وجاء الهجوم الذي شنه فصيل "أنصار التوحيد" المنشق عن فصيل "جند الأقصى" المتشدّد، فجر أمس الأحد، على مواقع عدة لقوات النظام السوري على محور المصاصنة بريف حماة الشمالي وأدى إلى مقتل عدد من هذه القوات، بينهم ضباط، كذريعة إضافية يمكن أن يستخدمها النظام وروسيا للضغط من أجل تنفيذ عملية عسكرية في المنطقة. علماً أنّ قوات النظام ومليشيات تابعة له، تقوم منذ شهر بقصف مكثّف على بلدات وقرى في ريف إدلب الجنوبي، متسببةً بمقتل وإصابة المئات وتشريد نحو 100 ألف مدني.
وقالت شبكات إخبارية موالية للنظام السوري، منها "شبكة أخبار حماة"، إنّ 18 عنصراً قتلوا وأصيب 12 آخرون جراء هجوم "أنصار التوحيد"، فيما قال الفصيل إنّ هجومه، الذي استهدف قوات النظام في قرية المصاصنة وخربة المصاصة، أسفر عن مقتل جميع من كانوا في هذه المواقع من ضباط وعناصر. كما أعلن الفصيل أسر عنصر واحد.
من جهتها، قالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنّ مجموعة من كتيبة "أنصار التوحيد" شنّت هجوماً على حاجز لقوات النظام في محيط قرية المصاصنة، فاندلعت اشتباكات بالأسلحة الفردية، ما أسفر عن قتلى وجرحى من الطرفين.
وتأتي هذه التطورات في وقت تواصل روسيا الضغط السياسي على تركيا تحديداً من أجل أن تغضّ الأخيرة الطرف عن عمل عسكري محدود يستهدف السيطرة على المنطقة منزوعة السلاح الثقيل التي أنشئت وفق اتفاق سوتشي بين أنقرة وموسكو الذي أبرم في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. وتتذرّع موسكو بشكل دائم بوجود "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) في محافظة إدلب ومحيطها من أجل تسخين الموقف ودفعه إلى التأزيم لتبرير شنّ هجوم عسكري من قبل قوات النظام، في الوقت الذي لم تلتزم موسكو بما رتّبه عليها اتفاق سوتشي من وضع حدّ لتجاوزات قوات النظام.
وفي هذا الإطار، كرّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، القول إنّ بنود الاتفاق الذي توصّلت إليه روسيا وتركيا حول إدلب، لم تنفّذ بشكل كامل بعد.
وقال لافروف، في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الكويتية "كونا" ونشرتها أمس الأحد وسائل إعلام روسية، "نحثّ شركاءنا الأتراك على الوفاء بالتزاماتهم بموجب مذكرة استقرار الوضع في منطقة وقف التصعيد في إدلب التي تمّ توقيعها في 17 سبتمبر 2018"، مؤكداً "أهمية الحيلولة دون تعزيز الوجود الإرهابي تحت ستار وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه مع تركيا". وأضاف لافروف أنّ "بنود الاتفاق التي تنصّ على إعلان إدلب منطقة منزوعة السلاح، وسحب جميع العناصر الراديكالية والأسلحة الثقيلة منها، لم تنفذ بالكامل حتى الآن".
وشدّد الوزير الروسي على أنّ صيغة مسار أستانة أثبتت فاعليتها، وقال: "نتيجة للقرارات التي تبنتها الاجتماعات الدولية حول سورية في أستانة، تمّ إعلان مناطق وقف التصعيد في البلاد، وانخفض مستوى العنف بشكل ملموس، وتهيّأت الظروف لعودة اللاجئين والنازحين". وتابع "وبناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي الذي عقد بمبادرة ثلاثي أستانة أيضاً، انطلقت العملية السياسية بين السوريين"، مشيراً إلى أنّ "روسيا تواصل العمل بنشاط مع شركائها الإيرانيين والأتراك لتنفيذ مقررات مؤتمر سوتشي".
في المقابل، يبدو أنّ أنقرة تصبّ اهتمامها أكثر على منطقة منبج وشرقي الفرات، إذ أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، أنّ جيش بلاده على استعداد تام للعملية العسكرية في منبج وشرقي الفرات في سورية، مؤكداً أنّه بانتظار أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبدء العملية. ويبدو أنّ موسكو تبحث عن تسهيلات تركية في شمال غربي سورية من الجانب التركي، مقابل تسهيلات مماثلة، خصوصاً في منطقة منبج التي لا تزال محلّ جدل واسع، حيث يريد الأتراك السيطرة عليها للقضاء على أي خطر كردي في غربي الفرات.
