شهدت تونس، أمس الأربعاء، ثالث عملية تداول سلمي للسلطة بين الرئيس المؤقت محمد الناصر والرئيس الجديد المنتخب قيس سعيد، إذ سبق أن تسلم الرئيس الأسبق منصف المرزوقي السلطة من سلفه فؤاد المبزع قبل أن يسلمها بدوره للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وتكرّس تونس مرة أخرى وجودها في نادي الدول الديمقراطية التي تشهد انتخابات وتداولاً سلمياً للسلطة، فضلاً عن الاحتكام إلى الصندوق في التنافس على الحكم. ونجحت تونس بامتياز في انتخاب رئيس جديد في الآجال الدستورية المحددة دستورياً بـ 90 يوماً، وهو ما يحسب أساساً للهيئة المستقلة للانتخابات وبقية الهيئات والمؤسسات الدستورية، لكنه يسجل أيضاً للرئيس المؤقت محمد الناصر، الذي أصر على ألا يزيد وجوده في المنصب يوماً واحداً بعد الآجال ودفع الجميع في هذا الاتجاه.
وأدى سعيد اليمين الدستورية، أمس الأربعاء، أمام البرلمان قبل أن يتسلم مهامه رسمياً في قصر قرطاج، مقدماً في كلمته أمام النواب جملة من التعهدات والتطمينات حاول فيها المزج بين تمسكه بالشعارات والتعهدات التي رفعها خلال حملته الانتخابية وبين متطلبات الواقع التونسي.
اقــرأ أيضاً
وأكد سعيّد أن "ما يعيشه التونسيون والتونسيات اليوم أذهل العالم بأسره لأنه قام بثورة حقيقة بمفهوم جديد، لأن الثورات تقوم ضد الشرعية ولكن ما حصل في تونس هو ثورة حقيقة بأدوات الشرعية ذاتها". ولفت الرئيس التونسي إلى أن "الثورات ليست كتباً تنشر أو مناشير توزع بل هي وعي جديد يتفجر بعد سكون ظاهر وانتظار طويل، وهي لحظة تاريخية يتغير فيها مسار التاريخ…". وأشار إلى أنه تم "بذل جهود مضنية في المدن والقرى والأرياف والجبال والسهول تحت أشعة الشمس الحارقة لأنهم أقرّوا العزم على المضي قدماً في صنع تاريخ جديد بل هم آثروا الموت من أجل الحياة والحرية والكرامة".
ووجه سعيد جملة من الرسائل الهامة للداخل والخارج، مؤكداً أنه "لا مجال للتسامح في مليم واحد من عرق الشعب العظيم"، وأن "رصاصة واحدة من إرهابي ستواجه بوابل من الرصاص الذي لا يحدّه عد ولا إحصاء". كما شدد على أنه "لا مجال لأي عمل خارج إطار القانون… ولا مجال للعودة إلى الوراء أو المساس بحقوق المرأة".
وطمأن سعيد أصدقاء تونس المتوجسين في الخارج من أن الدولة مستمرة في كل تعهداتها والتزاماتها، ملمحاً إلى أنه لا ضرر من مراجعة بعضها بما يخدم مصالح الجميع. من جهة ثانية، لفت إلى التزام تونس بنصرة كل القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مؤكداً أن "الحق الفلسطيني لن يسقط كما يتوهم الكثيرون بالتقادم". وشدد على أنه "ليس موقفاً من اليهود، لكنه موقف من الاحتلال المتواصل منذ أكثر من قرن".
ولم يفوّت سعيّد خطاب الافتتاح بدون التوقف عند الزخم الشعبي الذي دفعه إلى سدة الحكم، قائلاً إنه "آن الأوان لتصور سبل جديدة لتحقيق آمال الشعب في الشغل والحرية والكرامة". وأشار الرئيس الجديد إلى أن التونسيين الذين ضحوا بدمائهم من أجل الحرية، مستعدون لأن يفدوه بالعمل والمال، وأن الكثيرين في تونس وخارجها عبروا عن إرادتهم للتبرع بيوم عمل شهرياً ولمدة 5 سنوات، "حتى تفيض خزائن الدولة، ولتخليص البلاد من الديون والقروض… ولكن التونسيين والتونسيات في حاجة فقط إلى علاقة ثقة جديدة، بين الحكام والمحكومين.. فليساهم الجميع في هذه العلاقة التي افتقدوها منذ زمن بعيد".
