"اللحديون" في إسرائيل: فلسطينيو الداخل نبذوهم ولحد تركهم

25 مايو 2014
لحد وباراك وموفاز عام 2000 (فرانس برس/getty)
+ الخط -

يرتاد القسم الأكبر من أولاد عناصر جيش لحد، المدارس اليهودية. تكاد تكون علاقاتهم مع الفلسطينيين العرب في الداخل معدومة، ويخدم عدد من أبناء العناصر "اللحديين" في جيش الاحتلال. وزّعتهم إسرائيل اقتصادياً إلى ثلاث فئات بحسب رتبهم العسكرية في "جيش لبنان الجنوبي"، يعلّقون آمالهم على فوز سمير جعجع أو ميشال عون بالرئاسة اللبنانية. يعيشون بمجموعهم حياة بائسة. تنكّرت إسرائيل لهم لأن آباءهم ليسوا سوى عملاء. قليلون منهم فقط حققوا نجاحات على المستوى الفردي داخل الاراضي المحتلة، بعدما تنكّروا لوطنهم ودينهم.

ويصل عدد ما يُصطلح على تسميتهم في إسرائيل، بـ"اللحديين"، أي عناصر "جيش لبنان الجنوبي" المتعاملين مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان قبل تحرير العام 2000، وأفراد عائلاتهم، إلى حوالى 3000 شخص، يعيشون اليوم بشكل أساسي في المدن والبلدات اليهودية، بعدما لم يرحب بهم فلسطينيو الداخل، ورفضوا التعامل معهم. يسكن "اللحديون" (نسبةً إلى قائد "جيش لبنان الجنوبي" أنطوان لحد) بشكل رئيسي في مستعمرات كريات شمونة ونهاريا وشلومي ونتسرات عيليت، بينما هاجر قسم كبير منهم إلى دول مثل كندا وأستراليا.

يرتاد القسم الأكبر من أولاد هؤلاء المدارس الإسرائيلية، وتكاد تكون علاقاتهم مع الفلسطينيين العرب في الداخل معدومة. ويخدم عدد من أبناء العناصر "اللحديين" في جيش الاحتلال، وينشدون النشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفا"، علماً أن الدولة العبرية لم تبادلهم ولاءهم لها بولاء، على الرغم من إصدار حكوماتها منذ رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك وحتى الحكومة الحالية، قرارات بوجوب معالجة أمورهم وحل قضاياهم. لكن هذه القرارات والدعوات التي أصدرها جنرالات سابقون في جيش الاحتلال، ومختلف مؤسساته الأمنية، ظلت حبراً على ورق.

في الجش وحيفا وعكا

مثلما هو معروف، يتوزّع هؤلاء على مختلف الطوائف اللبنانية. يتردد الموارنة من اللحديين على كنيسة قرية الجش للصلاة فيها. وعن ذلك، يقول رئيس المجلس المحلي في الجش، إلياس إلياس، لـ"العربي الجديد"، إن "الكنيسة لربنا، فهم يأتون للصلاة خاصة بفترة الأعياد ولا يوجد عندنا مشكلة، فالباب مفتوح والكنيسة للرعية وليست للمجلس. لا أحد يسكن منهم في القرية، ولا يتعلمون في مدارسنا، فالدولة وزعتهم في أماكن مختلفة وفي مدن يهودية".

وعلم "العربي الجديد" أن قسماً منهم يتردد على الكنيسة المارونية في عكا للصلاة فيها أيام السبت. أما مَن يقطن منهم في حيفا، فيصلّون في الكنيسة المارونية في المدينة.

كاهن خاص لإعادتهم إلى لبنان

ومع الإعلان عن زيارة البطريرك بشارة الراعي إلى الأراضي المحتلة، أعلن "اللحديون" عن تشكيل لجنة إعلامية خاصة بهم للتواصل مع الإعلام. وإن كانوا لا يجدون حرجاً في الحديث إلى الإعلام الإسرائيلي، فإنهم يترددون قبل الحديث إلى الصحافة العربية، خصوصاً في ظل مقاطعة المجتمع الفلسطيني في الداخل لهم، بشكل كامل تقريباً.

وعلى الرغم من تعامل المطران موسى الحاج ورعايته للموارنة من بين اللحديين، إلا أن البطريركية المارونية عيّنت لهم كاهناً خاصاً قبل ثمانية أشهر، هو الأب مارون أبي نادر، النائب الأسقفي لشؤون اللبنانيين في الأراضي المقدسة.

