الحراك السياسي في لبنان: أبعد من الانتخابات

12 مارس 2018
"المستقبل": الاستحقاق الانتخابي تكريس للخروج من الانقسام(حسين بيضون)
+ الخط -

تُحاول القوى السياسية في لبنان تحديد هوية وانتماء البلد بعد 74 عاماً على الاستقلال، وقد وجدت مُختلف هذه القوى في الاستحقاق الانتخابي المُتوقع إجراؤه في السادس من مايو/أيار المُقبل فرصة لإعادة طرح رؤيتها السياسية.

تتراوح الرؤى بين التسليم بتحوّل لبنان إلى قاعدة إيرانية مُتقدمة في الشرق الأوسط، ومحاولة ربط النزاع مع حلفاء إيران في لبنان، بانتظار موقف عربي مرتقب مواجه، وبين محاولة إحياء عناوين ثورة الأرز التي انطلقت بعيد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005 وأدت لإنهاء الوصاية السورية في لبنان، ولكن هذه المرة لمواجهة "الاحتلال الإيراني"، وبين رهان القوى القريبة من إيران وتلك المُتحالفة معها، على المسار الإقليمي لتثبيت حضورها السياسي وفرض ما يمكن فرضه من خيارات سياسية على باقي القوى. ومع اقتراب موعد الانتخابات ومعها موعد تشكيل اللوائح الكاملة وغير المُكتملة التي ستخوض الإستحقاق، تتوالى الفعاليات الانتخابية والسياسية، ويعود معها نقاش هوية لبنان.

"جبهة البريستول شبه فارغة"

توالى وصول المدعوين إلى قاعة فندق "بريستول" في منطقة الحمرا في بيروت بعد ظهر أمس الأحد، بعضهم حزبيون سابقون في تحالف القوى التي اجتمعت يوماً في نفس القاعة لإعلان "ثورة الأرز"، وبعضهم الآخر مُستقلّ منذ اليوم الأوّل، ولكنه وجد في قوى 14 آذار ضالته السياسية التي ما لبثت أن ضاعت منه بعد إنهاء الوصاية السورية في لبنان، وسعي مُختلف القوى لعقد تحالفات سياسية واقتصادية بعيداً عن عناوين "الحرية والسيادة والاستقلال".

حضر جمهور "المُبادرة الوطنية" إلى قاعة الفندق لمواجهة "عدوّ" أكبر، بزخم سياسي أقلّ. "نريد مواجهة الاحتلال الإيراني في لبنان"، هكذا أعلن المُنسّق السابق لقوى الرابع عشر من آذار والنائب السابق فارس سعيد خلال افتتاح المؤتمر العام للمُبادرة التي تجمعه مع الأكاديمي رضوان السيد. وقال سعيد إن "الاحتلال الإيراني لا يعني المُسلمين فقط، بل يعني المسيحيين أيضاً، وأنا كماروني عربي لبناني أُعلن رفضي لهذا المشروع في لبنان والمنطقة". أما السيّد فقد تولى إعلان أهداف المُبادرة، وهي "استعادة الأمل والعمل على تحقيق الدولة القوية المُستقة والسيدة والعادلة والديمقراطية، وتأكيد اتفاق اللبنانيين على المُستقبل". ودعا السيد "كل من يريد استتباع وطننا ودولتنا للمليشيات وتحالفات الأقليات" إلى "تأمّل أعمال مليشيات القتل والتهجير والتقسيم والإبادة في سورية والعراق واليمن".

ولم يخل البيان من ذكر أفكار الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهي الشرعيّة الرابعة التي تستند إليها كل القوى السياسية التي تتبنى مُعارضة حلفاء إيران في لبنان، إلى جانب الشرعيات الثلاث الأولى "شرعية الدولة، والشرعية العربية، والشرعية الدولية".

تقول أوساط مُتابعة لعمل المُبادرة لـ"العربي الجديد" إن "المشكلة الأكبر التي تواجه مشروعها هي في الموقف العربي من لبنان، وتحديداً الموقف السعودي الذي تدرّج من وعود بدعم سياسي ومالي لإطلاق المُبادرة، إلى أن انتهى الأمر بحديث المسؤوليين السعوديين من طرف لسانهم مع القائمين على المُبادرة، إثر الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة سعد الحريري إلى المملكة".


تتفاوت تقديرات المُبادرة لهذا التحوّل السعودي بين "انتصار الجناح المؤيد للحريري في الديوان الملكي السعودي على الجناح المُعارض له"، وبين "احتمال أن تكون قيادة المملكة قد قررت الاستفادة من كل الأوراق السياسية لمواجهة "حزب الله" ومن خلفه إيران، ومن بين هذه الأوراق  تلك السياسية، ربط النزاع بين "تيار المستقبل" وبين الحزب والمُبادرة التي اختارت المُواجهة". وقد وضعت المصادر استدعاء السفير السعودي الجديد في لبنان وليد اليعقوب إلى الرياض، وعودة الوزير المُكلّف والقائم بالأعمال السابق وليد البخاري إلى لبنان في إطار التقلبّات السعودية.

