جولة ظريف إلى أنقرة وموسكو: هذه أبرز الملفات والنتائج

17 يونيو 2020
اختتم ظريف زيارته لموسكو اليوم (Getty)
+ الخط -

تحت ضغط تصعيد أميركي ملحوظ ضد إيران في الآونة الأخيرة، في أكثر من ملف واتجاه، رغم صفقة تبادل سجناء بلا مردود سياسي، وحديث أميركي معسول عن إمكانية التفاوض للتوصل إلى "صفقة كبرى"، كسر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الحظر الذي فرضه فيروس كورونا على تحركاته منذ أربعة أشهر، ليبدأ جولة دبلوماسية، الإثنين الماضي، متوجهاً إلى كل من تركيا وروسيا، فمكث يوم الاثنين في أنقرة والتقى مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، وأجرى معه مباحثات مضغوطة، ثم توجه الثلاثاء نحو العاصمة الروسية، المحطة الأهم في زيارته، قبل أن يختمها، اليوم الأربعاء، عائداً إلى طهران.

وحملت زيارة ظريف إلى تركيا عناوين متعدّدة، تنوعت بين ملفات ثنائية مشتركة، في مقدمتها العلاقات الاقتصادية وموضوع استئناف تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا بعد عطل أصابه نتيجة تفجير "إرهابي" لخطوط نقله داخل الحدود التركية، وبين ملفات إقليمية عدّة، على رأسها الملف السوري واليمني والليبي. وناقش وزيرا خارجية إيران وتركيا هذه الملفات خلال جولتين من المباحثات التي وصفها ظريف بأنها كانت "بنّاءة"، في تغريدة على "تويتر" بعد مغادرة أنقرة، مشيراً إلى "تبادل وجهات نظر جادة واتخاذ قرارات مثمرة في سياق التعاون الثنائي وحول ملفات إقليمية وعالمية". واعتبر أن "المشاورات عن كثب ضرورة".


وفي ما يتعلق بالملف الاقتصادي الذي يكتسب أهمية كبيرة بالنسبة إلى إيران هذه الأيام على ضوء احتدام مفاعيل العقوبات الأميركية، أشارت تقارير إعلامية إيرانية إلى اتفاق الطرفين على استئناف تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا وتسريع إصلاح خطوط النقل، لكن لا تأكيدات رسمية بهذا الجانب، وسط استمرار الخلافات حول سعر الغاز وعدم إبداء تركيا جدية في استئناف استيراد الغاز الإيراني، بعد تنويع مصادر استيرادها وعقدها اتفاقاً مماثلاً مع روسيا على حساب الاتفاق مع طهران، الذي سينتهي بعد خمسة أعوام. والدليل على ذلك أن إصلاح خطوط النقل لا يستغرق سوى عشرة أيام وليس أكثر من شهرين.


كما ناقش وزير خارجية إيران وتركيا عنواناً اقتصادياً آخر هو إعداد قائمة جديدة للسلع التي تشمل الضرائب التفضيلية بين البلدين، والتوقيع على مذكرة تفاهم حول العقارات والعمارات الدبلوماسية للبلدين.

أما فيما يرتبط بالملف السوري، فكان العنوان الأبرز هو مناقشة ترتيبات عقد قمة "أستانة" افتراضياً خلال الأسابيع المقبلة في العاصمتين، حسب الخارجية الإيرانية، على أن تعقد لاحقاً القمة في طهران في ظروف أفضل من حيث تفشي كورونا.

كما أن الملفين اليمني والليبي كانا قد ألقيا بظلالهما على مباحثات ظريف في أنقرة، فرغم خلافات بين الطرفين حول الملف السوري، إلا أن ثمة اشتراكات على ما يبدو في الموقف من الأزمتين اليمنية والليبية، حسب ما أكد عليه وزير خارجية إيران، قائلاً في مؤتمره الصحافي مع نظيره التركي إن "بين إيران وتركيا وجهات نظر مشتركة حول الحرب والأزمة في اليمن وليبيا".

وفي سياق تناوله الملف الليبي، الذي فرض نفسه هذه الأيام على الأجندات الدولية والإقليمية على ضوء التطورات الميدانية الكبيرة لصالح حكومة الوفاق المعترف بها دولياً والمدعومة تركياً، لم تخل تصريحات ظريف من إشارات دعم للموقف التركي، حيث قال إن بلاده "تدعم الحكومة الشرعية والقانونية في ليبيا"، داعياً إلى إنهاء الحرب فيها، والتنسيق والتعاون بين دول المنطقة لـ"إرساء السلام" فيها.

ثم غادر ظريف أنقرة متوجهاً إلى موسكو لاستكمال مباحثاته في العنوان المشترك للزيارة إلى البلدين، أي الملف السوري، في ما يخص موضوع عقد قمة "أستانة" افتراضياً. لكن رغم تأكيد إيراني أن القمة ستعقد قريباً عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، فلا موعد محددا لها بعد، مما يعني أن الاتفاق بشأن التوقيت لم يحصل بعد.

