القوات الأمنية، فضلاً عن قيام سيارات حكومية باختطاف الناشط المدني جلال الشحماني وسط بغداد"، لافتاً إلى أن "آخر الجرائم التي ترتُكب بحق التيار المدني تتمثل في عملية اختطاف الناشطة المدنية والصحافية أفراح شوقي من منزلها وسط بغداد ". يُذكر أن الإعلامي العراقي والناشط المدني، أحمد عبد الحسين، دعا إلى وقفة غضب كل يوم جمعة، احتجاجاً على اختطاف شوقي، وإلى رفع شعار "ما لم يكن المواطن العراقي الأعزل آمناً في بيته، فلن يكون أحد من السياسيين آمناً في حصن المنطقة الخضراء".

من جهته، يعتبر عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، القيادي في التيار المدني، جاسم الحلفي، أن الدولة المدنية التي يدعو التيار المدني لتأسيسها أصبحت قضية رأي عام، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد" أن تياره "يمتلك القدرة على طرح البديل للنظام الطائفي الذي أنتج الأزمات التي زعزعت استقرار البلاد". ويشير إلى أن التيار المدني بدأ بإنشاء أوسع تنسيق للقوى المدنية بمختلف توجّهاتها من أجل تعديل بنية العملية السياسية، وبنائها على أساس المواطنة، للخروج من الأزمات السياسية المستفحلة، معتبراً أنه "لا يمكن أن يكون هناك سلام في العراق بوجود الطبقة الحاكمة الحالية"، مرجّحاً "تصاعد العمليات التي تستهدف رموز التيار المدني، لأنهم يحملون منهجاً واضحاً وتياراً متحضراً وبديلاً مناسباً، له امتداد شعبي واسع تمكّن من استقطاب فئات كادحة من المجتمع".

المساهمون