وقد خلطت هذه التبدلات أولويات المُبادرة التي اتهمت "مجهولين" بتعطيل إطلاقها في فبراير/شباط الماضي بعد إلغاء إدارة فندق "مونرو" في بيروت لحجز المؤتمر الصحافي الذي دعا إليه سعيد والسيّد دون إبداء أسباب. واليوم تقول المصادر إن المُبادرة "لن تُعلن لوائح انتخابية في أي منطقة، وإن التقت أهدافها مع بعض المُرشحين للانتخابات". وهو ما فسّر حضور عدد قليل من المُرشحين كالمستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية السابق، بشارة خير الله، وآخرين من غير الحزبيين.

أحمد الحريري: الاستحقاق هو 7 أيار الحقيقي الذي سنعيد فيه تأكيد وحدة البلد

وفي موقع غير بعيد عن البريستول، كان "تيار المستقبل" يُعلن أمس الأحد قائمة بمرشحيه للانتخابات النيابية من قاعة "بيال" للمؤتمرات. التقى "العربي الجديد" الأمين العام للتيار أحمد الحريري، الذي تحدّث عن الانتخابات بوصفها "تكريسا لخروج القوى السياسية اللبنانية من الإنقسام العمودي، الذي طرأ إثر مُجريات الربيع العربي ولا سيما في سورية حيث انقسمنا بشكل حاد بين مؤيدين للثورة وبين مؤيدين للنظام". واعتبر أن "الانتخابات ستُكرّس الجو الديمقراطي وعدم قدرة أي طرف على إلغاء الآخر في لبنان"، ولم ينس أن يغمز من تزامن موعد الانتخابات في السادس من مايو/أيار مع الذكرى السنوية الـ11 لأحداث السابع من مايو/أيار 2007 عندما احتل "حزب الله" وحلفاؤه أجزاء واسعة من محافظتي بيروت وجبل لبنان. وقال إن "الاستحقاق هو 7 أيار الحقيقي الذي سنعيد فيه تأكيد وحدة البلد وقوة تيار المستقبل".

وعن الربيع العربي، اعتبر أن "هذا الربيع أصاب في أماكن وأخطأ في أُخرى، ولم يُسهم في الكثير من الأحيان في بناء الدول التي تتمثل فيها كل فئات المُجتمع". لكن الحريري بنى على هذا الربيع للحديث عن "نشوء جيل لبناني جديد نضج خلال الظروف السياسية المُستجدة، وهو يتطلع إلى خوض الاستحقاق الانتخابي الأول منذ عشر سنوات تقريباً بشغف كبير".

كما رأى الأمين العام لـ"المُستقبل" أن "شكل القانون الانتخابي الجديد الذي أقررناه واعتياد اللبنانيين على مبدأ تداول السلطة، أعطيا الاستحقاق المُقبل زخماً أكبر وستحظى مُختلف الأحزاب الكبيرة والصغيرة والمُجتمع المدني بحظوظ تمثيل مُهمة في البرلمان الجديد".

"الكتائب" يُغرّد وحيداً و"سبعة" يُعلن مرشحيه

بدوره، أعلن رئيس "حزب الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميّل، عن البرنامج الانتخابي للحزب الذي وجد نفسه خارج الاصطفافات السياسية وخارج التركيبة السياسية التي أنتجت العهد الرئاسي الجديد، بعد التسوية التي عقدها رئيس الحكومة سعد الحريري، مع رئيس الجمهورية ميشال عون.

وأكد الجميّل خوض الاستحقاق الانتخابي "بلا تراجع"، وقدّم برناماجاً انتخابياً مُطولاً من 131 بندا تُغطيّ مُختلف العناوين السياسية والإنمائية في لبنان من "الإستراتيجية الوطنية الدفاعية، إلى ترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية مع سورية، وكشف مصير المفقودين هناك، واللجوء إلى كل الوسائل الدبلوماسية لاستعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والأراضي اللبنانية كافة، وإقرار قانون انتخاب جديد لمجلس النواب يعتمد النظام الأكثري في الدائرة الفردية، وإنشاء مجلس شيوخ، وتعديل الدستور لتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، وإلغاء الصناديق، وإعادة هيكلة الدين العام، وإلغاء عقوبة الإعدام".

كذلك، أعلن "حزب سبعة"، أمس الأحد، عن 24 مُرشحاً للانتخابات النيابية، خلال حفل تميّز بتنظيم غير تقليدي.