بعد انتقادات كثيرة وُجّهت لمجلس الأمن الدولي من قبل منظمات غير حكومية ووسائل الإعلام حول عدم تحركه بشكل أسرع لبحث تداعيات انتشار وباء كورونا في العالم، تعقد الدول الـ15 الأعضاء في المجلس جلسة حول هذا الملف اليوم الخميس، وهو أول اجتماع رسمي يعقده المجلس لمناقشة الوباء. الاجتماع الذي سيعقد عن طريق دائرة متلفزة مغلقة، في ظل تحوّل نيويورك إلى أكبر بؤرة لانتشار الوباء في الولايات المتحدة، سيبحث تداعيات الوباء الأبعد عن المجالات الصحية والاقتصادية، خصوصاً تهديده الأمن والسلم الدوليين، غير أنه لا يُتوقع أن يتفق الأعضاء على تبني مشروع قرار جديد حول الوباء. وسيقدّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، خلال الجلسة، إحاطته حول آخر المستجدات المتعلقة بانتشاره. وكانت أكثر من 190 منظمة غير حكومية حول العالم وجّهت رسالة إلى غوتيريس ولرئاسة مجلس الأمن، تحثهما على عقد اجتماع وبشكل طارئ لمناقشة التهديد الذي يشكله الوباء على العالم والخطوات التي يجب أن تتخذها الدول لمكافحته.
لكن تباطؤ مجلس الأمن بعقد اجتماع من هذا القبيل لا يعود فقط لأسباب بيروقراطية ولوجستية تتعلق بالاتفاق على "قواعد جديدة" وتبني قرارات حول حيثيات عمله تحت ظروف غير مسبوقة، أو في ظلّ التهديد الأمني لعقد اجتماعات بشكل إلكتروني عن طريق دوائر تلفزيونية مغلقة، فقد ظهرت كذلك خلافات حادة في مواقف الدول داخله. وأبرز الخلافات كانت في وجود عدد من المبادرات المقترحة ليتبناها المجلس حول الوباء من بينها مبادرة إستونية، وهي واحدة من الدول الـ10 غير دائمة العضوية، طلبت تبنّي المجلس بياناً صحافياً، إلا أن دولاً عدة رأت أن البيان يذهب في نصه إلى أبعد من صلاحيات المجلس المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين.
أما فرنسا فقادت مبادرة متعلقة بعناصر مشروع قرار ناقشته مع الدول الخمس دائمة العضوية، الصين وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة، لكن الخلافات بين بكين وواشنطن حالت دون تقارب وجهات النظر، لا سيما مع الإصرار الأميركي على وصم وباء كورونا بـ"الصيني" من خلال ذكر مصدر ظهوره للمرة الأولى. كما عملت تونس على صياغة مسودة مشروع قرار خاص بها ناقشته بين الدول العشر غير دائمة العضوية. ومن غير المتوقع أن يصوّت المجلس على أي مسودات لمشاريع قرار أو أن يصدر أي بيانات، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الاجتماع.
في هذا السياق، رجح مصدر دبلوماسي في مجلس الأمن، تحدث لـ"العربي الجديد"، أن تركز الجلسة على عدد من الأمور لمحاولة فهم المواقف الرسمية للدول وتوجهاتها، ليس فقط في محاربة الوباء بل في تأثيره على عدد من القضايا، من بينها تقديم المساعدات الإنسانية في مناطق النزاعات، وآخر المستجدات حول مبادرة غوتيريس التي أطلقها قبل قرابة عشرة أيام، ودعا فيها إلى وقف شامل وفوري لإطلاق النار حول العالم كي تتسنى محاربة انتشار الوباء. وعلى الرغم من إعلان أطراف النزاع في عدد من المناطق الساخنة بالتزامها، إلا أن عددا منها لا يطبق ذلك على أرض الواقع.
بدورها، ذكرت مصادر دبلوماسية غربية مطلعة في الأمم المتحدة في نيويورك لـ"العربي الجديد" أن غوتيريس سيركز في إحاطته، إضافة إلى وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية، على الرزم الاقتصادية وضرورة أن تعالج احتياجات الطبقات الضعيفة كما على قضية العنف الأسري الذي تتعرض له النساء والفتيات بنسب أعلى في ظل الحجر المنزلي الذي يشهده العالم. وكان غوتيريس قد أطلق مبادرة في هذا السياق مطلع الأسبوع الحالي، حثّ فيها الحكومات على اتخاذ خطوات ضد العنف المنزلي من ضمن خططها الوطنية التي تطلقها لمكافحة وباء كورونا. وفي حال تمكّن المجلس من تبني مشروع قرار في المستقبل حول وباء كورونا، فلن تكون هذه المرة الأولى التي يتبنى فيها قرارات لمواجهة وباء ما والتعامل معه كتهديد للأمن والسلم الدوليين. فعلى سبيل المثال، تبنى المجلس عام 2000 القرار رقم 1308، وعام 2011 القرار رقم 1983، حول مرض نقص المناعة المكتسبة (إيدز)، كما تبنى عام 2014 القرار 2177 حول انتشار إيبولا، معتبراً أن انتشاره غير المسبوق في أفريقيا يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
وتعود أهمية تبني قرارات من هذا القبيل لأسباب عدة من بينها الدفع لتخصيص موارد لمكافحته لا سيما في الدول الفقيرة، وتكثيف الجهود حول تمويل البحوث الطبية والأدوية، إضافة إلى التنسيق على نطاق وطني وإقليمي ودولي لمكافحته، فضلاً عن لفت الانتباه له على مستوى دولي وليس فقط محليا في الدول التي يتفشى فيها. وفيما يخص وباء كورونا، وعلى الرغم من إعلان العديد من الدول خطط طوارئ واتخاذ الإجراءات الدولية لمكافحته، إلا أن تلك الخطط كانت أحادية الجانب في الغالب ولها تبعات وخيمة على حيوات واقتصادات دول أخرى وحتى سرعة ومدى تفشي الوباء. فوقف الرحلات الجوية من وإلى بلد ما جاء في بعض الأحيان بشكل سريع ومفاجئ، كما حدث مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة وأغلب الدول الأوروبية، وغيرها من القرارات.
يضاف إلى ذلك المعارك الدائرة حول مستلزمات الحماية الأساسية، كالقفازات والأقنعة وغيرها بين الدول الصناعية نفسها، ما يجعل الكثير من الدول الفقيرة والنامية غير قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها بسبب المنافسة الشديدة في السوق واستغلال الشركات للحاجة ومضاعفة أسعار تلك المستلزمات الضرورية. وعلى الرغم من خفض سقف التوقعات حول إمكانية تبنّي المجلس لمشروع قرار أو بيان رئاسي، فإن اجتماع الخميس مهم لأنه سيؤكد كذلك الضرورة الملحة للتنسيق بين الدول وقد يشكل دافعاً أفضل للقيام بذلك. كما أن عقد الاجتماع بحد ذاته يعطي مؤشراً على أن الوباء يشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين ليعرض على جدول أعمال المجلس. ومن المتوقع أن يتضح مستوى الهوة بين مواقف الدول، وسيساعد الدول ذات وجهات النظر المتقاربة على تنسيق جهودها بشكل أفضل، وقد يضع الدول ذات النفوذ والمنافسة، الصين والولايات المتحدة، تحت ضغط أكبر لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم.