حراك دولي لإحياء الحلّ السياسي في ليبيا

30 اغسطس 2019
تعيش العاصمة ومحيطها مراوحة عسكرية (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -
ترتفع وتيرة الدعوات الدولية الداعية إلى وقف القتال جنوب العاصمة الليبية طرابلس، وإلى ضرورة توصل الأطراف الليبية المتناحرة إلى حلّ سياسي دائم في البلاد، مع استبعاد إمكانية الحسم العسكري. ويصب أخيراً في هذا الإطار التأكيد الذي أعربت عنه القيادة الجديدة للقوات الأميركية في أفريقيا، "أفريكوم"، على دعم الولايات المتحدة لخطط البعثة الأممية في ليبيا، الرامية لإنهاء النزاع في هذا البلد، فيما كشفت مصادر حكومية من طرابلس عن استعدادات تجريها برلين لاستضافة مؤتمرٍ دولي حول ليبيا.

وأكد القائد الجديد للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا ("أفريكوم")، الجنرال ستيفن تاونسند (تسلم مهماته في يوليو/تموز الماضي)، إثر لقاء جمعه برئيس حكومة "الوفاق" الليبية فايز السراج في العاصمة التونسية يوم الاثنين الماضي، على "أهمية دعم الحلّ الدبلوماسي في ليبيا، ودعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء النزاع الحالي".

ونشرت "أفريكوم" بياناً أول من أمس الثلاثاء على موقعها الإلكتروني، تعليقاً على اللقاء  أشارت فيه إلى أن تاونسند "سيلتقي لاحقاً رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة، حيث سيناقش الطرق التي يمكن أن يواصل بها الجيش الأميركي التعاون مع المنظمة الدولية لدعم التسوية السياسية في ليبيا"، مشيراً إلى أن بلاده "تدعم بشكل كامل جهود الأمم المتحدة" في هذا البلد.



ميدانياً، تعيش جبهات القتال المرتبطة بمعركة طرابلس حالة مراوحة عسكرية منذ فترة، وذلك على الرغم من تجدد الاشتباكات بين الفينة والأخرى، جنوب العاصمة، وحول مدينة غريان (على بعد 90 كيلومتراً جنوب طرابلس). ولا تزال مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عاجزةً عن تحقيق أي تقدم باتجاه العاصمة، كما فشلت يوم الإثنين الماضي في استعادة سيطرتها على مدينة غريان، التي كانت قوات "الوفاق" قد أحكمت سيطرتها عليها في يونيو/ حزيران الماضي، منتزعة إياها من يد مليشيات حفتر، التي كانت تعدها نقطة إمداد رئيسية لها.

وكان رئيس البعثة الأممية في ليبيا قد أعلن أخيراً عن اقتراح لبدء عملية سياسية، خلال إحاطته الدورية حول الوضع والمستجدات في هذا البلد أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي نهاية يوليو/تموز الماضي. ويمرّ اقتراحه عبر ثلاث مراحل؛ الأولى تبدأ بهدنة أيام عيد الأضحى (11 أغسطس/ آب الحالي)، ويتخللها القيام بجهود لبناء الثقة بين طرفي القتال من خلال تبادل أسرى ورفات القتلى، لتتحول الهدنة إلى وقف دائم للقتال.

أما المرحلة الثانية، فتبدأ بانعقاد لقاء دولي يجمع الدول المعنية بالملف الليبي، من أجل تنفيذ قرار الأمم المتحدة بشأن حظر توريد السلاح إلى ليبيا، فيما تنطلق المرحلة الثالثة بعقد اجتماع للأطراف الليبية، بهدف بدء مشاورات تنتهي بمفاوضات لاستئناف العملية السياسية.

وفيما يبدو أن تحركات سلامة جاءت ترجمةً لتوجيه دولي، أعلنت قمة مجموعة الدول السبع الكبرى، التي عقدت في مدينة بياريتز الفرنسية، واختتمت الاثنين الماضي، عن دعوتها لعقد مؤتمر دولي تشارك فيه كافة الأطراف المعنية بالملف الليبي على المستويين المحلي والإقليمي، بهدف دعم الجهود الأممية وتلك التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي لإقامة مؤتمر ليبي – ليبي.

وعلى الرغم من أن موقف غالبية المشاركين في قمة السبع يميل لصالح مشروع حفتر العسكري، إلا أن الاتجاه الدولي الجديد يعكس تبدلاً في المواقف، بدا واضحاً بعد الفشل الذي مني به مشروع الأخير، من جهة، والذي رافقه إقرارٌ دولي بحجم الضرر الذي أحدثته حرب حفتر على العاصمة الليبية، على الجهود المبذولة للحل، حينما كانت الأمم المتحدة وسلامة على وشك إطلاق ورعاية مؤتمر وطني جامع في مدينة غدامس (غرب ليبيا) من جهة ثانية. وتدل الدعوة الدولية لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا، على محاولة إعادة بلورة رؤية جديدة تتعلق بأزمة هذا البلد، وفق المستجدات التي فرضها واقع الميدان جنوب طرابلس.

