صراعات عدن تعزز مطالب استقلالية حضرموت

04 مارس 2018
تحاول حضرموت النجاة بنفسها في محيط ملتهب (فرانس برس)
+ الخط -
مع كل جولة صراع في مدينة عدن، منذ تحريرها من الحوثيين في يونيو/حزيران 2015، تتعزز مطالب الاستقلالية في محافظة حضرموت شرقي اليمن، في ظل تآكل الدولة، وتراجع دور الحكومة في الإمساك بزمام الأمور في المحافظات المحررة. وتحاول حضرموت النجاة بنفسها في محيط ملتهب، مع بروز آراء ترى أنه حان الوقت لتتخلص المحافظة من تبعية صنعاء، التي باتت تحت سيطرة مليشيا الحوثي، وعدن التي أصبحت محور صراع إقليمي، وملعباً لتصفية حسابات داخلية وخارجية. وحضرموت، التي تتجاوز مساحتها 188 ألف كيلومتر مربع، تشكّل رقماً صعباً في المعادلة اليمنية، نظراً لمكانتها الاقتصادية، باعتبارها أكبر محافظة نفطية، فضلاً عن الموقع الجغرافي الذي ترتبط فيه بشريط حدودي واسع مع السعودية، مع وجود موانئ بحرية وبرية، إلى جانب تأثيرها وثقلها السياسي، الأمر الذي يجعلها محط اهتمام مختلف التيارات والحركات السياسية في البلاد. تاريخياً، لم تكن حضرموت منضوية في إطار "اتحاد الجنوب العربي" أثناء الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، بل ارتبطت مباشرة بمندوب بريطاني كان يشرف عليها بحسب ضوابط محددة، مع امتلاكها جواز سفر خاصا وجيشا يطلق عليه "جيش البادية الحضرمي"، قبل ضمها عنوة من قبل الجبهة القومية، التي سيطرت على المشهد السياسي والعسكري بعد تحرير جنوب اليمن من الاحتلال البريطاني في العام 1967، تمهيداً لقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي انتهت مع قيام الوحدة بين جنوب اليمن وشماله.

وبدأت الأصوات المطالبة بقيام دولة حضرموت، أو بتقرير مصيرها، في الظهور إلى العلن، بعد ثورة فبراير/شباط 2011، التي ارتفع معها سقف الحريات. وبرزت منذ ذلك الحين ما يسمى بـ"العصبة الحضرمية"، وهي حركة سياسية تسعى لتقرير مصير حضرموت، وترى أن لها هوية مختلفة عن بقية مناطق البلاد. وبالرغم من أن الحركة افتقدت منذ انطلاقها للزخم الجماهيري، إلا أن مطالبها بدأت أخيراً تتسلل كقناعات إلى قطاع واسع من أبناء حضرموت ونخبها، بعد تدهور الوضع في عدن أمنياً ودخولها في جولات صراع لا تكاد تنتهي، مع محاولات "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، تقويض الدولة، وهي عوامل يراها الكثير من أبناء حضرموت حاجزاً أمام تحقيق مخرجات الحوار الوطني الذي أقر التحول إلى دولة فيدرالية من ستة أقاليم، من بينها إقليم حضرموت، والذي يعد مطلباً مقبولاً لدى كثير من الحضارمة، ولو في حده الأدنى، في طريق التخلص من مركزية صنعاء وعدن.

في الإجمال، نتج عن الأزمات المتلاحقة منذ 2011 في كثير من المحافظات شعور عام في محافظة حضرموت بأن للمحافظة الحق في أن تخط طريقها بعيداً عن المركزية. شعور يتكئ غالباً على الحديث عن الهوية الخاصة، إلى جانب المقومات الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن استدعاء التاريخ والخوض في جدلية هل حضرموت تاريخياً جزء من اليمن؟ وجاء هاشتاغ #حضرموت_تطالب_بتقرير_المصير، الذي أطلقه نشطاء من المحافظة قبل أيام، ووصل قائمة الوسوم الأكثر تداولاً في البلد، ليؤكد أن مطلب استقلالية حضرموت في طريقه للتحول إلى ظاهرة، وذلك بعد أن حظي الحراك الإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي بتفاعل غير مسبوق من الناشطين والنخب في الداخل والمهجر، ومثل فرصة للبعض للتذكير بتاريخ المحافظة وجيشها القديم وصورة جواز سفرها، في مشهد يفصح عن حنين للعهد القديم.