وبينما يثير حديث سعيد هذا تساؤلات عما إذا كان التونسيون مستعدون مرة أخرى لكبت مطالبهم ريثما تتحسن الأحوال، فإن ما هو ثابت أن هناك آمالاً جديدة أنعشت الشارع التونسي الذي خرج لتنظيف الشوارع والمدن والمدارس والمعاهد والمستشفيات. وأطلق سلسلة من المبادرات الشعبية المختلفة لتطوير أداء العديد من المؤسسات، ما دفع سعيد إلى الحديث عن ثورة ثقافية، لكن يبرز السؤال هنا أيضاً عما إذا كان الواقع السياسي والحزبي المعقد سيدفع هذه الثورة الى الأمام أو يحبطها مرة أخرى.
وبدأ سعيد عهدته الجديدة ومواجهة الواقع التونسي الصعب، متحملاً ثقل الوعود الكبيرة التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية والرهانات التي وضعت عليه من غالبية التونسيين.
وسيصطدم سعيّد مباشرة في يوم حكمه الأول بمهمة تيسير تشكيل الحكومة الجديدة. ويرى المحلل السياسي، حمزة المدب، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه على الرغم من كون رئيس الجمهورية غير معني بهذا الأمر مباشرة، نظراً لأن تشكيل الحكومة مهمة الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية أي حركة النهضة، لكن سعيّد معني بصفة غير مباشرة بتشكّل حكومة تضمن حداً أدنى من الاستقرار، وتنطلق في العمل على الملفات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة. واعتبر أنه من المهم جداً على الرئيس، وفي غضون 48 ساعة من توليه مهامه، حثّ "النهضة" على تكوين الحكومة ومحاولة الخروج من حالة الانتظار. ولفت المدب إلى أن الرئيس مطالب بمتابعة مسار تشكيل الحكومة والصعوبات التي ستطرأ، مبينا أنه لا بد له أن يبقى على مسافة من الجميع، فتونس مقبلة على مرحلة مهمة وتحديات اقتصادية عديدة. وأشار إلى أنّ المهمة الثانية أمام سعيد هي تكوين طاقم رئاسي وفريق من المستشارين العاملين معه، إذ لا أحد يعرف حتى الآن من سيشتغل معه، ومن سيكون المتحدث الرسمي باسم الرئاسة. وبرأيه فإن هذا الأمر مهم جداً في استشراف الخيارات السياسية الكبرى لسعيّد ومن سيرافقه في قصر قرطاج. كما أشار إلى أنّ تسمية وزراء في نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية، تحديداً في وزارتي الدفاع والخارجية، بالتشاور مع رئيس الحكومة، سيكشف عن أبرز الشخصيات التي ستكون على رأس وزارات سيادية، فإما أن يعتمد على قيادات من داخل الوزارات أو من خارجها أو خبراء، وبالتالي هناك خيارات كبرى لأجندة الرئيس بعد أداء القسم. وبالنسبة إليه، فإن وقت الشعارات انتهى وحان وقت تجسيد البرامج. وتوقف عن صعوبة تغيير النظام السياسي، كما ينادي سعيّد، مشيراً إلى أنها شعارات غير قابلة للتجسيد وفق الدستور والمرحلة الحالية. ولفت إلى أن هناك أولويات أمام الرئيس، ومن المهم معرفتها وستتضح في الأيام القليلة المقبلة بعيداً عن الشعارات التي لا يمكن تطبيقها. كما أشار إلى أنه يوجد زخم شعبي والتفاف حول سعيد، ومن المهم معرفة كيف سيستثمرهما الرئيس الجديد.
