اختارت إيران مواجهة التصعيد الأميركي الجديد المتمثل في إرسال المزيد من القوات إلى المنطقة على خلفية الهجمات الأخيرة ضد ناقلتي النفط في بحر عمان، بتأكيد رفضها الدخول في أي مفاوضات مع الإدارة الأميركية، مع طرحها مجدداً شروطها للتفاوض، وكذلك الإصرار على مواصلة تقليص تعهداتها النووية تجاه الاتفاق النووي، في تصعيد ملحوظ، يستهدف دفع أوروبا إلى تنفيذ تعهداتها تجاه الاتفاق النووي بما يمكّن طهران من بيع نفطها وإجراء معاملات مالية مع الخارج.
وفي الوقت نفسه، تواجه طهران الحديث الأميركي المتزايد عن دورها في الهجمات على ناقلات النفط في المياه الإقليمية، بنفي متزايد، فبعد أن كان يأتي هذا النفي على لسان ساسة إيرانيين خلال الأيام الأولى التي أعقبت الهجمات، والتزم العسكر خلالها الصمت، خرجوا بتصريحات منذ يومين، ليضموا أصواتهم إلى أصوات الساسة، نافين أيضاً "أي دور للقوات المسلحة الإيرانية" في تلك الهجمات.
روحاني: التفاوض يساوي الاستسلام
وفي أول تعليق له على الاتهامات الأميركية وغير الأميركية ضد بلاده بالوقوف وراء الهجمات على ناقلتي النفط في خليج عمان، الخميس الماضي، وصف الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأمر بـ"لعبة سياسية ودعائية"، قائلاً إنه "لم يصدق هذه اللعبة والتصريحات سوى أميركا وبريطانيا وأتباعهما ودولة أو دولتين صغيرتين في المنطقة".
وأكد روحاني أن إيران "حشدت جميع طاقاتها لإنقاذ ركاب ناقلات النفط واستضافتهم بشكل جيد، والعالم شاهد ذلك".
وأضاف أن بلاده "حافظت وتحافظ على أمن مضيق هرمز منذ آلاف السنين"، مشيراً إلى أن الأسطول البحري الإيراني "متواجد في بحر عمان ومياه أخرى لحماية حرية الملاحة ومكافحة الإرهاب".
إلى ذلك، اعتبر روحاني، خلال جلسة للحكومة الإيرانية، اليوم الأربعاء، أن "الدعوة إلى التفاوض مع ممارسة الضغط يعني دفعنا للاستسلام"، مشيراً إلى أن "الجلوس على طاولة التفاوض مع من يستمر في الضغط على الشعب الإيراني لا معنى له إلا الاستسلام".
واعتبر روحاني، وفقاً لما أورده الموقع الإلكتروني للرئاسة الإيرانية، أن الإدارة الأميركية "ليست صادقة" في دعوتها للتفاوض "ولو كانت صادقة لقامت بتحضيرات له".
وعن هذه التحضريات أو الأرضيات، قال روحاني إنها تتمثل في "رفع جميع العقوبات الظالمة، وإبداء الاحترام للشعب الإيراني والاعتراف بنظام تشكل بأصوات الشعب".
وتابع قائلاً إن واشنطن تسلك "مسيرة خاطئة" بإرفاق دعوتها للتفاوض بممارسة الضغط "للتأثير على الرأي العام الإيراني والعالمي".
كما هدد روحاني بأن بلاده ستقدم على إجراءات جديدة في سياق تقليص تعهداتها النووية بعد انتهاء مهلة الستين يوماً (في السابع من الشهر المقبل) في حال لم تنفذ بقية شركاء الاتفاق النووي التزاماتها.
وأضاف أنه "إذا ما نفذت هذه الأطراف تعهداتها، فإن إيران ستعود عن جميع إجراءاتها التي قلصت بموجبها تعهداتها خلال الستين يوماً".
واتّهم روحاني شركاء الاتفاق النووي بالإضرار بـ"روح الاتفاق النووي، التي تؤكد على انفراجة العلاقات الاقتصادية والتجارية لإيران مع العالم"، بحسب قوله.
لا قيمة للتسجيلات الأميركية
وفي السياق، انتقد وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، على هامش اجتماع للحكومة الإيرانية، اتهام القوات المسلحة الإيرانية بتدبير الهجمات على ناقلات النفط في خليج عمان، قائلاً إنه "اتهام مرفوض وكذب وأنفي بشكل قاطع ذلك".