لكن في المقابل، أثار الصوت القادم من حضرموت، أرض العسل الدوعني الشهير وناطحات السحاب الطينية، حفيظة قيادات ومناصري "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذين ردوا بحملة إعلامية مضادة تحت عنوان "حضرموت تطالب برحيل المحتل اليمني"، في إشارة إلى قوات المنطقة العسكرية الأولى التي تنتشر في وادي حضرموت، وتضم أفراداً معظمهم من محافظات الشمال، مع توجيه التهم إلى حزب الإصلاح وقوى شمالية بالوقوف خلف مطلب تقرير مصير حضرموت. وفي هذا السياق، لم يخف نائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، هاني بن بريك، مخاوفه من ارتفاع مطالب حضرموت وتأثيرها على مطلب الانفصال، بالنظر إلى مكانة المحافظة، سياسياً واقتصادياً. وقال، في تغريدة على حسابه على "تويتر"، إن "حضرموت حزام الجنوب ودرعه الحصين". وعاد للتذكير بأن وفد محافظة حضرموت في كل فعاليات الجنوب هو الأكبر، ومنها الفعاليات الأخيرة المليونية المؤيدة لـ"المجلس الانتقالي".

من جهة أخرى، يرى المطالبون باستقلالية حضرموت أن وجود قوات "النخبة الحضرمية" في مدن ساحل المحافظة، يعد خطوة أولى على طريق تحقيق الاستقلالية، في انتظار الإمساك ببقية الملفات. ومع مساعي أطراف إقليمية لبسط نفوذها في حضرموت، وصراع القوى السياسية المحلية لكسب ودها، يبدو أن المحافظة الغنية بالنفط، التي نجت من الحرب، في طريقها للتحول إلى ساحة تنافس محمومة بين أطراف محلية ودولية. وبعيداً عن السجال الذي يحتدم غالباً عند الحديث عن مستقبل حضرموت ووضعيتها في أي صيغة سياسية مقبلة، يرى سياسيون أن الصوت، الذي ارتفع خلال الأيام الماضية، يعد حالة جديدة لها ما بعدها، على الأقل في إطار الضغط الشعبي للفكاك من تبعية صنعاء وعدن.

وفي هذا السياق، يقول الإعلامي والصحافي، أيمن باحميد، إن أبناء حضرموت عبروا عن ذاتهم تحت هاشتاغ #حضرموت_تطالب_بتقرير_المصير، فغالبيتهم لا يرون حضرموت جزءاً من مشاريع الجنوب أو الشمال، وبعضهم لا يريدها كذلك. ويضيف باحميد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التفاعل الكبير من أبناء حضرموت، في الداخل والخارج، يضع نخبهم في الواجهة، ويعيد الحديث عن مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع، وأين وصلنا في تنفيذ مخرجاته، وما تضمنته من مطالبات وخارطة طريق احترمها الجميع. ويتابع "لا نحتاج أن نبدأ من الصفر في كل مرّة ونشتت الجهود، فالبناء على الأسس السليمة السابقة سيعجّل بتحقيق المراد، فهناك شبه إجماع على "مشروع حضرموت" مع تباين في الآراء، وهو أمر طبيعي، وهذا يعني أن القاعدة الجماهيرية ستتفاعل بالإيجاب على أرض الواقع، كما فعلت على صفحات التواصل الاجتماعي، والذي يعتبر مؤشّراً جيّداً لا نبالغ ولا نستهين به. ويدعو باحميد إلى توحيد الجهد والمزاحمة على الواقع من دون ضرر، مشيراً إلى أن الانطلاقة الصحيحة تتطلب العقلانية والابتعاد عن الشطط والتعصّب. فالحساسية، وفقا لباحميد، "تكون شديدة عند الحديث عن منطقة جغرافية أو محافظة بذاتها في ظل الوضع الذي تشهده البلاد عموماً، وهو مستفز للكثير وباعث لعداوة البعض إذا لم يتم إبرازه كأنموذج يسعى الحضارمة لإقامته ويكونون أصحابه، لكنه يتسع، في الوقت ذاته، للجميع".

من جهته، يرى الناشط السياسي، جمعان بن سعد، أن خوف أبناء حضرموت من الصراع القديم الجديد في عدن، والذي عانت منه حضرموت خصوصاً، في مقابل استقرار نسبي تمر به المحافظة الآن، هو ما دفعهم للمطالبة بتقرير مصيرهم والمطالبة بكيان منفصل بعيداً عن مشكلات صنعاء وعدن. ويوضح بن سعد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الصراع المناطقي بين محافظتي الضالع، التي تقف خلف "المجلس الانتقالي"، وأبين الموالية للشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، أصبح حاضراً اليوم بعدن، الأمر الذي يجعل مطالب حضرموت محقة. ويلفت إلى أن الحملة الإعلامية، التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "حضرموت تطالب بتقرير مصيرها"، ومدى التفاعل معها، دليل على أن هناك رغبة تتنامى لدى الحضارمة للحفاظ على خصوصيتهم ومكتسباتهم، مشيراً إلى أن هذه الحملة ستحرك المياه الراكدة ويكون لها ما بعدها بانتظار ظروف مؤاتية تسهم في تحقيق مطالبها.

المساهمون