الوساطة الصينية للمصالحة الأفغانية... حظوظ النجاح محدودة

04 يوليو 2017
لدى الصين علاقات قوية مع الطرف الأفغاني(كيم كيونغ-هون/فرانس برس)
+ الخط -
تحاول الصين القيام بوساطة دبلوماسية ورعاية تفاهمات بين أفغانستان وباكستان من أجل حل الصراع العسكري على أرض أفغانستان وتحقيق المصالحة الأفغانية، وإعادة الاستقرار إلى منطقة تعتبرها بكين حيوية بالنسبة لاستثماراتها الاقتصادية. صحيح أن للصين تأثيراً مهماً على الوضع هناك، لكن ثمة أسئلة كثيرة حول نجاح جهودها في ظل تهميش الدور الأميركي.

ويقول المندوب الصيني الخاص لباكستان وأفغانستان دي جون شون، إن بكين مصممة على المضي قدماً في بذل جهود جادة وحثيثة لاحتواء الأزمة الأفغانية من خلال العمل مع إسلام أباد وكابول. ويشير جون إلى السبب الرئيسي من وراء الجهود الصينية قائلاً إن المشاريع التجارية والاقتصادية لدولة الصين في باكستان وفي المنطقة لا يمكن تنفيذها وهي في خطر في ظل الأجواء الأمنية السائدة.

أتت تصريحات المندوب الصيني بعد زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى كابول وإسلام أباد، أخيراً، وعقب أنباء عن اتفاق كابول وإسلام أباد، نتيجة جهود صينية، على تبادل معلومات استخباراتية والعمل لقمع الجماعات المسلحة، كما اتفق على أن تشرف بكين على التعاون بين الطرفين في هذا الشأن.

وهناك شكوك كثيرة لدى الجانب الأفغاني إزاء تعاون باكستان، وما إذا كانت بكين ستنجح في إقناع إسلام أباد بالتنازل عن بعض مصالحها في أفغانستان وأن تتعاون مع كابول الرافضة لمطالب إسلام أباد، خاصةً تلك المتعلقة بالخط الفاصل بين الدولتين وبعلاقات أفغانستان مع الهند.

ويقول المحلل السياسي إسماعيل عندليب، إن دور الصين مهم في المنطقة وفي المعضلة الأفغانية، لا سيما أن لديها تأثيراً كبيراً على باكستان ولها علاقات قوية مع أطراف الصراع في أفغانستان، مثل حركة طالبان والحكومة الأفغانية. ولكن السؤال هنا يتمثل في معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة راضية عن هذه الجهود، خصوصاً أن بكين تسعى لتهميش واشنطن، تحت ذريعة أن الوجود الأميركي هو السبب الرئيسي لاستمرار دوامة الحرب في أفغانستان، وهذا ما يظنه الكثير من الأفغان ودول المنطقة أيضاً. ويرى عندليب أن الجهود الصينية قد تقرب بين وجهات نظر أطراف الصراع الأفغاني ولكن لا يتوقع أن تأتي بالحل النهائي للمعضلة الأفغانية. كما أنها يمكن أن تؤثر على باكستان، وأن تقوم بدور فعال في حل الملفات العالقة بين الجارتين أفغانستان وباكستان.

وبدأت الجهود الصينية لحلحلة الوضع الأمني بزيارة وزير الخارجية الصيني إلى كابول وإسلام أباد هذا الأسبوع. وأعلنت الحكومتان الأفغانية والباكستانية بعد زيارة الوزير الصيني اتفاقهما على عقد اجتماعات ثلاثية بين الصين وباكستان وأفغانستان لمناقشة آلية المباحثات بين "طالبان" وحكومة كابول. وذكرت المصادر في الحكومتين أن بكين وإسلام أباد وكابول اتفقتا على عقد اجتماعات ثلاثية لمناقشة أبعاد الأزمة بين كابول وإسلام أباد من جهة وبين طالبان والحكومة الأفغانية من جهة ثانية، مشيرةً إلى اتفاقية بين باكستان وأفغانستان يتم بموجبها تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدولتين، والتباحث بشأن ادعاء الطرفين تدخل كل دولة في شؤون الأخرى. ويتم ذلك من خلال معلومات استخباراتية وأدلة موثوقة، على أن تشرف بكين على عملية تبادل المعلومات.


ومع ترحيب بعض الأفغان بالمبادرة الصينية إلا أن هناك من اعترض على اتفاقية تبادل المعلومات الاستخباراتية. ولكن الرئاسة الأفغانية تؤكد أن المعلومات التي قدمتها بعض وسائل الإعلام بشأن هذه الاتفاقية ليست دقيقة. وقال الناطق باسم الرئاسة، دواء خان مينه بال، إن الهدف هو حلحلة الأزمة الأفغانية ووضع حد للتوتر في العلاقات بين كابول وإسلام أباد، بوساطة صينية، مشيراً إلى أن المعلومات الاستخباراتية تساهم في التأكد من صحة التدخلات.