وفي هذا الصدد، كشف مصدر حكومي رفيع من طرابلس، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن استعداد العاصمة الألمانية برلين لاستضافة المؤتمر الدولي المقترح، لافتاً إلى أن ترشح ألمانيا جاء بسبب موقفها المحايد من الأزمة الليبية، والمسافة الوسطية التي تأخذها برلين من الأطراف المتقاتلة.

من جهته، أشار الأستاذ الجامعي الليبي المتخصص في العلوم السياسية، خليفة الحداد، إلى أن البعثة الأممية بدأت، وبشكلٍ أكثر صراحة خلال الآونة الأخيرة، تقر بأن السبب المباشر في استمرار الصراع الليبي هو تعارض المصالح الخارجية بشأن ليبيا. ورأى الحداد أن "الخطة أو المقترح الذي أعلن عنه سلامة يرجئ حديث الأطراف الليبية إلى المرحلة الثالثة، ليأتي في الترتيب بعد مرحلة التفاهم بين الأطراف الخارجية".

وقال الخبير الليبي خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إنه "فضلاً عن الانحياز المكشوف لأطراف إقليمية لحفتر سياسياً وعسكرياً، لم تعد خافية اليوم مواقف باريس أو واشنطن المشابهة"، معتبراً أن تبدل موقفي فرنسا والولايات المتحدة اليوم جاء نتيجة واضحة لفشل المشروع العسكري الذي دعمته، متسائلاً حول قدرة هاتين الدولتين على الحفاظ على موقع لحفتر في أي تفاهم مقبل بعدما فضحه فشله؟

وعلى الرغم من دخول مقترح سلامة مرحلة التنفيذ بعد هدنة "الأضحى"، إلا أن المبعوث الأممي فشل حتى الآن في تحويل هذه الهدنة إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار، فيما يرى مراقبون أن الهدنة لم تسر أصلاً، لأن محاور القتال كانت تعيش حالة هدوء منذ فترة، من دون إغفال التصريحات والمواقف المتناقضة التي صدرت عن قادة محوري القتال بشأن القبول بها في حينها.

من جهتها، رأت الصحافية الليبية، نجاح الترهوني، أن "البعثة، ومن ورائها المجتمع الدولي، لم تكن تعول على استمرار الهدنة، لتتحول إلى وقف دائم للقتال، فالمرحلة الثالثة بحسب إعلان سلامة تضمنت حديثاً عن الوقف الدائم، ما يعني أن البعثة كانت على يقين بأن القتال لن يتوقف حالياً". واعتبرت أن توافق الدول الكبرى على عقد ملتقى دولي حول ليبيا، يعني إقرارها بأن بلورة رؤية متفق عليها بشأن ليبيا، سيكون هو المحرك الحقيقي لتوقف القتال، سواء في العاصمة الليبية أو في مناطق أخرى.

ومن وجهة نظر الصحافية الليبية، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن مفتاح الحل الليبي هو رهن اتفاق دولي وتمكن الأطراف الخارجية من وضع صيغة للتفاهم حول مصالحها في هذا البلد.

من جهته، اعتبر الباحث الليبي في الشأن السياسي عبد الرحيم بشير، أن تصريحات مسؤولي عواصم الثقل الدولي، وتلميحات سلامة، تشير إلى طبيعة الحل مسبقاً.
ورأى بشير أن "السفير الأميركي الجديد في ليبيا، ريتشارد نورلاند، شدد في أول حديث له على ضرورة وقف القتال، وعلى حق جميع الليبيين في الاستفادة من ثروات بلادهم"، وهي نغمة لم تستخدمها واشنطن في السابق، لكن سبقها إليها سلامة من موسكو (في يونيو/ حزيران الماضي)، حين حدّد سبب الحرب بأنه صراع على الثروات، وأن الحل يكمن في تقاسمها.

ولفت بشير في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن أطرافاً ليبية فاعلة بدأت تعكس في تصريحاتها ما يشير الى استشعارها بشكل الحلول القائمة على تقاسم الثروة، مذكراً بتصريح أخير للرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، حين قال قبل أيام "أنا بالصوت العالي مع النظام الفدرالي".

لكن السؤال الأصعب، بحسب بشير، يبقى يتمثل في مدى تقبل "عامل الفوضى الرئيسي الذي واجه كل الحلول السلمية بالسعي لإفشالها"، أي حفتر، بـ"حل فدرالي في ليبيا لا يمكنه من امتلاك قرار السلاح والعسكر". وبرأيه فإن "الإجابة يجب أن تعكسها تصريحات داعميه في القاهرة وأبوظبي وباريس".