تحوّلت منطقة شرقي الفرات السورية، إلى ساحة صراع مفتوح على كل الاحتمالات، إذ اجتمعت مصالح المتنافسين على سورية في هذه المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي الفريد، ما أعطاها أهمية استثنائية، فضلاً عن كونها غنية بالثروات، لتصبح ميدان مصالح متنافرة، بل متضاربة، ومسرح تصفية حسابات إقليمية ودولية، من المتوقع أن تتصاعد في الفترة المقبلة، وربما تصل إلى مرحلة الصدام العسكري.
المنطقة التي تشكل أكثر من ربع مساحة سورية، وتسيطر عليها بشكل شبه كامل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكّل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، باتت اليوم منطقة نفوذ كبير للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي تخطط لبقاء طويل الأمد شرقي نهر الفرات، وبنت لهذه الغاية عدة قواعد عسكرية في أرياف حلب والرقة والحسكة ودير الزور. كما أنها لا تزال تعمل من خلال دعم سياسي وعسكري واقتصادي، على تثبيت وجود الوحدات الكردية في المنطقة، على الرغم من استياء تركيا التي تعتبر الوحدات نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني" المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية.
وتدعم الولايات المتحدة منذ عام 2014 الوحدات الكردية، وهي الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، حتى باتت تسيطر تحت غطاء "قوات سورية الديمقراطية" على شرقي الفرات وأجزاء من غربي النهر، فيما لا يزال النظام يحتفظ بمربعين أمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، وأجزاء من ريف المحافظة. وتُعد منطقة شرق الفرات "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية، وهو ما جعل الولايات المتحدة تضع يدها عليها، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي الذي يمكّن واشنطن من الاقتراب أكثر من أغلب دول الشرق الأوسط، خصوصاً تركيا والعراق وإيران والخليج العربي، وتأمين حماية إضافية لإسرائيل.
وباتت قوات "قسد" الذراع البري لواشنطن في المنطقة، وهو ما سمح للوحدات الكردية بالسعي الحثيث على مدى سنوات وراء تحقيق حلم كردي في إنشاء إقليم ذي صبغة كردية في المنطقة التي تضم غالبية الأكراد السوريين، خصوصاً في محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية، وفي منطقة عين العرب شمال شرقي حلب. أي أن الوحدات الكردية تولي المنطقة أهمية مطلقة، وهي تحاول التأسيس لهذا الإقليم اعتماداً على دعم غربي صريح، وعلى قوة عسكرية ضاربة، اكتسبتها خلال سنوات الحرب السورية الطويلة، مستفيدة من حاجة واشنطن لها، لتصبح القوة العسكرية الثانية في سورية بعد قوات النظام، مع امتلاكها عشرات آلاف المقاتلين من عرب وأكراد وتركمان.
ولكن هناك عدو لهذه الوحدات ينتظر الفرص للفتك بها، وهو الجيش التركي الذي يعتبر إقامة إقليم كردي في سورية مساساً مباشراً بالأمن القومي التركي وخطاً أحمر لن يسمح بتجاوزه مهما كانت النتائج، وهو يتوعد الوحدات الكردية باجتثاثها من منطقة شرقي الفرات وإنهاء خطرها كما فعل في غربي النهر من خلال عمليتي "درع الفرات" التي مكّنت أنقرة من السيطرة على شمال وشمال شرقي حلب، و"غصن الزيتون" التي مكّنتها من السيطرة على منطقة عفرين شمال غربي حلب، ولكن واشنطن تقف حجر عثرة حتى اللحظة أمام الجيش التركي. وتضم شرقي الفرات كامل محافظة الحسكة التي تبلغ مساحتها نحو 33 ألف كيلومتر مربع، وأجزاء من ريف حلب الشمالي الشرقي، وأكثر من نصف مساحة محافظة الرقة، ونصف مساحة محافظة دير الزور.
أما النظام السوري، فيولي منطقة شرقي الفرات أهمية قصوى، فمن دونها لا اقتصاد حقيقياً في سورية، فأغلب ثروات البلاد في المنطقة الزراعية والمائية والسدود الثلاثة الكبرى على نهر الفرات، إضافة إلى الثروتين النفطية والحيوانية، لذا يتحيّن الفرص للعودة مرة أخرى إلى المنطقة، ولكنه لا يملك نقاط قوة كافية في ظل فيتو أميركي حتى اللحظة يحول دون عودته، حتى لو كانت خدماتية. كما أن النظام فَقَد الحاضن الاجتماعي في منطقة شرقي الفرات، نتيجة جرائم قواته وعمليات الانتقام التي تقوم بها في المناطق التي يستعيد السيطرة عليها، وهو لا يزال يتوعد سكان شرقي الفرات في حال عودته التي تبدو غير واردة حالياً، إلى المنطقة.