فضلاً عن ذلك، فالموضوع الآخر الأكثر أهمية، المرتبط بالملف السوري والذي فرض نفسه بقوة على أجندة مباحثات ظريف في موسكو مع نظيره سيرغي لافروف، هو بدء دخول قانون "قيصر" الأميركي ضد النظام السوري وحلفائه، باعتباره مستجداً هاماً يستهدف الدولتين الحليفتين لهذا النظام. وفي هذا الصدد، اختار الوزير الإيراني توجيه رسائل من عاصمة الحليف الروسي حول القانون الأميركي، ليؤكد على رفضه للقانون، قائلاً إن بلاده لديها "روابط اقتصادية قوية" مع دمشق و"هي تمتلك خطأ ائتمانياً في إيران"، ومشدداً على أن طهران "ستفعّل جميع أدوات التعاون الاقتصادي مع سورية" في مواجهة قانون "قيصر".

ولم تحمل تصريحات الوزيرين إشارات إلى عمل إيراني وروسي مشترك في مواجهة القانون الأميركي، ولعل الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة توضّح ما يمكن أن يفعله الحليفان للنظام السوري لمساعدته في مواجهة تداعيات القانون على مختلف الأصعدة.

وتناولت مباحثات ظريف مع لافروف، قضايا أخرى تكتسب أهمية قصوى بالنسبة للجانب الإيراني، لحاجتها الماسة إلى تنسيق المواقف بشأنها مع روسيا للحصول على دعمها في مواجهة المساعي الأميركية الرامية إلى تمديد حظر بيع وتصدير الأسلحة إلى إيران، الذي يفترض أن يرفع اعتباراً من الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كما ينص القرار الـ2231 الأممي المكمل للاتفاق النووي المبرم عام 2015. وفي هذا الصدد، تراهن طهران على الفيتو الروسي لمنع واشنطن من تمرير قرار أعدته بهذا الخصوص في مجلس الأمن.

وأكدت تصريحات لافروف خلال مؤتمره الصحافي مع ظريف أن دعم موسكو لطهران في هذا الملف محسوم وأنها ستعمل على إحباط المشروع الأميركي، حيث قال وزير الخارجية الروسي إن محاولات الإدارة الأميركية لتمدد حظر الأسلحة على إيران "غير مشروعة وبلا أي أفق"، مدافعاً عن الموقف الإيراني في الاتفاق النووي في مواجهة الضغوط الأميركية، وقائلا إن الولايات المتحدة "تعاقب الإيرانيين بعد التزامهم بتنفيذ ما عليهم فعله بموجب الاتفاق الدولي".


وجدّد لافروف تأكيد موسكو على ضرورة إنقاذ الاتفاق النووي، متهماً واشنطن بالسعي إلى تقويضه من خلال تمديد حظر الأسلحة، ليؤكد بعد ذلك أن بلاده "تبذل ما بوسعها لمنع تقويض الاتفاق النووي وتواصل التعاون مع إيران في مواجهة الضغوطات" الأميركية.

بدا أن هذه التطمينات الروسية التي سمعها وزير خارجية إيران من الجانب الروسي في دعم موقف طهران دفعت ظريف إلى القول بعد عودته إن مكاسب زيارته المضغوطة والقصيرة إلى روسيا كانت "مهمة ومؤثرة".

مع ذلك، فعناوين التصعيد مع إيران هذه الأيام تتجاوز مسألة حظر الأسلحة إلى تطورات دراماتيكية أخرى ترتبط بالاتفاق النووي، بعد تصاعد الخلافات بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية والأطراف الأوروبية في الاتفاق، مما بات يزيد من احتمالات انهياره بالكامل، بعدما أصابته حالة شبه انهيار، على مدى العامين الأخيرين، منذ الانسحاب الأميركي منه وما تبعه من عقوبات شاملة على طهران وقيام الأخيرة بوقف العمل بالقيود المنصوص عليها بالاتفاق على برنامجها النووي في عدة مراحل.

ورغم تطمينات روسية لإيران بالوقوف في وجه محاولات تمديد حظر الأسلحة على إيران، المرفوض أوروبياً أيضاً، لكن ليس واضحاً بعد كيف سيكون موقف روسيا من التطورات والخلافات المتصاعدة بين طهران والوكالة الدولية وبقية شركاء الاتفاق النووي، خلال المرحلة المقبلة، وليس واضحا ما إذا كانت ستختار الوقوف إلى جانب إيران في هذه القضايا أيضاً أو تتخذ موقفاً حيادياً مع الظهور بمظهر الناصح للأطراف كافة لحل الخلافات.

المساهمون