ويقول أبي نادر، لـ"العربي الجديد"، إن تعيينه يهدف إلى "التحرك معهم على صعيد رسمي، ولكي يشعروا معنوياً بأن هناك مسؤولاً مباشراً عنهم، ولتكثيف النشاطات الروحية على مدار الأسبوع، وخصوصاً أنهم يقطنون في مناطق متفرقة عدة، والسعي لدى الدولة اللبنانية لإعادتهم إلى لبنان".

من جهته، يكشف عضو اللجنة الإعلامية لـ"اللحديين" في إسرائيل، بيار ذياب، لـ"العربي الجديد"، عن المعاملة التي لقيها عناصر لحد لدى فرارهم إلى إسرائيل بالقول إنه "عندما وصلنا (إلى إسرائيل)، تم توزيعنا إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول للقادة العسكريين، فأعطي كل واحد منهم فيلا وراتباً شهرياً قيمته 6000 شيكل (1500 دولار)".

ويتابع ذياب: "أما القسم الثاني فهم ضباط الصف الثاني، وأعطتهم إسرائيل مبلغ 700 ألف شيكل، أي 200 ألف دولار ليشتروا منازل، مع دخل شهري 4000 شيكل (1150 دولاراً)".

أما القسم الثالث، فيشير ذياب إلى أنهم يتألفون من العناصر الأمنية والمرافقين، وقد أعطتهم سلطات الاحتلال بدل إيجار بيت ومساعدة مالية بمبلغ 400 ألف شيكل، أي 110 آلاف دولار لشراء شقة.

أما البقية، فهم يشكلون حوالى 70 في المئة من الهاربين إلى الدولة العبرية، ويأخذون 600 شيكل شهرياً، أي 150 دولاراً.

وبحسب مواقع إسرائيلية، فإن أكثر من 470 عائلة من اللحديين يعيشون في شقق مؤجرة، وهو ما دفعهم إلى توجيه رسالة لنائب وزير الأمن الإسرائيلي، داني دانن، المكلف بمتابعة شؤونهم، بعدما كان المسؤول عن ملفهم في الحكومة السابقة، الجنرال يوسي بيلد.

لا بيت ولا شجرة ولا عنزة

وأكد كلام بيار، المسؤول الإسرائيلي السابق عن وحدة "الموساد" في بيروت، في مطلع ثمانينات القرن الماضي، يئير رابيد، الذي ألّف كتاباً خاصاً عن قضية اللحديين تحت عنوان "شرفة على الساحة الخلفية"، يتهم فيه كبار قادة الجيش الإسرائيلي ببناء مجدهم العسكري بفضل خدمات اللحديين، لكنهم تنكروا لهم بعد الانسحاب" عام 2000.

ويقول رابيد في كتابه الصادر قبل عامين: "لقد صرح هؤلاء الضباط على مدار السنين، في آذان حلفائهم من جيش لبنان الجنوبي، أنه في حال انسحبت إسرائيل في يوم من الأيام من لبنان، فسيهتم الجيش الإسرائيلي بهم، ويمنحم بيتاً مقابل كل بيت يملكونه في لبنان، وشجرة مقابل كل شجرة وعنزة مقابل كل عنزة كانت لهم في بلدهم، ولولا جمعية مساندة اللحديين في إسرائيل، لما حصلوا إلا على العنزة".

ويقرّ رابيد بأن إسرائيل تعاملت مع عملائها من جيش لحد بحسب سياسة "فرّق تسد"، إذ أعطت قادتهم من ذوي الرتب العسكرية امتيازات عالية، مقابل معاملة مهينة للعناصر الصغار والجنود.

وبالعودة إلى بيار ذياب، فهو يعمل اليوم كمساعد طباخ، وتعمل زوجته في روضة أطفال يهودية، في نهاريا. تعلمت بناته الثلاث في مدارس يهودية، بعدما رفضت المدارس العربية الأهلية، ومنها مدرسة راهبات الناصرة، تسجيلهن لديها. وقالت له مديرة المدرسة: "لا نريد عملاء بيننا".