اقــرأ أيضاً
وتأتي إيران في مقدمة اللاعبين الباحثين عن موطئ قدم ونفوذ في شرقي سورية، وهي بالفعل تتمتع بنفوذ كبير، في جنوب نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي من خلال العديد من المليشيات، التي يبدو أنها تتطلع إلى شمال نهر الفرات حيث الثروة النفطية. ومن الواضح أن الإيرانيين لم يتخلوا عن فكرة إنشاء ممر بري طويل يبدأ في طهران وينتهي في ضاحية بيروت الجنوبية على ساحل المتوسط عبر العراق وسورية، ومن هنا تنبع أهمية شرقي سورية، خصوصاً في دير الزور للجانب الإيراني، الذي يحاول خلق وقائع على الأرض لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مستقبلية.
وقد تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار المواجهة العسكرية غير المباشرة مع إيران في شرقي سورية عبر قوات "قسد" في حال تجاوزت المليشيات الإيرانية الخطوط الحمراء، وعبرت نهر الفرات إلى الضفة الأخرى حيث القواعد الأميركية، التي لا تتساهل مع أي خرق عسكري، وهي كانت قتلت وأصابت في فبراير/شباط الماضي نحو 300 عنصر يعملون لصالح شركة عسكرية روسية خاصة مرتبطة بالكرملين، أثناء محاولتهم مع قوات تابعة للنظام السوري السيطرة على حقل كونيكو للغاز.
كما أن منطقة شرقي الفرات، وشرقي سورية عموماً، مهمان للجانب الروسي في سياق تنافس لم يعد خفياً بين موسكو وواشنطن على النفوذ في سورية. وبنى الروس قواعد لهم في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات مقابل القواعد الأميركية، في دليل على أن الروس لم يكتفوا بنفوذ مطلق في الساحل السوري والبادية مترامية الأطراف. كذلك، هناك تنظيم "داعش"، اللاعب الذي يبدو الحلقة الأضعف في سلسلة المتنافسين، لكنه لا يزال يحتفظ بوجود له في شرقي الفرات، بعدما عجزت "قوات سورية الديمقراطية" عن القضاء عليه على مدى أكثر من شهرين من المعارك. كما أن التنظيم لا يزال نشطاً في الشرق السوري جنوب النهر، أي أنه لا يزال مصدر خطر وقلق لجميع الأطراف باستثناء الأتراك الذين بات التنظيم بعيداً عن حدودهم الجنوبية. ويبدو تنظيم "داعش" هو الأضعف في معادلة القوة، ولكنه الطرف القادر على إفساد أي لعبة في الشرق السوري وفي البادية، بسبب تكتيك "الذئاب المنفردة" التي تضرب وتكمن.
كذلك، بدأت دول عربية في مقدمتها السعودية والإمارات، تولي منطقة شرقي الفرات السورية أهمية كبيرة في الآونة الأخيرة، إذ بات من الواضح أن هناك توجهاً من دول خليجية لتقوية "قوات سورية الديمقراطية" شرقي الفرات لمواجهة الخطر الإيراني في شرقي سورية، في سياق حرب باردة بين هذه الدول وإيران. ومن ضمن أهداف السعوديين والإماراتيين من وراء دعم الوحدات الكردية في شرقي الفرات، تقوية مصدر قلق لأنقرة، التي تعتبر هذه الوحدات منظمة إرهابية. وزار أكثر من وفد سعودي منطقة شرقي الفرات خلال العام الحالي والذي سبقه، ضم ممثلين عن الاستخبارات السعودية وشخصيات رسمية، لعل أهمها زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، أواخر العام الماضي إلى مناطق تقع تحت سيطرة الوحدات الكردية في ريف الرقة الشمالي. وتؤكد مصادر أن الرياض تبرعت بمبلغ 100 مليون دولار من أجل البدء بإعادة إعمار مدينة الرقة التي دمرها طيران التحالف الدولي والسعودية جزء منه، العام الماضي تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش". وحدها المعارضة السورية بقيت خارج "اللعبة" في منطقة شرقي الفرات، إذ لا تملك أي وجود عسكري أو سياسي في الجانب الأهم من الجغرافيا السورية الذي بات ميدان صراع كبير من المتوقع أن تحدد نتائجه مستقبل سورية.
المنطقة التي تشكل أكثر من ربع مساحة سورية، وتسيطر عليها بشكل شبه كامل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكّل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، باتت اليوم منطقة نفوذ كبير للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي تخطط لبقاء طويل الأمد شرقي نهر الفرات، وبنت لهذه الغاية عدة قواعد عسكرية في أرياف حلب والرقة والحسكة ودير الزور. كما أنها لا تزال تعمل من خلال دعم سياسي وعسكري واقتصادي، على تثبيت وجود الوحدات الكردية في المنطقة، على الرغم من استياء تركيا التي تعتبر الوحدات نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني" المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية.
وباتت قوات "قسد" الذراع البري لواشنطن في المنطقة، وهو ما سمح للوحدات الكردية بالسعي الحثيث على مدى سنوات وراء تحقيق حلم كردي في إنشاء إقليم ذي صبغة كردية في المنطقة التي تضم غالبية الأكراد السوريين، خصوصاً في محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية، وفي منطقة عين العرب شمال شرقي حلب. أي أن الوحدات الكردية تولي المنطقة أهمية مطلقة، وهي تحاول التأسيس لهذا الإقليم اعتماداً على دعم غربي صريح، وعلى قوة عسكرية ضاربة، اكتسبتها خلال سنوات الحرب السورية الطويلة، مستفيدة من حاجة واشنطن لها، لتصبح القوة العسكرية الثانية في سورية بعد قوات النظام، مع امتلاكها عشرات آلاف المقاتلين من عرب وأكراد وتركمان.