من جهته، أكد الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ من أبرز التحديات والصعوبات التي تنتظر الرئيس الجديد الوضع الأمني، لافتاً إلى أنه من صلب اختصاصه. وشدد على أن سعيّد مطالب باتخاذ إجراءات مرتبطة بالتحديات الأمنية، إلى جانب العلاقات الخارجية والوضع الإقليمي وتوضيح السياسة الدبلوماسية التي ستتبعها تونس، مبيناً أنه على المستوى الاجتماعي سبق أن وعد رئيس الجمهورية في حملته الانتخابية بتقديم مبادرات والتركيز على الدور الاجتماعي للدولة من خلال مبادرات تشريعية.
وأوضح المغزاوي أنّ هناك تطمينات يجب تقديمها من قبل رئيس الدولة، إذ ظهرت حالة تجييش ضد بعض السياسيين والاتحاد العام التونسي للشغل. كما أن هناك محاولات للعنف، ولا بد أن يبرز سعيّد أنه راع للدولة الديمقراطية وسيحافظ على مكتسبات التونسيين، وهي رسائل لا بد من توجيهها من قبل الرئيس من وجهة نظره.
وأفاد الأمين العام لحركة الشعب بأنّ هناك دائماً فرق بين الشعارات التي رفعت في الحملة الانتخابية وبين مواجهة الحقيقة والواقع. وأشار إلى أن التحدي الكبير المطروح على سعيّد هو أن يكون وفياً للشعارات التي رفعت خلال حملته. واعتبر أن الرئيس نجح في خلق حالة إيجابية وساهم بعودة الشباب والشعب التونسي للشأن السياسي. وبرأيه فإن هذا الأمر إيجابي، وجعل التغيير بصندوق الاقتراع ممكناً. وحذر من أنه لا يجب أن يشعر الشباب بإحباط جديد، وهذا أكبر تحدٍ سيواجهه سعيد.
اقــرأ أيضاً
ووجه سعيد جملة من الرسائل الهامة للداخل والخارج، مؤكداً أنه "لا مجال للتسامح في مليم واحد من عرق الشعب العظيم"، وأن "رصاصة واحدة من إرهابي ستواجه بوابل من الرصاص الذي لا يحدّه عد ولا إحصاء". كما شدد على أنه "لا مجال لأي عمل خارج إطار القانون… ولا مجال للعودة إلى الوراء أو المساس بحقوق المرأة".
وطمأن سعيد أصدقاء تونس المتوجسين في الخارج من أن الدولة مستمرة في كل تعهداتها والتزاماتها، ملمحاً إلى أنه لا ضرر من مراجعة بعضها بما يخدم مصالح الجميع. من جهة ثانية، لفت إلى التزام تونس بنصرة كل القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مؤكداً أن "الحق الفلسطيني لن يسقط كما يتوهم الكثيرون بالتقادم". وشدد على أنه "ليس موقفاً من اليهود، لكنه موقف من الاحتلال المتواصل منذ أكثر من قرن".
ولم يفوّت سعيّد خطاب الافتتاح بدون التوقف عند الزخم الشعبي الذي دفعه إلى سدة الحكم، قائلاً إنه "آن الأوان لتصور سبل جديدة لتحقيق آمال الشعب في الشغل والحرية والكرامة". وأشار الرئيس الجديد إلى أن التونسيين الذين ضحوا بدمائهم من أجل الحرية، مستعدون لأن يفدوه بالعمل والمال، وأن الكثيرين في تونس وخارجها عبروا عن إرادتهم للتبرع بيوم عمل شهرياً ولمدة 5 سنوات، "حتى تفيض خزائن الدولة، ولتخليص البلاد من الديون والقروض… ولكن التونسيين والتونسيات في حاجة فقط إلى علاقة ثقة جديدة، بين الحكام والمحكومين.. فليساهم الجميع في هذه العلاقة التي افتقدوها منذ زمن بعيد".
وبينما يثير حديث سعيد هذا تساؤلات عما إذا كان التونسيون مستعدون مرة أخرى لكبت مطالبهم ريثما تتحسن الأحوال، فإن ما هو ثابت أن هناك آمالاً جديدة أنعشت الشارع التونسي الذي خرج لتنظيف الشوارع والمدن والمدارس والمعاهد والمستشفيات. وأطلق سلسلة من المبادرات الشعبية المختلفة لتطوير أداء العديد من المؤسسات، ما دفع سعيد إلى الحديث عن ثورة ثقافية، لكن يبرز السؤال هنا أيضاً عما إذا كان الواقع السياسي والحزبي المعقد سيدفع هذه الثورة الى الأمام أو يحبطها مرة أخرى.
