إصرار "نهضوي" على نفي وجود توترات بين السبسي والغنوشي

06 أكتوبر 2016
السبسي: لم أعد مديوناً للنهضة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تكثفت، الأسبوع الماضي، تصريحات قيادات بارزة في حركة النهضة، التي تنفي بشدة وجود خلاف بين زعيمها، راشد الغنوشي، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي. واعتبرت أن هناك حملة ممنهجة تستهدف الغنوشي وحزبه أولاً، وحالة الاستقرار السياسي في البلاد ثانياً. في هذا السياق، قال نائب رئيس حركة النهضة، علي العريض، في تصريح صحافي، إن "هناك محاولة لاستهداف العلاقة بين رئيس الحركة ورئيس الجمهورية، كما أن هناك محاولة لإبراز خلافات وانشقاقات داخل الحركة. مع العلم أنه ليس هناك أي شيء من هذا القبيل، بل لدينا ثراء في الآراء، وكلها تتحملها مساحة الحرية والديمقراطية داخل الحزب".

بدوره تدخّل الغنوشي بنفسه في ندوة صحافية بصفاقس، ليؤكد أن هذه العلاقة تعتبر قاعدة أساسية وبُنيت عليها حالة التوافق في تونس، مشدّداً على أن "خصوم التوافق ودعاة الاستقطاب يحاولون ضرب هذه العلاقة من أجل إضعافها، ولكنها راسخة لأنها انعقدت ولا تزال على أساس خدمة مصلحة تونس ومستقبلها".

وأضاف الغنوشي، أن "الحركة بصدد دراسة الوثيقة التي قدمها رئيس الحكومة إلى الأحزاب الموقعة على وثيقة قرطاج، لتحديد صيغ العلاقة بين الحكومة والأحزاب، وكيفية استفادة الحكومة من مقترحات هذه الأحزاب وخبرائها لدعم العمل الحكومي". وقلّل الغنوشي من أزمة التعيينات الأخيرة التي أثارت جدلاً في تونس، وفي حزبه، معتبراً أنها "جاءت متنوعة وأن الحركة كغيرها من الأطراف الأخرى قدمت مرشحين، وأنه لا تزال هنالك تعيينات أخرى في الأفق، في مستويات وفضاءات عدة. كما أنه من السابق لأوانه، الحديث عن فقدان التوازن، الذي ربما بدا ناقصاً هذه المرة، ولكن يمكن تحقيقه في التعيينات المقبلة على قاعدة ما ورد في وثيقة قرطاج.

وتأتي تصريحات الغنوشي المتتالية في هذا الاتجاه، لتفرمل من حدة المواقف التي رافقت كامل مسار تشكيل حكومة الوحدة، بعد أن تفاجأت النهضة، كغيرها، بمقترح السبسي فكرة الوحدة الوطنية، ثم بخصوص الشخصيات التي انضمت إليها، وأخيراً مسألة تعيينات المحافظين. في هذا الإطار، أكد رئيس المكتب السياسي للنهضة، نور الدين العرباوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك حملة إعلامية وعناوين صدرت في وقت متقارب، تتحدث عن برودة في علاقة الرجلين، وحتى عن صراع بينهما"، مؤكداً أن "هناك بالفعل استهدافاً للعلاقة بينهما، واستهدافاً في الغالب للغنوشي بدرجة أولى وأيضاً للسبسي".



وأشار العرباوي إلى أن "الهدف الحقيقي من وراء ذلك هو استهداف التجربة الناجحة إلى حدّ الآن، ومحاولة ضرب أهم ضمانات نجاحها واستمرارها، وهي علاقة الثقة المتبادلة بين الرجلين". ونوّه إلى أن "من يسميهم بالمنزعجين من نجاح التجربة والمسار الديمقراطي، ومن وجود الإسلاميين بشكل أو بآخر في إدارة الدولة وأداء دور في ذلك، هم الذين يقفون وراء هذه الحملة". وأوضح مستشار الغنوشي السياسي، لطفي زيتون، في تصريح صحافي، أمس الأربعاء، أن "الذين يشوشون على العلاقة بين الرجلين هم أولئك الذين يغيظهم اقتراب النهضة من مؤسسات الدولة، ووضع إمكاناتها وجمهورها في خدمة دولتها التي يحكمها دستور ساهمت هي وبقية المكونات في إنتاجه".

