ترجيح صدور تقريرٍ مجوّف عن تحقيقات مولر الخميس

16 ابريل 2019
يحتدم التوتر بواشنطن مع انطلاق السباق الرئاسي(Getty)
+ الخط -

بعد غدٍ الخميس، وبعد حوالي شهر على صدوره، يفك وزير العدل الأميركي ويليام بارّ الحجز عن تقرير روبرت مولر في موضوع التحقيقات الروسية.

في الواقع، سيقدم بار نسخةً منقحة عن التقرير، بعد تدوير زواياه، وإخراجه بصيغةٍ يرجح معظم أهل القانون أن تكون من نوع "تمخض الجبل فوَلَدَ فأراً". مناورةٌ من شأنها أن تثير عاصفةً من الاعتراضات، مع زيادة الإصرار على وجوب الكشف عن النسخة الأصلية بكاملها، وبما يصب الزيت على نار الخلاف المحتدم حول الموضوع. فلا وزارة العدل في وارد الإفراج عن الأصلي، ولا خصوم الرئيس دونالد ترامب في الكونغرس في وارد التراجع عن هذا المطلب. وكلا الموقفين يقع في المنطقة الرمادية من القانون، وبما يترك الفصل فيها بالنهاية إلى المحاكم بعد معركة شاقة وطويلة يتداخل فيها السياسي بالقانوني، كما بالحملة الانتخابية المقبلة.

ويليام بار، وزير العدل والمحامي المحنك، لعب ورقة الوقت لتبريد الموضوع. أعطى نفسه 29 يوماً لتنقيح تقريرٍ من 400 صفحة، في حين لزمه يومان فقط لتقديم خلاصةٍ عنه، فور تسلمه من مولر في 22/4 الماضي. التأجيل عزز الشك. خاصة أن بار سبق له أن كتب مطالعة قانونية العام الماضي قبل توزيره، مناقضة للتحقيقات الروسية ولفكرة إدانة الرئيس بتهمة "عرقلة سير العدالة"، والتي اعتبرها غير قانونية. خلاصته عن التقرير، معطوفةً على مطالعته هذه، زادت من علامات الاستفهام، خاصة بعدما شرح حيثياته بصورة مرتبكة ومتعثرة أمام إحدى لجان الكونغرس، الأسبوع الماضي.

ولهذا يخوض فريق الرئيس مواجهة كاسرة وصعبة. لكنه يمسك بزمام المبادرة حتى الآن، عن طريق وزارة العدل وصلاحياتها التنظيمية التي تخولها التصرف بالتقرير بصورة استنسابية، استند إليها الوزير للاحتفاظ به كل هذا الوقت كي يحذف منه ما يضعه في خانة المعلومات السرية.
كل ذلك غذّى الارتياب بأن تكون غاية الحذف طمس معلومات مؤذية للرئيس سياسياً، إن لم تكن كذلك قانونياً. علماً أن الوزير بإمكانه حماية السرّية عن طريق إذنٍ من القاضي المختص يجيز إطلاع أعضاء اللجنة العدلية في مجلس النواب عليها أو حجبها عنهم. لكن استئثاره بشطبها، وإن استناداً إلى الأصول المرعية، عزز الريبة المشروعة بالنوايا، خاصة أنه في حالات مماثلة سابقة، جرى اعتماد مثل هذا التدبير لحماية الخصوصيات، وفي الوقت ذاته لإطلاع الكونغرس على حصيلة التحقيقات.

في المقابل، يخوض الحزب الديمقراطي في مجلس النواب معركة لا يقوى على خسارتها، عشية انطلاق حملة انتخاب الرئاسة. لذلك، رمى فيها كل أسلحته الدستورية والسياسية. أصدر استدعاءات عدة، للحصول على بيانات الرئيس الضريبية، كما على المستندات التي يملكها  مصرف "دويتشه" حول قروضه ومعاملاته المالية مع ترامب. كشوفات يعتبرها الرئيس خطاً أحمر. ومن المتوقع أن تصدر اللجنة العدلية في مجلس النواب استدعاء آخر قبل نهاية الأسبوع تطالب فيه وزير العدل بتسليم تقرير مولر الأصلي، إذا لم تكتفِ بتقرير بار عن حصيلته.

والاستدعاء أمر قانوني ملزم لا مفر من تنفيذ مضمونه، وإلا تحول إلى ملاحقة قضائية يتعذر على المحاكم نقضها. مع ذلك، رفضت وزارة المالية تزويد اللجنة المختصة في مجلس النواب بالخلاصة الضريبية للرئيس ترامب عن السنوات العشر الماضية، وفي ذلك مخالفة صريحة لنص دستوري لا يقبل التأويل. عادت اللجنة اليوم وكررت الطلب، مع الإصرار على وجوب تلبيته في موعد أقصاه يوم 23 إبريل الحالي. المتحدثة باسم البيت الأبيض أعطت الجواب اليوم بالرفض المسبق، وبلغة ساخرة ومتهكمة على النواب الديمقراطيين.

تؤشر هذه التطورات إلى بداية الدخول في أزمة دستورية جدّية طالما جرى التحذير من الوقوع في شباكها. ويزيد من حدتها أن مقدماتها تتسارع وسط احتدام التوتر السياسي بين الرئيس وخصومه بصورة غير اعتيادية. التخاطب بينهما يجري بلغة التحدي الفاقع، وبنبرة لا تخلو من التحريض الذي بدأ يجد تعبيراته في توجيه تهديدات بالتصفية ضد الخصوم. النائب الديمقراطية إلهان عمر تلقت أكثر من تهديد خلال الأيام الماضية، وإلى حد حمل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على تعزيز الحراسة الشخصية لها. الأجواء السياسية صارت ملوثة. والخشية أن تنتقل المواجهة الحامية إلى الشارع، مع اقتراب دخول الولايات المتحدة في موسم الحملة الانتخابية التي يتوقع المراقبون أن تكون على غير مثيل بدرجة فجاجتها وشراستها.

المساهمون