المهمة المستحيلة لـ"اليونيفيل"... والضغط الأميركي ضد "حزب الله"

29 اغسطس 2017
تنسيق بين الجيش اللبناني والقوات الدولية (محمود الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
ينتشر جنود "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (يونيفيل) في بلدات الجنوب اللبناني منذ العام 1978، لتشكيل قوة فصل بين لبنان والقوات الإسرائيلية المنتشرة في شمال فلسطين المحتلة. ومع تزايد حدة الضغوط الأميركية على "حزب الله" سياسياً واقتصادياً، تُحاول الولايات المتحدة توسيع صلاحيات القوة ومنطقة عملها، ضمن مشروع تضييق الخناق على الحزب والحد من عمليات تهريب السلاح من سورية إلى الحزب. وهو ما عبّرت عنه السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، من خلال دعوة أعضاء مجلس الأمن الدولي إلى "الانضمام إلى الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات حقيقية لكي نجعل من اليونيفيل بعثة أقوى لحفظ السلام، وللوقوف ضد قوى الإرهاب في لبنان والمنطقة".

غير أن المشروع الأميركي لتوسيع مهام "اليونيفيل" يلاقي رفضاً قاطعاً من الأمم المتحدة غير الراغبة بحصول اشتباك بين قواتها وبين البيئة الشعبية ــ الحزبية التي تعمل فيها جنوبي لبنان، ومن الدول الرئيسية التي تشارك قواتها في البعثة العسكرية الدولية، تتقدمها فرنسا. وترجم ذلك في جلسة مغلقة، عقدت الأربعاء الماضي في مجلس الأمن، وشهدت رفضاً قاطعاً من فرنسا وروسيا للمشروع الأميركي، عشية تصويت مجلس الأمن نهاية الشهر الحالي على التمديد لمهمة القوات الدولية. وقال أحد الدبلوماسيين المشاركين في الجلسة، التي عقدت الأربعاء والذي رفض الكشف عن هويته، إنه "من الصعب الطلب من جنود حفظ السلام أن يفتشوا منازل أفراد بحثاً عن أسلحة من دون أن يتعرضوا لخطر مواجهات مسلحة. إضافة إلى ذلك، وكما قالت باريس وموسكو، فإن الوضع هادئ في المنطقة بفضل تأثير القوة المؤقتة الذي يعزز الاستقرار". وأكدت مساعدة مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة، آن غيغين، للصحافيين أن باريس "تريد إبقاء هذا التفويض كما هو". وأضافت إن قوة الأمم المتحدة "أثبتت فاعليتها في إحلال الاستقرار في بيئة متقلبة ومعقدة ومضطربة". وتحدث مندوب روسيا، فاسيلي نيبينزيا، مؤكداً أن موسكو "ليس لديها أي سبب يدفع إلى التشكيك في مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان". وكانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة استبقت الاجتماع بالإشارة إلى أن قوة الأمم المتحدة البالغة 10500 جندي "يجب أن تعزز قدراتها والتزامها التحقيق ونقل المعلومات عن تهريب الأسلحة في جنوب لبنان". وأضافت أن "هذه الأسلحة، التي تتركز كلها تقريباً بأيدي إرهابيي حزب الله، تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة".

ويؤكد مصدر سياسي لبناني، متابع لملف العلاقات اللبنانية – الأميركية، لـ"العربي الجديد"، أن "المطالبة المحلية بتوسيع صلاحيات اليونيفيل تأتي رفضاً لوجود أي سلاح غير شرعي داخل لبنان، أو على حدوده الجنوبية أو الشرقية". ويقول إن "أي تلاقٍ بين الرغبات الأميركية التي تهدف إلى حماية إسرائيل وبين المطالب المحلية لا يُلغي ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية". ويشير المتحدث باسم قوات "اليونيفيل"، تيلاك بوخارال، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه ومنذ اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1701 في أغسطس/آب 2006، "ينعم جنوب لبنان بفترة من الهدوء والاستقرار لم يسبق لها مثيل، وهو واقع تستفيد منه المجتمعات المحلية التي تعيش شمال وجنوب الخط الأزرق". ويؤكد بوخارال أن "اليونيفيل نجحت في حفظ هذا الاستقرار لمدة 11 سنة، على الرغم من تغير السياق الإقليمي بشكل كبير مقارنة بعام 2006، وعلى الرغم من عدم إحراز أي تقدم ملموس بشأن العناصر المطلوبة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار". وتقول قيادة "اليونيفيل" إن "الطرفين (لبنان وإسرائيل) لا يزالان ملتزمين بالقرار 1701 وأحكامه كأساس للمحافظة على وقف الأعمال العدائية، وملتزمين بالعمل مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان للحفاظ على الاستقرار في المناطق الواقعة على طول الخط الأزرق، ومنع التوترات أو سوء الفهم من التصاعد إلى مرحلة العنف عبر الخط".

