تبدو محادثات السلام في أفغانستان أمام عراقيل عديدة لا تزال تمنع تقدّمها نحو حل يرضي جميع الأطراف. فبعد رفض حركة "طالبان" عقد اجتماع في السعودية هذا الأسبوع مع مسؤولين أميركيين، طالبة إعادة المفاوضات إلى قطر بعد عقد جولة سابقة في أبوظبي، تم الإعلان أمس عن عقد محادثات في قطر بين الحركة ومسؤولين أميركيين، على أن تجري اليوم الأربعاء وغداً، قبل أن تتراجع "طالبان" عن المشاركة بسبب ما قيل إنها خلافات بشأن جدول الأعمال، بينما قد يكون السبب الحقيقي لإلغاء جولة المحادثات، هو الضغط الباكستاني، بطلب إماراتي، لإقناع "طالبان" بنقل المفاوضات إلى أبو ظبي، تمهيداً لتوقيع اتفاق سلام في الرياض، كـ"هدية" أميركية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في إطار محاولة تبييض صفحة القيادة السعودية من فضائح جريمة قتل جمال خاشقجي وحرب اليمن...
في هذا الوقت، كانت حركة "طالبان" تعلن إلغاء محادثات سلام كانت مقررة مع مسؤولين أميركيين في قطر اليوم الأربعاء وغداً، "بسبب خلافات بشأن جدول الأعمال"، كما ذكر مسؤولون من الحركة لوكالة "رويترز". وسبق ذلك إعلان أعضاء بارزين في "طالبان" أن مسؤولين من الحركة ومن الولايات المتحدة سيجرون محادثات سلام في قطر على مدى يومين، لكن من دون حضور مسؤولين من كابول. وقال قيادي في الحركة وفق "رويترز": "نريد هذه المرة أن نجري محادثات مع المسؤولين الأميركيين"، مضيفاً أن المحادثات في قطر ستتناول الانسحاب الأميركي وتبادل الأسرى ورفع حظر على حركة زعماء "طالبان". وكان من المفترض أن تكون هذه رابع جولة في سلسلة من المحادثات بين قيادات في "طالبان" والمبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد.
وكانت الجولة الثالثة من المحادثات قد عُقدت الشهر الماضي في أبوظبي وشارك فيها مسؤولون من السعودية وباكستان والإمارات. حينها سعت الولايات المتحدة للضغط على "طالبان" عبر باكستان، بهدف نقل المفاوضات السياسية، إلى أبوظبي، كما كشفت مصادر متابعة للملف لـ"العربي الجديد". وأوضحت المصادر أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سعت لتسليم ملف المصالحة الأفغانية إلى القيادة السعودية، وأن يتم توقيع اتفاق سلام بين "طالبان" والحكومة الأفغانية في الرياض، في حال نجحت المفاوضات في الإمارات، وذلك في سياق تصوير ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على أنه صانع سلام ووسيط ناجح في حل النزاعات.
وتنطلق الضغوط الأميركية من منطلق علاقة الجيش الباكستاني القوية بـ"طالبان". حتى أن مسؤولين أميركيين كانوا قد اتهموا باكستان في أوقات سابقة بأنها توفر ملاذاً آمناً لمتشددي الحركة في مناطقها الحدودية وتستغلهم لمصلحة سياستها الخارجية.
ويحضر في الصورة أيضاً حراك إماراتي نحو باكستان، إذ أودعت الإمارات مبلغ ثلاثة مليارات دولار في البنك المركزي الباكستاني أخيراً، في خطوة يمكن تفسيرها كـ"رشوة سياسية" لتسريع الضغط الباكستاني على حركة "طالبان" للسير في التفاوض مع كابول والأميركيين برعاية إماراتية-سعودية. وكان ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، قد زار إسلام أباد الأحد، ولفت حينها استقباله من قِبل رئيس الحكومة عمران خان لدى وصوله في قاعدة القوات الجوية الباكستانية.
كذلك، برز على الخط نفسه تحرك إيراني، إذ التقى نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قبل أيام، بالرئيس الأفغاني في كابول لمناقشة عملية السلام. وعُقد الاجتماع بعدما التقى مسؤولون من "طالبان" بالسلطات الإيرانية في طهران.