ولا يزال الشمال الغربي السوري محكوماً باتفاق سوتشي، والذي تمّ بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تتراوح بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ولكن النظام يحاول تقويض هذا الاتفاق من أجل اندفاع قواته شمالاً للسيطرة على ريف حماة الشمالي وأجزاء من ريفي إدلب الجنوبي والغربي.
وفي سياق الضغط على المعارضة السورية قبيل العمل العسكري، يواصل النظام شنّ حرب نفسية وإعلامية، والحديث عن استقدام حشود عسكرية كبرى إلى مناطق التماس مع قوات المعارضة السورية، محاولاً تسويق أنباء تؤكّد الوقائع الميدانية بطلانها.
وفي السياق، قالت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الأحد، إنّ "ضباط نقاط المراقبة العسكرية التركية أبلغوا قيادات في جبهة النصرة أنّ الجيش (قوات النظام) جاد في تنفيذ عمليته العسكرية لاستئصال النصرة والتنظيمات الإرهابية من المنطقة منزوعة السلاح". وذهبت الصحيفة أبعد من ذلك بزعمها أنّ السيطرة على هذه المنطقة "مرحلة أولى"، مشيرةً إلى أنّ قوات النظام "استقدمت حشوداً عسكرية ضخمة إلى حدود المنطقة".
وتابعت "الوطن" بالقول إنّ "التصريحات الروسية في الآونة الأخيرة تنبئ بأنّ موسكو لم تعد تأمل في التزام أنقرة بوعودها وعهودها الخاصة بالمنطقة منزوعة السلاح، ولذلك لا يوجد خيار سوى اللجوء إلى الميدان لتطبيق بنود الاتفاق". كما زعمت أنّ نقاط المراقبة التركية "ستنسحب مع بدء قوات النظام عمليتها العسكرية للحيلولة دون الاصطدام معها".
وتنشر تركيا في محيط إدلب ثلاث عشرة نقطة مراقبة على امتداد أرياف حلب وحماة واللاذقية في مناطق سيطرة المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام"، وتقابلها نقاط مراقبة روسية في مناطق سيطرة النظام السوري.
ومن الواضح أنّ المعارضة السورية مستعدة لكل الاحتمالات، إذ تضع في حساباتها انهيار التفاهم التركي الروسي في شمال غربي سورية، ما يعني تجدّد المواجهة العسكرية في المنطقة التي باتت المعقل البارز لهذه المعارضة التي يؤكد قادتها أنّ فصائلها جاهزة للردّ على أي تحرّك على الأرض من قبل قوات النظام السوري.
وفي هذا الإطار، أشار قيادي بارز في "الجيش السوري الحر"، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّ "احتمالية شنّ هجوم من قبل النظام والمليشيات الإيرانية والروس على الشمال السوري المحرر واردة في أي لحظة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الفصائل على مختلف انتماءاتها انتقلت إلى طريقة العمليات النوعية كما حصل اليوم (أمس الأحد)، لأن الاتفاقيات الدولية حدّت من حرية حركتها".
من جانبه، أكّد المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، أكبر تجمع عسكري للمعارضة في شمال غربي سورية، النقيب ناجي مصطفى، أنّ المعارضة تتوقّع أن يشنّ النظام هجوماً "ونحن على استعداد تام وجاهزية كاملة للردّ". وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنّ "قوات النظام لم تلتزم باتفاق سوتشي، وواصلت ارتكاب المجازر بحقّ المدنيين في ريفي حماة وإدلب".
إلى ذلك، يتّهم مراقبون "هيئة تحرير الشام"، ومجموعات تدور في فلكها، بتهيئة الأجواء وتمهيد الطريق أمام قوات النظام لشنّ هجوم واسع النطاق من خلال القيام بعمليات محدودة لا تحدث فرقاً في الموقف العسكري، بل تعطي الروس ذريعة لتجاوز اتفاق سوتشي الذي وضع على كاهل الجانب التركي مسؤولية التعامل مع ملف التنظيمات المتشددة. ولكن مصدراً في "الجيش السوري الحر"، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الروس والإيرانيين لا يجدون أمامهم إلا الهيئة للتذرع في شنّ أعمال عسكرية غايتها الأساسية القضاء على فصائل المعارضة السورية". وأعرب المصدر عن اعتقاده بأنّ "النظام وحلفاءه أكبر المستفيدين من وجود الهيئة"، مشيراً إلى أنها "كانت وستظلّ المدخل لسحق فصائل المعارضة".