ويكشف بيار ذياب، المحكوم في لبنان بالسجن 25 عاماً بعد شرائه بيتاً في إسرائيل، وهو من قرية عين إبل الجنوبية الحدودية، أن اللحديين يحافظون على اتصال وتواصل مع ذويهم في لبنان، بالرغم من تحقيقات الأجهزة الأمنية اللبنانية معهم، والتي دفعت بالبعض إلى قطع الاتصالات مع "اللحديين".

بحسب ذياب، فإنّ "اللحديين" يعلّقون آمالهم على فوز سمير جعجع أو ميشال عون بالرئاسة اللبنانية. ويقول بيار إنه "إذا نجح الجنرال عون أو الدكتور جعجع فسيفتح ملفنا بالتأكيد، وسيسرّعون الحل".

لحد غير مُرحَّب به

لكن إسرائيل لم تكن الوحيدة التي تنكّرت لعملائها، بل إن قائدهم، أنطوان لحد نفسه، وبحسب شهادة بيار ذياب، لا يجري أي اتصالات مع أفراد المجموعة، وقد يحتفظ بعلاقات مع كبار الضباط ممّن كانوا في جيشه وفي دائرته القريبة. وتتضارب الأنباء حول مكان سكن لحد حالياً، وإن كانت المعلومات المتوفرة تقول إنه يتنقل بين باريس وتل أبيب، حيث يملك مطعماً فخماً في هرتسليا، وآخر في تل أبيب. مع ذلك، يبدو أن الرجل صار خارج المشهد كلياً لدرجة أن الأب مارون أبي نادر أبلغ "العربي الجديد"، أنه منذ وصوله إلى فلسطين ككاهن، لم يلتقِ بلحد ولا اتصل به هاتفياً، كما أنه لم يفكر ولو للحظة بدعوته للقداس الذي سيقيمه "الرحال" في كفارناحوم.

من إبراهيم ياسين إلى أبراهام سيناي

على الرغم من أن مطران الكنيسة المارونية، موسى الحاج، والأب مارون أبي نادر يصرّان على تصوير اللحديين بأنهم "مظلومون" ويرفضون نيل الجنسية الإسرائيلية، إلا أن الاطلاع على "سيرة" بعضهم، منذ هربهم إلى إسرائيل، تكشف مدى انخراط عدد منهم في المنظومة الإسرائيلية.

فقد تحوّل إبراهيم ياسين، المتعامل مع الإسرائيليين، قبل انسحاب العام 2000، عن ديانته، وارتد ليتهوّد ويصبح حاخاماً يحمل اسم أبراهام سيناي، ومعه تهوّدت زوجته أيضاً. وكان الاثنان قد فرا في العام 1997. وتحدّث ياسين قبل حوالى شهر لموقع "بكرا" الإسرائيلي في الناصرة، عن قصة اعتناقه الديانة اليهودية. وهو غالباً ما يحاضر أمام الطلاب عن "ضرورة الحفاظ على الطابع الصهيوني" لمدينة صفد.

أرزة حداد: إسرائيل بيتي

أما ابنة مؤسس جيش لبنان الجنوبي، سعد حداد، أرزة، فتعمل اليوم في مشروع الصواريخ الإسرائيلي في المؤسسة الأمنية لجيش الاحتلال، بعدما حصلت على اللقب الثاني من معهد الهندسة التطبيقية "التخنيون".
وقالت أرزة حداد، في مقابلة مع موقع "معاريف"، في 6/6/2012، إنها تعمل في تل أبيب وتعيش في حيفا ولا تفكر بالعودة إلى لبنان، فعلى حد تعبيرها، "إسرائيل هي بيتي".

مريم حنون في "السلّة"

يرى موقع "اللبنانيون في إسرائيل"، التابع لـ"اللحديين"، أن قبول مريم حنون، اللبنانية الأصل، في المنتخب الإسرائيلي لكرة السلة، هو "مصدر فخر" لـ"التسدالنيكيم"، أي "رجال جيش لبنان الجنوبي" بالعبرية. وتقول مريم حنون، في مقابلة مع القناة الثانية، إنها سعيدة بقبولها في المنتخب، وهي لا ترى مشكلة في الاستماع للنشيد "الوطني" الإسرائيلي (هتكفا). وعلى الرغم من إعرابها عن حزنها لبقاء عائلتها في لبنان، إلا أن والدها قال في المقابلة المنشورة على الموقع المذكور، إن ابنته "إسرائيلية وتحمل اليوم الهوية الإسرائيلية".

دلالات