حق بنقردان علينا

06 مارس 2017
خلال احتجاجات اجتماعية في بنقردان أخيراً(تسنيم ناصري/الأناضول)
+ الخط -
يستعيد التونسيون هذه الأيام واحدة من أقسى ذكرياتهم خلال السنوات الأخيرة. إنها أحداث مدينة بنقردان في أقصى جنوب البلاد على الحدود مع ليبيا، عندما حاولت مجموعة متشددة أن تسيطر على المدينة. وبدت الخطوة أولاً كأنها عملية إرهابية خاطفة ككل العمليات السابقة. لكن الأحداث بعد ذلك أثبتت أن تونس نجت من مخطط مفزع، كان يمكن أن يجهض نهائياً تجربتها ويجهز على ديمقراطيتها الوليدة.

وبيّنت الأحداث طوال الأشهر اللاحقة للعملية أن "حرب بنقردان" أُعدّ لها منذ فترة طويلة. وثبت ذلك بعدما تم الكشف عن عدد كبير من مخازن الأسلحة تحت الأرض، والتي تم وضعها في محيط المدينة، واحتوت على أسلحة حربية كبيرة ليتم استعمالها من المتشددين الذين سيلتحقون لدعم المجموعة الأولى، إنْ نجحت في السيطرة على المدينة ولو لفترة قصيرة.

ويستبعد التونسيون بسرعة من أذهانهم صور هذا السيناريو العراقيّ المفزع، هم الذين لم يعهدوا أبداً أحداثاً مماثلة، كان يمكن أن تغيّر حياتهم، لولا يقظة الأمنيين والعسكريين الذين تعاملوا مع الهجوم المباغت بسرعة وحرفية عالية، ولولا شجاعة أهل بنقردان من المدنيين الذين أذهلوا كل التونسيين بدحرهم للمتشددين، حتى من بين أقربائهم، وكشفوا عن مخابئهم، على الرغم من كل آلامهم ومشاكلهم المزمنة.

واليوم وبعد مرور عام على تلك الأحداث، وبعدما حصد أهالي المدينة كميات كبيرة من عبارات الشكر والثناء، يتساءل الجميع عن مصير وعود متكررة بتغيير واقع اجتماعي صعب عقّدته الأحداث في ليبيا، مصدر رزقهم الوحيد، وعن قدرة الدولة على إحداث فارق حقيقي في حياة الناس، على الرغم من كل صعوبات الواقع المعروفة. ولكنها الدولة، وهذا واجبها، فقد صمد الناس هناك لعقود، وصبروا وناضلوا واحتجوا واقترحوا، ولن يكون بإمكان الحكومة أن تكتفي بسرد صعوباتها على الأهالي في انتظار أن تتغير الأحوال، بل سيكون عليها أن تفعل شيئاً حقيقياً يوجه رسالة لكل التونسيين بأنها قادرة على التغيير بالفعل، قبل أن تفقد ماء وجهها نهائياً.

لكن ذلك يتطلب شجاعة سياسية ومصداقية حقيقية لوزراء توافدوا إلى المدينة مع كل احتجاج، وأطلقوا وعوداً متكررة للأهالي. كما يستدعي بالخصوص أن تعي هذه الحكومة وتتذكر بأن تلك المدينة أنقذت كل البلاد، وحفظت كل التجربة التونسية الديمقراطية من براثن الظلام.
المساهمون