قطر وتركيا: تعاون استراتيجي

20 ديسمبر 2014
تلتقي مواقف البلدين في ملفات سياسيّة خارجيّة عديدة (الأناضول)
+ الخط -

تشكّل زيارة أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى أنقرة، وتوقيعه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على اتفاقية اللجنة الاستراتيجية العليا بين تركيا وقطر، نقلة نوعيّة ومستوى متطوراً في العلاقات الثنائيّة، ورسالة واضحة، من الدوحة، أنّها تعمل على تنويع خياراتها الاستراتيجيّة، وتحالفاتها الدولية، وتؤكد استقلالية سياستها الخارجية التي تنبع من مصالحها الوطنية، في منطقة مشتعلة، تهددها الأخطار من كل جانب. وتأتي هذه الخطوة بعد نجاح الدوحة مع شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي، في تجاوز أزمة سياسية، دامت أكثر من ثمانية أشهر.

وتشهد العلاقات بين الدوحة وأنقرة، ازدهاراً كبيراً على الصعيد السياسي والدبلوماسي، إذ يشكل التحالف القطري التركي حجر الأساس في السياسة الخارجية للبلدين، تجاه قضايا الشرق الأوسط. ويؤشّر اتساع العلاقة الاستراتيجيّة بين الدوحة وأنقرة، إلى طور جديد في العلاقة بين البلدين، اللذين التقت مواقفهما السياسية في ملفات سياسيّة خارجيّة عديدة، وخصوصاً بشأن ما يجري في سورية والعراق، وما يتعلّق بالعدوان الإسرائيلي المتكرّر على الشعب الفلسطيني، والحروب على قطاع غزة المحاصر، والموقف من الربيع العربي، إذ دعمت الدوحة وأنقرة طموحات الشعوب العربيّة في الحريّة والديمقراطيّة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

وفيما احتلّ الجانب الاقتصادي، وخصوصاً ملف الطاقة والاستثمار، حيزاً كبيراً في أجندة زيارة أمير قطر إلى أنقرة، فإن مدلولات الإعلان عن تدشين المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي، لا يمكن أن يتجاوزها أحد، في وقت تواجه فيه منطقة الشرق الأوسط أكثر من تحدٍ، أبرزها تحدّي مواجهة الإرهاب الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، في العراق وسورية.

ولم يغفل بيان الرئاسة التركيّة، الإشارة إلى أنّ تأسيس اللجنة الاستراتيجة العليا بين البلدين ، يهدف إلى "رفع العلاقات إلى أعلى مستوياتها، في إطار مؤسّسي للعلاقات الثنائية". وكان أردوغان قد أعلن خلال زيارته الدوحة، في سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ كلاً من بلاده ودولة قطر "تقود حملة اقتصادية وتنموية مهمة على مستوى المنطقة"، لافتاً إلى أنّ "رؤية تركيا وقطر للمسائل الإقليميّة تتقاطع بشكل كبير، وأن علاقتهما الثنائية شهدت تطوّراً كبيراً للغاية في السنوات الأخيرة، كما أنها آخذة في الازدياد". ولم يفت أردوغان الإشارة إلى اهتمام "بلاده بأعمال البنية التحتية والفوقية الخاصة بتنظيم مسابقة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها قطر عام 2022".

ووقعت قطر وتركيا خلال زيارة أردوغان إلى الدوحة، اتفاقية جديدة للطاقة، تنص على أن تستورد تركيا ما مجموعه 1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من دولة قطر، عبر 9 ناقلات نفط، خلال فصل الشتاء الحالي، وهو ما سيغطي جزءاً بسيطاً من احتياجات تركيا السنوية من الغاز الطبيعي التي تبلغ 45 مليار متر مكعب.
ويطمح البلدان إلى زيادة التبادل التجاري، وتشهد العلاقات بين الطرفين ازدهاراً ملحوظاً، إذ بلغ حجم التجارة عام 2013 بين البلدين 769 مليون دولار، وتضاعف حجم التبادل التجاري نحو 50 مرة منذ وصول حزب "العدالة والتنمية"، إلى الحكم عام 2002، ليصل إلى 1.3 مليار دولار في العام الحالي.

ومعلوم أن قطر تستورد من تركيا المعدات الكهربائية والميكانيكية، إضافة إلى الأثاث ومعدات الإضاءة والحديد والصلب. في حين تُعدّ منتجات الألومنيوم والبلاستيك والجلود والمنتجات الكيميائية العضوية والوقود المعدني والزيوت، أهمّ وارداتها من قطر. وتجري الدوحة وأنقرة مفاوضات، حول تنويع الاستثمارات القطرية في تركيا، حيث يبلغ حجم الاستثمارات القطرية في تركيا 740 مليون دولار. وحسب المعلومات الصادرة عن وزارة الاقتصاد التركية، فإن الدوحة تسعى إلى الاستثمار في  "ميناء درينجه" ومحطة "ياتاغان" الحرارية، بالإضافة إلى الأرض المجاورة لبورصة إسطنبول. كما تتجه الدوحة إلى الاستثمار، في مشروع محطة "أفيشن بستان" الحرارية المقدرة باستثمار قيمته بـ 12 مليار دولار، وقد بلغت المفاوضات حول هذا المشروع مرحلتها الأخيرة.

وتنظر تركيا إلى قطر كمورد مهم للمساهمة في تنويع واردات الطاقة التركية وتحقيق أمن الطاقة في البلاد وتثبيت موقع تركيا، كمنطقة عبور رئيس لواردات الطاقة الأوروبية، بعد اتفاقات وقعتها تركيا مع كل من روسيا وأذربيجان، والبدء بإنشاء خط تاناب لنقل الغاز من حقول شاه دينيز على بحر قزوين في أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا.

المساهمون