ولكن هناك عدو لهذه الوحدات ينتظر الفرص للفتك بها، وهو الجيش التركي الذي يعتبر إقامة إقليم كردي في سورية مساساً مباشراً بالأمن القومي التركي وخطاً أحمر لن يسمح بتجاوزه مهما كانت النتائج، وهو يتوعد الوحدات الكردية باجتثاثها من منطقة شرقي الفرات وإنهاء خطرها كما فعل في غربي النهر من خلال عمليتي "درع الفرات" التي مكّنت أنقرة من السيطرة على شمال وشمال شرقي حلب، و"غصن الزيتون" التي مكّنتها من السيطرة على منطقة عفرين شمال غربي حلب، ولكن واشنطن تقف حجر عثرة حتى اللحظة أمام الجيش التركي. وتضم شرقي الفرات كامل محافظة الحسكة التي تبلغ مساحتها نحو 33 ألف كيلومتر مربع، وأجزاء من ريف حلب الشمالي الشرقي، وأكثر من نصف مساحة محافظة الرقة، ونصف مساحة محافظة دير الزور.
أما النظام السوري، فيولي منطقة شرقي الفرات أهمية قصوى، فمن دونها لا اقتصاد حقيقياً في سورية، فأغلب ثروات البلاد في المنطقة الزراعية والمائية والسدود الثلاثة الكبرى على نهر الفرات، إضافة إلى الثروتين النفطية والحيوانية، لذا يتحيّن الفرص للعودة مرة أخرى إلى المنطقة، ولكنه لا يملك نقاط قوة كافية في ظل فيتو أميركي حتى اللحظة يحول دون عودته، حتى لو كانت خدماتية. كما أن النظام فَقَد الحاضن الاجتماعي في منطقة شرقي الفرات، نتيجة جرائم قواته وعمليات الانتقام التي تقوم بها في المناطق التي يستعيد السيطرة عليها، وهو لا يزال يتوعد سكان شرقي الفرات في حال عودته التي تبدو غير واردة حالياً، إلى المنطقة.
وتأتي إيران في مقدمة اللاعبين الباحثين عن موطئ قدم ونفوذ في شرقي سورية، وهي بالفعل تتمتع بنفوذ كبير، في جنوب نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي من خلال العديد من المليشيات، التي يبدو أنها تتطلع إلى شمال نهر الفرات حيث الثروة النفطية. ومن الواضح أن الإيرانيين لم يتخلوا عن فكرة إنشاء ممر بري طويل يبدأ في طهران وينتهي في ضاحية بيروت الجنوبية على ساحل المتوسط عبر العراق وسورية، ومن هنا تنبع أهمية شرقي سورية، خصوصاً في دير الزور للجانب الإيراني، الذي يحاول خلق وقائع على الأرض لا يمكن تجاوزها في أي تسوية مستقبلية.
وقد تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار المواجهة العسكرية غير المباشرة مع إيران في شرقي سورية عبر قوات "قسد" في حال تجاوزت المليشيات الإيرانية الخطوط الحمراء، وعبرت نهر الفرات إلى الضفة الأخرى حيث القواعد الأميركية، التي لا تتساهل مع أي خرق عسكري، وهي كانت قتلت وأصابت في فبراير/شباط الماضي نحو 300 عنصر يعملون لصالح شركة عسكرية روسية خاصة مرتبطة بالكرملين، أثناء محاولتهم مع قوات تابعة للنظام السوري السيطرة على حقل كونيكو للغاز.
كما أن منطقة شرقي الفرات، وشرقي سورية عموماً، مهمان للجانب الروسي في سياق تنافس لم يعد خفياً بين موسكو وواشنطن على النفوذ في سورية. وبنى الروس قواعد لهم في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات مقابل القواعد الأميركية، في دليل على أن الروس لم يكتفوا بنفوذ مطلق في الساحل السوري والبادية مترامية الأطراف. كذلك، هناك تنظيم "داعش"، اللاعب الذي يبدو الحلقة الأضعف في سلسلة المتنافسين، لكنه لا يزال يحتفظ بوجود له في شرقي الفرات، بعدما عجزت "قوات سورية الديمقراطية" عن القضاء عليه على مدى أكثر من شهرين من المعارك. كما أن التنظيم لا يزال نشطاً في الشرق السوري جنوب النهر، أي أنه لا يزال مصدر خطر وقلق لجميع الأطراف باستثناء الأتراك الذين بات التنظيم بعيداً عن حدودهم الجنوبية. ويبدو تنظيم "داعش" هو الأضعف في معادلة القوة، ولكنه الطرف القادر على إفساد أي لعبة في الشرق السوري وفي البادية، بسبب تكتيك "الذئاب المنفردة" التي تضرب وتكمن.