وفسّر متابعون للشأن التونسي، سلسلة اللقاءات التي يعقدها السبسي في الأيام الأخيرة مع عدد من القيادات الحزبية، بأنها قد تبحث في إيجاد صيغ ومبادرات جديدة لدعم حكومة الوحدة، وتوسيع قاعدة الدعم السياسي، خصوصاً أنه التقى شخصيات من أحزاب من خارج الحكومة لا تتحمّس كثيراً للتحالف مع النهضة. واعتبرت أن هذه اللقاءات المتتالية هدفها التوصل إلى اتفاق حول جبهة جمهورية، أو جبهة إصلاح داعمة لحكومة الوحدة الوطنية تضم الكتل البرلمانية المساندة لهذه الحكومة وكل الأطراف، التي وقّعت على وثيقة قرطاج، وربما أحزاب أخرى وشخصيات مستقلة.

ولكن العرباوي شدّد على أن "أول من دعا لمساندة العمل الحكومي، هو رئيس الحكومة نفسه، الذي دعا الأحزاب المشكّلة للحكومة إلى البحث عن صيغة لدعمها". وشبّه الفكرة بـ"التنسيقية الحزبية التي كانت موجودة سابقاً بين أحزاب الائتلاف السابق، ولكن هناك حرص على إيجاد صيغة تتجاوز أخطاء التنسيقية السابقة مع حكومة الحبيب الصيد، وربما تتم حتى تغيير التسمية". ونفى العرباوي، أن يكون هناك سعي لاستبعاد النهضة والبحث عن جبهة ديمقراطية جديدة مثلما يروّج بعضهم، وليس هناك ما يدل على وجود أمر كهذا، ولكن الهدف هو البحث عن أوسع قاعدة لدعم الحكومة بين الأحزاب التي شاركت فيها، أو حتى من بعض الأحزاب التي لم تدخلها.

وأشارت بعض التسريبات إلى أن نية الغنوشي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، قد تكون وراء هذه الأزمة بين الرجلين، إلا أن العرباوي نفى هذه المعلومة، مؤكداً أن هذا الأمر لم يطرح إطلاقاً داخل مؤسسات الحركة، أو أن يكون الغنوشي ينوي ذلك، ولكن الهدف من ترويجها هو التشويش على العلاقة بينهما. 
وفي وقتٍ تحاول فيه قيادات النهضة وزعيمها، الدفاع عن هذه العلاقة التي تحمي التوازن السياسي التونسي منذ سنة 2013، على الرغم أن السبسي نفسه أكد أن هذه العلاقة بقيت كما هي مع الغنوشي، إلا أنه يدفع من حين إلى آخر حركة النهضة إلى أن تكون دائماً في موقع الدفاع.

وذكّر السبسي، يوم الثلاثاء، في حوار لـ جريدة محلية بلقاء جمعه بالغنوشي وعدد من قيادات النهضة، وخاطب فيه الرئيس التونسي ضيوفه بالتأكيد على أنه "ليس مديناً للنهضة بشيء"، مردفاً أنّ "المسألة ليست شخصيّة، والعبرة في السياسة بالنتيجة، والنتيجة أننا نعيش اليوم فترة استقرار وفق سياسة مرحلية تراعي مصلحة البلاد".

وتعليقاً على تصريحات زعيم النهضة المتعلقة بحجم تمثيل الحركة في الحكم، الذي يجب أن يتناسب مع حجمها في البرلمان، علّق السبسي بالقول "ما كل ما يتمنّاه المرء يدركه، وأنا لا أوافق على سياسة المحاصصة الحزبيّة، ولن نفعل إلّا ما يحافظ على مصلحة تونس وما تمّ الاتفاق بشأنه، ولهذا كل حساسية سياسية لها أن تقول وتعلن ما تريد".

وينتظر أن تسهم هذه التصريحات الجديدة للسبسي في تأجيج التأويلات حول طبيعة هذه العلاقة، ولكنها تكشف في الوقت ذاته مدى هشاشتها، على الرغم من أنها كانت وراء مسار التوافق التونسي، وتنجح في ذلك حتى الآن. غير أن السبسي يستعير في هذا التصريح مصطلحاً بورقيبياً شهيراً، وهو "سياسة مرحلية تراعي مصلحة البلاد"، ما يعني أن العلاقة بين السبسي والغنوشي، فرضها الناخب التونسي، وأن الرئيس التونسي ربما كان يرغب بواقع مخالف. وتدرك النهضة أيضاً أن هذا التحالف مرحلي، وأنه سيتغير حتماً، وربما في وقت أقرب مما يتوقع كثر، ولكنها تسعى بكل جهدها إلى المحافظة على استقرار داخلي يحمي البلاد من اهتزازات كبيرة، قد تهدد الجميع، بمن فيهم النهضة، في محيط إقليمي قابل للانفجار في أيّ لحظة.


المساهمون