وأضاف خاتمي أن "إيران دولة مقتدرة ومسؤولة وإذا قامت بعمل ما تتحمل مسؤوليته"، واصفاً الاتهامات للقوات المسلحة الإيرانية بتنفيذ الهجمات على ناقلات النفط بأنها "غادرة، تأتي استمرارا لتخريب وجهة إيران ولزيادة الضغوط عليها".
وفي أول تعليق إيراني على التسجيلات التي نشرها الجيش الأميركي حول استهداف ناقلتي النفط في خليج عمان، اعتبر وزير الدفاع الإيراني أنه "لا قيمة لها وأنها لا تشكل وثيقة ولا يمكن تحديد تاريخها ومكانها".
وكان الجيش الأميركي قد نشر، الخميس الماضي، تسجيلا مصوراً قال إنه يظهر الحرس الثوري الإيراني يزيل لغماً لم ينفجر من جانب إحدى ناقلتي نفط تعرّضتا لهجمات.
وأشار وزير الدفاع الإيراني، إلى أن السلوك الإماراتي في التعامل مع تفجيرات الفجيرة، التي استهدفت في الثاني عشر من الشهر الماضي 4 ناقلات نفط، يثير "شكوكاً"، قائلا إن الإمارات رفضت الإعلان عن معلومات حول هذه الهجمات في البداية، لكنها "لاحقاً قامت بنشر جزء منها بشكل مدبر مثير للشكوك".
واتهم أبوظبي بـ"إدارة عملية نشر المعلومات عن هجمات الفجيرة لتوظيفها لأغراض سياسية".
ورأى حاتمي أن "إستراتيجية أميركا والغرب تجاه الممرات المائية الدولية قد تغيرت"، لافتاً إلى أن "أمن هذه الممرات كان يشكل هدفاً مهماً لهذه الجهات، لكن اليوم نفهم من تصريحات الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) أنه لا علاقة له بأمن الخليج".
واعتبر وزير الدفاع الإيراني أن تصريحات ترامب "لها أغراض سياسية للضغط على دول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والدول الأوروبية، التي تستخدم هذه الممرات في نقل نفطها المستورد".
واتهم واشنطن بتدبير الهجمات ضد ناقلات النفط في بحر عمان وميناء الفجيرة الإماراتي "بغية ضرب أمن الممرات المائية خدمة لمصالحها".
وأوضح حاتمي أن القوات المسلحة الإيرانية ومصلحة الموانئ قامت بعملية إنقاذ البحارة الـ44 الذين كانوا على متن السفينتين المنكوبتين، معتبراً أن القوات الإيرانية "تلعب دوراً كبيراً في تأمين أمن المنطقة ممراتها المائية الدولية".
وتأتي تصريحات وزير الدفاع الإيراني، بينما سبقه القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، اليوم الأربعاء، بنفي ضلوع قواته باستهداف ناقلات النفط في خليج عمان، واصفاً هذه الاتهامات بأنها "مجرد أكاذيب أميركية".
وكانت تصريحات سلامي أول تعليق يصدر من الحرس الثوري الإيراني على اتهامات الإدارة الأميركية لقواته بالضلوع في الهجمات التي استهدفت ناقلتي نفط في خليج عمان.
وقال سلامي، لنادي "المراسلين الشباب" الإيراني، رداً على سؤال حول اتهام واشنطن للقوات الإيرانية بزرع ألغام وتفجير الناقلة اليابانية "كوكولا سانجيو"، إن "الأميركيين قد تعودوا على مثل هذه الأكاذيب، وممارسة الكذب باتت عملهم اليومي".
وفي تعليق آخر من قائد عسكري إيراني، كان الأول من نوعه، كان رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، قد وصف الاتهامات الأميركية وغير الأميركية لبلاده بالضلوع في الهجمات على ناقلات النفط في خليج عمان بأنها "إسقاطات"، متهماً واشنطن بتدبير تلك الهجمات.
وأكد باقري، أول أمس الإثنين، أن إيران "إن قررت إغلاق مضيق هرمز فلن تعبر منه أي ناقلة نفط"، مبيناً أنها "تتمتع بقدر كاف من الشجاعة لتتبنى مسؤولية تصرفاتها، وتعلن صراحة ذلك، وتتحمل عواقبها".