المشاريع الصينية وراء المبادرة
ومن دون شك أن دول الجوار تأثرت ولا تزال بالمعضلة الأفغانية. وكان الرئيس الأفغاني، أشرف غني، أكد في مؤتمر المصالحة بكابول، في مايو/أيار الماضي، أن أفغانستان تمثل خط النار الأول في الدفاع عن أمن المنطقة، وأن المعضلة الأفغانية ألقت بظلالها على وضع المنطقة، خصوصاً دول الجوار. من هنا فإن الصين تخشى من تفاقم الحالة الأمنية في المنطقة أكثر ومن أن يؤثر ذلك على أمنها، لا سيما أن مسلحي "اليوغور" (مجموعة إثنية صينية معارضة) باتوا موجودين في بعض الحركات الجهادية كـ"القاعدة" و"طالبان" وتنظيم "داعش".

كذلك للصين مشاريع كبيرة في المنطقة عموماً وفي باكستان على وجه الخصوص. وكما أشار المندوب الصيني الخاص لباكستان وأفغانستان دي جون شون، فإن المشاريع الصينية لا يمكن تنفيذها في المنطقة دون إحلال الأمن وفي ظل الأجواء الأمنية الراهنة. وهذا ما يشدد عليه المحلل الأمني الأفغاني، غلام حيدر، قائلاً إن المشاريع الصينية لا يمكن تنفيذها إلا بعد حل المعضلة الأفغانية، وهذا ما أدركته الصين ودول المنطقة. وخصصت الصين 57 مليار دولار للاستثمار في مشاريع مختلفة على طول الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وهو عبارة عن طريق يربط الصين بدول آسيا الوسطى وأوروبا من خلال باكستان وأفغانستان.

وعلى الرغم من تأكيد وزير التخطيط الباكستاني، أحسن إقبال، قبل يومين على أن الأمور تسير بسلاسة وأن باكستان لديها قدرة على تنفيذ هذا المشروع، لفت إلى أن هناك تحديات في هذا الصدد. ولعل الوضع الأمني الراهن هو من أكبر التحديات، خاصةً بعد تزايد وتيرة أعمال العنف في إقليم بلوشستان حيث يوجد جزء كبير من النشاط الاستثماري الصيني. وقد تم اختطاف صينيين وإعدامهم من قبل "داعش" في الإقليم أخيراً. وخلال أسبوعين تم تنفيذ هجومين على العاملين في ميناء غوادرو، بالإضافة إلى ما يشهده بلوشستان من تفاقم الأوضاع الأمنية المتمثلة في الحركات البلوشية الانفصالية والحركات الجهادية، علاوةً على مواجهات طائفية. وأشار مسؤولون باكستانيون إلى أن الهدف من زعزعة الاستقرار هو إفشال المشاريع الصينية.

تهميش الدور الأميركي
يقول السفير الأميركي السابق لدى كابول، زلماي خليل زاد، وهو أحد الناقدين لسياسات باكستان في المنطقة، إن بكين إذا كانت تريد فعلاً أن تعمل لاحتواء الأزمة الأفغانية، عليها أن تمارس الضغط على باكستان لوقف المساعدة للجماعات المسلحة، خصوصاً "طالبان". ويؤكد خليل زاد أن السبب الرئيسي من وراء استمرار دوامة الحرب في أفغانستان هو دعم باكستان للإرهاب وللجماعات المسلحة، والحل يكمن في قبول باكستان مطالب المجتمع الدولي وتركها لدعم الجماعات المسلحة، وفق قوله. ويحذر من أن باكستان تسعى دائماً لكسب الوقت من أجل تنفيذ مخططاتها.

وفي هذا الصدد، يشير المحلل السياسي، إسماعيل عندليب، إلى أن دور الولايات المتحدة مهم ولا يمكن نجاح أي مبادرة دون رضى أميركي ومن دون تعاون الولايات المتحدة، وفق تعبيره. من هنا لا يتوقع أن تحقق المبادرة الصينية النتائج المرجوة في حال كانت واشنطن غير راضية وغير مشاركة فيها.

والولايات المتحدة تعمل منذ فترة وبعد تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة، على استراتيجية جديدة للتعامل مع الوضع في أفغانستان ومع الوضع في المنطقة. وبالإضافة إلى إرسال 4000 جندي أميركي إلى أفغانستان، كما أعلنت واشنطن، يتوقع أن تشمل الاستراتيجية دول المنطقة لا سيما باكستان. وتدعو الحكومة الأفغانية إلى استهداف مواقع المسلحين خارج حدود أفغانستان تحديداً في باكستان. وتخشى الأخيرة، بدورها، من أن تكون ضمن الاستراتيجية الأميركية الجديدة استهداف مواقع المسلحين من خلال طائرات من دون طيار، وهو ما يحصل بين الحين والآخر منذ أشهر.

من هنا يقول الصحافي الباكستاني المخضرم، طلعت حسين، إنه من ضمن استراتيجية واشنطن الجديدة الزيادة في الغارات الجوية داخل الأراضي الباكستانية ومنع المساندة المالية في المجال العسكري من باكستان. كما يرى أن الزيادة في عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان لا ترتبط بالوضع في أفغانستان إنما باستراتيجية تشمل المنطقة كلها.

المساهمون