قراءة سياسية في انتخابات نقابة الصحافيين المصريين

23 مارس 2017
صحافيون مصريون خلال الانتخابات النقابية (Getty)
+ الخط -

لطالما شكّلت نقابة الصحافيين المصريين انعكاساً للأوضاع السياسية المصرية، خلافاً للسائد من أن إلمام الصحافيين بمفاصل الأمور في الدولة بحكم طبيعة عملهم، ميّز نقابتهم وجعلهم قادرين على السير عكس التيار أحياناً. إلا أن اتجاهات اختيار الصحافيين المصريين لنقبائهم منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، كشفت أن الاختيارات كانت تتم بمواءمة شديدة مع التيار السياسي السائد. ففي أواخر عام 2009 خاض انتخابات نقيب الصحافيين رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحد أوجه المعارضة آنذاك، ضياء رشوان، ضد نقيب الصحافيين آنذاك مكرم محمد أحمد، الذي فاز.

إثر ذلك، خاض رشوان مباشرة انتخابات مجلس الشعب المصري عام 2010 على مقعد أرمنت بمحافظة الأقصر، جنوبي مصر، لكنه رسب نيابياً، واتهم الحزب الوطني الحاكم آنذاك بتزوير الانتخابات. ثم في ثورة يناير، وعقب الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، تمكن الصحافيون الغاضبون من إجبار أحمد على الرحيل من النقابة.

أما بعد ثورة يناير، ومع أول انتخابات للنقابة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، فقد خسر الصحافي يحيى قلاش، أمام الصحافي ممدوح الولي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، التي استأثرت آنذاك بمعظم مقاعد البرلمان المصري، وكانت تمهّد للنجاح في انتخابات الرئاسة.

حسم الولي الفوز بمنصب نقيب الصحافيين، بعد تقدمه بفارق قرابة 300 صوت، بعد حصوله على 1716 صوتاً مقابل 1406 أصوات، في انتخابات شهدت إقبالاً كثيفاً من أعضاء الجمعية العمومية. ووقّع 3127 عضواً على كشوف الحاضرين بما يتجاوز النصاب المقرر وهو 2959 عضواً، وفتح باب التصويت باللجان.

بعدها، أثناء التجهيز لحركة "تمرد" التي كانت أساسية في أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013 ومن بعدها انقلاب 3 يوليو/ تموز من العام عينه، فاز ضياء رشوان بمنصب نقيب الصحافيين في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في 15 مارس/ آذار 2013، على منافسه عضو الحزب الوطني المنحل سابقاً، الصحافي عبد المحسن سلامة، بـ1280 صوتاً، في مقابل 1015 صوتاً حصل عليهم سلامة من جملة الأصوات الصحيحة التي بلغت 2339 صوتاً.



كان رشوان وجهاً مناسباً لطبيعة مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري في مصر، فقد كان أحد أبرز الإعلاميين الموالين للنظام الحاكم الجديد. وفي عهده، أبرم مع معظم رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة والحزبية في مصر، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، ما يعرف بـ"وثيقة رؤساء التحرير"، في اجتماع ضمهم بمقر حزب الوفد المصري، على خلفية تفجير حصل في سيناء آنذاك. وقرر المجتمعون "التوقف عن نشر البيانات الصادرة التي تدعم الإرهاب وتدعو إلى تقويض مؤسسات الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر والتعامل بموضوعية ودون مبالغة مع أخبار التظاهرات التخريبية لجماعة الإخوان داخل الجامعات وخارجها، ووضع آلية للتنسيق المشترك بين الصحف كافة لمواجهة المخططات الإرهابية والسعي إلى اتخاذ الإجراءات لمواجهة هذه المخططات التي من شأنها منع تسلل العناصر الداعمة للإرهاب إلى الصحافة ومواجهة الثقافة المعادية للثوابت الوطنية".

وهو البيان الذي اعتبره صحافيون مستقلون "تأميماً للصحافة في مصر"، ووقّع أكثر من 487 صحافياً منهم على بيان ضد إعلان رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة والحزبية ونقيب الصحافيين، شددوا فيه على أن ما صدر عن اجتماع رؤساء التحرير "ردة عن حرية الصحافة، وقتل متعمد للمهنة، وإهدار لكرامة الصحافي، وانتصار للإرهاب، عبر إعلان التخلي الطوعي عن حرية الرأي والتعبير".



ثم في مارس 2015، تمكن قلاش من انتزاع لقب نقيب الصحافيين بإجمالي 1950 صوتاً، على رشوان الذي حصل على 1077 صوتاً، في انتخابات وصفها صحافيون بأنها جاءت لصالح قلاش كـ"تصويت عقابي لضياء رشوان على مجمل عهده في النقابة"؛ إذ شهدت فترة توليه النقابة سقوط قتلى ومصابين وعشرات الاعتقالات بين الصحافيين دون موقف جاد وصارم من النقابة، كما شهدت فترة توليه استقالات داخل المجلس، مثل النقابية عبير السعدي.

ثم مع كل الأزمات التي افتعلتها الحكومة مع منظمات المجتمع المدني والنقابات في مصر، على مدار العامين الماضيين، ودعم مرشح جريدة "الأهرام" القومية وعضو الحزب الوطني المنحل، من مؤسسات الدولة، كان طبيعياً أن يحل عبد المحسن سلامة في انتخابات الصحافيين في 17 مارس الحالي، التي أطاحت بقلاش وعضو المجلس ومنسق لجنة الحريات فيها، خالد البلشي، الذي قضى أربعة أعوام في النقابة يصدر تقارير صادمة عن أوضاع الصحافيين والحقوق والحريات بشكل عام.

هذا الطرح، اتفق معه النقابي المصري، صاحب أعلى نسب تصويت في انتخابات مجلس النقابة، منسق لجنة الحريات الأسبق، محمد عبد القدوس، الذي أكد أن "الصحافيين يشكلون الرأي العام في مصر بصورة تعكسها اختياراتهم وتوجهاتهم الانتخابية".

وأضاف عبد القدوس أنه "كان طبيعياً أن تتم الإطاحة بنقابي وصحافي مثل خالد البلشي، كما تمت الإطاحة بيحيى قلاش، في وقت أغرى فيه النظام جموع الصحافيين بزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة"، كما كان متبعاً في الانتخابات السابقة التي يخوض المنافسة فيها مرشح للدولة على غرار عبد المحسن سلامة. و"بدل التدريب والتكنولوجيا"، هو عبارة عن مخصصات مالية شهرية لأعضاء نقابة الصحافيين من قبل المجلس الأعلى للصحافة (جهة حكومية)، وقيمته نحو 82 دولاراً أميركياً.

يذكر أن الدولة تحصل على نسبة 36 في المائة من نسبة ضرائب وإعلانات الصحف التي تقدر بالمليارات، مقابل أن يحصل الصحافيون على "البدل". وأصبحت قيمة البدل بعد قرار التعويم لا تتجاوز 50 في المائة. وهناك المئات من الصحافيين المصريين، سواء كانوا بالصحف الحزبية المتوقفة أو بعض المؤسسات الخاصة، يعيشون بلا دخل مادي بعد توقف صحفهم أو تشريدهم وفصلهم تعسفياً. وفعلياً، إن "بدل التدريب والتكنولوجيا" وسيلة ضغط حكومية دائمة على الصحافيين.

دلالات