التصعيد عقّد المهمة الدولية

ووصلت طلائع القوات الأممية إلى الجنوب في العام 1978، بعد إصدار مجلس الأمن الدولي للقرارين 425 و426 في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان. وكانت مهمتها "تأكيد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، واستعادة السلام والأمن الدوليين، ومساعدة حكومة لبنان على ضمان عودة سلطتها الفعلية في المنطقة"، وذلك بعد انتشار عناصر المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، والانطلاق من الأراضي اللبنانية لتنفيذ عمليات داخل فلسطين المحتلة، وهو ما قابلته إسرائيل بشن عدوان واسع، تقدمت خلاله القوات الإسرائيلية بعمق 40 كيلومتراً من خط الهدنة على الحدود مع فلسطين المحتلة. ولقيت قوات الطوارئ الدولية ترحيباً من أهالي بلدات الجنوب اللبناني. ولم يقتصر نشاط قوات الطوارئ في ذلك الحين على الانتشار العسكري فقط، بل قدمت الدول المشاركة فيها مجموعة مشاريع إنمائية للبلدات الجنوبية التي عانت، ولا تزال، من الإهمال الرسمي اللبناني وغياب الخدمات الأساسية عنها. كما حرّك عناصر قوات الطوارئ الاقتصاد الجنوبي من خلال ارتياد المطاعم التي وسعت من خياراتها، والأسواق التي قدمّت منتجات جديدة تُلائم الزبائن الجدد.

ولم يحُل انتشار قوات الطوارئ الدولية دون الاجتياح الاسرائيلي الثاني للبنان في العام 1982، كما لم تحمِ مواقع قوات الطوارئ المدنيين الذين لجأوا إليها في العام 1996 خلال عدوان "عناقيد الغضب" على لبنان، فتعرض مركز قيادة فيجي، التابع إلى "اليونيفيل"، في بلدة قانا لقصف إسرائيلي مباشر أدى إلى مقتل 106 مدنيين وإصابة المئات بجروح. وأجهضت يومها الولايات المتحدة إصدار مجلس الأمن قراراً أممياً يُدين إسرائيل، مع استخدام المندوب الأميركي لحق النقض (الفيتو). وازدادت مهمة قوات "اليونيفيل" صعوبة مع مرور السنوات، ومع انتقال الانتشار العسكري المقاوم للاحتلال الإسرائيلي من القوات الفلسطينية والوطنية اللبنانية إلى "حزب الله". وتم تعزيز القوات الدولية وتوسيع مهامها بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، بعد إصدار القرار 1701 الذي لم يحز على إجماع داخلي، وأتى في فترة تأزم سياسي بين معسكري 8 و14 آذار في لبنان. وأصبحت مهمات "اليونيفيل"، التي تمت الإجازة لها بزيادة عديدها إلى 15 ألف عسكري كحد أقصى، تشمل "رصد وقف الأعمال العدائية، ومرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية أثناء انتشارها في جميع أرجاء جنوب لبنان". كما تم نشر قوات بحرية لمراقبة الساحل اللبناني ومنع تهريب أسلحة إلى لبنان عبر البحر. وقد قررت الحكومة اللبنانية نشر 15 ألف عسكري لبناني في الجنوب بعد انتهاء عدوان 2006 وإقرار الـ1701، وهو أوسع انتشار للجيش في المنطقة منذ عقود طويلة. وتم إقرار آلية تنسيق مشتركة بين الجيش اللبناني والقوات الدولية لضمان "خلو المنطقة بين الخط الأزرق (خط الانسحاب الإسرائيلي عام 2000) ونهر الليطاني من أي أفراد مسلحين وموجودات وأسلحة غير تلك التابعة لحكومة لبنان واليونيفيل".

ويؤكد مصدر في جهاز استخبارات الجيش اللبناني في جنوب لبنان أن هذه الآلية "تعرضت للخرق مراراً من قبل القوات الدولية، التي حاولت في السنوات الأولى بعد 2006 إما القيام بدوريات خارج منطقة انتشارها أو مداهمة منازل بحجة البحث عن أسلحة"، وهو ما قابله أهالي البلدات، وخلفهم "حزب الله"، باحتجاجات اتخذت طابعاً شعبياً، كمحاصرة مواطنين غاضبين للدوريات الأممية أو رشقها بالحجارة. كما تعرضت قوات الطوارئ إلى خمس هجمات باستخدام عبوات ناسفة بين عامي 2007 و2011، وقع أخطرها في يونيو/حزيران 2007 عندما أسفرت عبوة ناسفة استهدفت دورية للقوة الإسبانية المشاركة في القوات الدولية عن مقتل 6 من أفرادها وجرح آخرين. في حين أسفرت العبوات الباقية، التي استهدفت القوات التنزانية والفرنسية والإيطالية والإيرلندية، عن جرح عشرات العسكريين. وقُتل جندي إسباني في العام 2015 نتيجة قصف مدفعي إسرائيلي على لبنان بعد استهداف "حزب الله" رتلاً من الآليات العسكرية الإسرائيلية رداً على استهداف مجموعة من قادته في الجولان السوري. وهكذا بقيت قوات الأمم المتحدة رهينة التطورات الإقليمية والرسائل الأمنية المُتبادلة بين مُختلف القوى المحلية والإقليمية في لبنان، واليوم يُشكل الضغط الأميركي محاولة لتحويل جنود الأمم المُتحدة إلى مُحاربين بالوكالة. وتضم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان نحو 10500 من أفراد حفظ السلام القادمين من 41 بلداً. وتحتفظ البعثة بمستوى مكثف من الأنشطة التنفيذية وغيرها من الأنشطة التي تبلغ قرابة 13500 نشاط شهري، ليلاً ونهاراً، في منطقة العمليات. ويجري 17 في المائة من الأنشطة بالاشتراك مع القوات المسلحة اللبنانية. وتكمِل قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان فرقة عمل بحرية، قوامها سبع سفن، لمنع دخول الأسلحة والمواد الأخرى بصورة غير مشروعة إلى لبنان، وتسهم أيضاً في بيئة بحرية آمنة ومستقرة.

المساهمون