وسيصطدم سعيّد مباشرة في يوم حكمه الأول بمهمة تيسير تشكيل الحكومة الجديدة. ويرى المحلل السياسي، حمزة المدب، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه على الرغم من كون رئيس الجمهورية غير معني بهذا الأمر مباشرة، نظراً لأن تشكيل الحكومة مهمة الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية أي حركة النهضة، لكن سعيّد معني بصفة غير مباشرة بتشكّل حكومة تضمن حداً أدنى من الاستقرار، وتنطلق في العمل على الملفات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة. واعتبر أنه من المهم جداً على الرئيس، وفي غضون 48 ساعة من توليه مهامه، حثّ "النهضة" على تكوين الحكومة ومحاولة الخروج من حالة الانتظار. ولفت المدب إلى أن الرئيس مطالب بمتابعة مسار تشكيل الحكومة والصعوبات التي ستطرأ، مبينا أنه لا بد له أن يبقى على مسافة من الجميع، فتونس مقبلة على مرحلة مهمة وتحديات اقتصادية عديدة. وأشار إلى أنّ المهمة الثانية أمام سعيد هي تكوين طاقم رئاسي وفريق من المستشارين العاملين معه، إذ لا أحد يعرف حتى الآن من سيشتغل معه، ومن سيكون المتحدث الرسمي باسم الرئاسة. وبرأيه فإن هذا الأمر مهم جداً في استشراف الخيارات السياسية الكبرى لسعيّد ومن سيرافقه في قصر قرطاج. كما أشار إلى أنّ تسمية وزراء في نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية، تحديداً في وزارتي الدفاع والخارجية، بالتشاور مع رئيس الحكومة، سيكشف عن أبرز الشخصيات التي ستكون على رأس وزارات سيادية، فإما أن يعتمد على قيادات من داخل الوزارات أو من خارجها أو خبراء، وبالتالي هناك خيارات كبرى لأجندة الرئيس بعد أداء القسم. وبالنسبة إليه، فإن وقت الشعارات انتهى وحان وقت تجسيد البرامج. وتوقف عن صعوبة تغيير النظام السياسي، كما ينادي سعيّد، مشيراً إلى أنها شعارات غير قابلة للتجسيد وفق الدستور والمرحلة الحالية. ولفت إلى أن هناك أولويات أمام الرئيس، ومن المهم معرفتها وستتضح في الأيام القليلة المقبلة بعيداً عن الشعارات التي لا يمكن تطبيقها. كما أشار إلى أنه يوجد زخم شعبي والتفاف حول سعيد، ومن المهم معرفة كيف سيستثمرهما الرئيس الجديد.
وأوضح المغزاوي أنّ هناك تطمينات يجب تقديمها من قبل رئيس الدولة، إذ ظهرت حالة تجييش ضد بعض السياسيين والاتحاد العام التونسي للشغل. كما أن هناك محاولات للعنف، ولا بد أن يبرز سعيّد أنه راع للدولة الديمقراطية وسيحافظ على مكتسبات التونسيين، وهي رسائل لا بد من توجيهها من قبل الرئيس من وجهة نظره.
وأفاد الأمين العام لحركة الشعب بأنّ هناك دائماً فرق بين الشعارات التي رفعت في الحملة الانتخابية وبين مواجهة الحقيقة والواقع. وأشار إلى أن التحدي الكبير المطروح على سعيّد هو أن يكون وفياً للشعارات التي رفعت خلال حملته. واعتبر أن الرئيس نجح في خلق حالة إيجابية وساهم بعودة الشباب والشعب التونسي للشأن السياسي. وبرأيه فإن هذا الأمر إيجابي، وجعل التغيير بصندوق الاقتراع ممكناً. وحذر من أنه لا يجب أن يشعر الشباب بإحباط جديد، وهذا أكبر تحدٍ سيواجهه سعيد.