طرد الدبلوماسيين الروس من أميركا... مفعول فوري لبولتون؟

27 مارس 2018
بولتون لا يأخذ بقصة التدخل الروسي بالانتخابات (دارين مكوليستر/Getty)
+ الخط -


مرة أخرى يفاجئ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجميع. قراره بطرد 60 من الدبلوماسيين الروس من أميركا، للرد على عملية تسميم سيرغي سكريبال العميل الروسي المزدوج المقيم في لندن، جاء من خارج التوقعات، بحجمه وتوقيته وحيثياته.

في البداية نأى الرئيس عن أخذ موقف من الحادثة. لم يذهب إلى أكثر من التضامن الخجول مع الحكومة البريطانية، مع أنّ معطيات عملية التسميم غير بعيدة عن الواقع، ولم يقم بخطوته تلك، إلا بعد أن تكاثرت الضغوط والمطالبات.

ومع ذلك، تجاوز ترامب بقراره، حادثة مهاتفة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتهنئته بفوزه في الانتخابات الرئاسية، بالرغم من تحذير مستشاره للأمن القومي إتش آر مكماستر، آنذاك، وحثه على صرف النظر عن مثل هذه المبادرة.

وقد أثارت مكالمة ترامب بوتين، نقمة واسعة في صفوف الديمقراطيين والجمهوريين، رد عليها بالقول إنّ التهنئة كانت بروتوكولية، وتحسين العلاقات مع موسكو يخدم مصالح أميركا. وقبل ذلك كان قد رفض تنفيذ حزمة عقوبات جديدة أقرها الكونغرس ضد روسيا، بحجة أنّه لا حاجة لها الآن.

لكن فجأة اتخذ ترامب، قرار الطرد الواسع الذي بدا أقرب إلى عنوان سياسة جديدة منه إلى الرد المتأخر على عملية وقعت منذ أسبوعين. فما استوقف فيه، كان العدد الذي جاوز ثلاثة أضعاف الدبلوماسيين الروس الذين طردتهم بريطانيا نفسها التي وقعت العملية على أرضها.

كذلك كان من اللافت أنّ بيان البيت الأبيض، ربط في حيثيته بين الحجم وبين رغبة الإدارة في "تقليص قدرة موسكو على التجسس ضد الأميركيين". وهذا كلام غير مألوف في خطاب ترامب عن موسكو بوتين. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تأخر البيت الأبيض بهذه الخطوة إلى اليوم؟


واقع الحال، أنّ القرار ليس أقل من خطوة تصعيد مع الكرملين، تدشّن مرحلة جديدة، وتتزامن مع مجيء جون بولتون إلى البيت الأبيض، ولو أنّه لم يبدأ مهمته الرسمية بعد في منصب مستشار الأمن القومي، والتي يباشرها يوم 9 أبريل/نيسان المقبل، التاريخ الذي يصادف الذكرى الـ15 لسقوط بغداد، في حرب ديك تشيني – جون بولتون، وبقية المحافظين الجدد على العراق.

تصعيد ساهمت فيه ضغوط سياسية من الكونغرس، وغيره من الدوائر النافذة التي طالما اتهمت ترامب بالتغاضي عن تجاوزات موسكو، سواء في تدخلها المحتمل بانتخابات الرئاسة عام 2016، أو في الساحة الدولية.

ووصلت هذه التهمة إلى حدّ القول إنّ ترامب "يخاف بوتين... ربما لأنّ لدى هذا الأخير مستمسكات تفضح ترامب"، على حد تعبير جون برانون مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. كلامه هذا ترك أصداء واسعة لأنّ ما يعرفه بحكم الموقع الذي شغله، من خفايا وأسرار، لا يعلمه غيره في واشنطن، إلا قلة في عالم الاستخبارات الأميركية.

خطوة طرد ترامب 60 روسياً من واشنطن، بدت كمحاولة لدحض هذه التهمة، وإذا كانت الخطوة جدّية، حسب ما ألمح بيان البيت الأبيض، فمن المتوقع أن تتفاقم العلاقات بين بوتين وإدارة ترامب. وفي هذه الحالة ليس من المجازفة القول، إنّ الخلاف هذا سيلقى ترجمته القريبة في تعنيف الحروب بالوكالة بينهما، في ساحات معينة على رأسها سورية.

لكن لوحظ أنّ موسكو تريّثت في الرّد على واشنطن، والذي كان من المفترض أن يأتي سريعاً وبنفس العيار وربما أكثر. فهل تفهمت روسيا حاجة ترامب إلى خطوة من هذا النوع لتنفيس الضغوط المتكاثرة عليه، القانونية منها والمسلكية؟


وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ بولتون لا يأخذ بقصة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، كما سبق له أن ألقى كلمة بالفيديو عام 2013 أمام جمعية روسية، تطالب بحق حيازة السلاح الفردي، ويرأسها فرد تطاوله التحقيقات في قضية التدخل الروسي بالانتخابات التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر.

المؤكد أنّ العلاقات الأميركية الروسية الراهنة، فيها من التوتر بقدر ما فيها من الألغاز. ويفصل بين الاثنين خيط رفيع يمسك به ترامب وبوتين. فهل يصمد هذا الخيط، في ظل الحرب الدبلوماسية الجارية؟