"نتنياهو الرابع": حكومة التطرف القومي والاستيطان الديني

07 مايو 2015
ليبرمان لن يكون في حكومة نتنياهو (غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -
لن يغير عزوف وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، عن المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة، من هوية هذه الحكومة أو من سياساتها المرتقبة، وإن كان خروجه منها سيضعف الجناح العلماني القومي لصالح الأجنحة الدينية، سواء الجناح الديني الحريدي الذي يمثله كل من "شاس" و"يهدوت هتوراة"، أو الجناح الديني القومي المتطرف الذي يمثله حزب "البيت اليهودي"، بقيادة نفتالي بينيت.


اقرأ أيضاً: نتنياهو ينهي اليوم تشكيل حكومته الرابعة

ورغم أنّ الضربة التي وجهها ليبرمان لنتنياهو في الساعات الأخيرة من المهلة الرسمية لتشكيلها، أوحت بأنّ الحكومة الرابعة لنتنياهو معرّضة لهزّات كثيرة، ومكشوفة أمام ابتزاز الأحزاب الحريدية، غير أنّ مفاجآت السياسة الإسرائيلية الداخلية وضوابطها الانتهازية، من شأنها أن تمنح حكومة نتنياهو المقبلة، سنتين على الأقل، إن لم يكن أكثر، خلافاً لكل التوقعات، تماماً كما كان حال حكومته الثانية، التي استنفذت تقريباً أربعة أعوام كاملة، وتغلّبت على جميع الأزمات الائتلافية المختلفة.

وقبل أقل من ساعة على انتهاء المهلة القانونية، أعلن نتنياهو، في خطاب مقتضب ومتلفز مع زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، عن التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة الجديدة. وقال نتنياهو إن المفاوضات أفضت على الاتفاق مع حزب البيت اليهودي، وسيتم خلال الأيام القريبة المقبلة إنهاء باقي تفاصيل الاتفاق للائتلاف الجديد. وبعد دقائق اتصل بالرئيس رؤبان ريفلين، وبرئيس الكنيست لإبلاغهما بالتوصل إلى الاتفاق، على أن يتم عرض الحكومة نهائيا الأسبوع المقبل.

من جهته قال نفتالي بينيت إن حزبه قرر المشاركة في الحكومة الجديدة، وأنه سيعمل على أن تنهي الحكومة ولايتها الكاملة، علماً أن "البيت اليهودي" تمكن من الحصول على حقيبة وزارة العدل، وأن يكون له ممثلين اثنين في الكابينت المصغر.

وبالرغم من الأزمة التي افتعلها بينت، في آخر يوم من المهلة الرسمية، إلا أنه كان شبه مؤكد أنه لن يجازف نهائياً بعدم الانضمام إلى حكومة يمين، ولن يهدي فوز اليمين في الانتخابات إلى "المعسكر الصهيوني" بقيادة هرتسوغ لتشكيل حكومة بديلة أو يفتح الباب على مصراعيه أمام هذا المعسكر لتشكيل حكومة وحدة وطنية بدون ليبرمان وبينيت.

ومع أنّ الحكومة الجديدة، تقوم بالأساس على من أسماهم نتنياهو قبيل الانتخابات بحلفائه الطبيعيين (الحريديم والبيت اليهودي)، بعدما اعتزل ليبرمان مقاعد الحكومة، إلا أنه يبقى مهماً الانتباه إلى تخصيص منصب نائب وزير الأمن لحزب "البيت اليهودي"، بدلاً من وزارة الإسكان، التي شغلها أوري أريئيل (عن حزب "البيت اليهودي") في الحكومة السابقة.

والواقع أنّ هذا المنصب، مع تخويل حامله صلاحيات المسؤول عن قسم الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، يكشف وجه حكومة نتنياهو في سياق برامجها الاستيطانية. إذ إنّه وفقاً للقانون الإسرائيلي، كانت كل عمليات البناء والاستيطان في الضفة الغربية المحتلة (خلافاً للقدس) تقع ضمن صلاحيات وزير الأمن. وهذا ما فسر باستمرار الحرب التي خاضها اليمين المتطرف ضد وزير الأمن الإسرائيلي السباق، إيهود براك، والحالي، موشيه يعالون، عند اتهامهما بعدم تسهيل عمليات البناء الاستيطاني، من خلال عدم إصدار أوامر للإدارة المدنية وقيادة الجيش بتمكين عمليات البناء الاستيطاني، أو تبييض البؤر الاستيطانية الدينية والقومية، واعتبارها مستوطنات شرعية تم بناؤها بموافقة رسمية.

ويشكّل هذا المنصب عملياً أكبر تعويض لحزب "البيت اليهودي"، الراعي والحامي لعمليات الاستيطان الديني الشوفيني في الأراضي المحتلة، خصوصاً عمليات الاستيطان "العشوائية" التي ينفّذها فتية التلال، من أبناء المستوطنات الدينية القومية في الضفة الغربية. ويشكّل هذا النمط من الاستيطان، في إقامة مستوطنات يقطنها بالأساس المستوطنون من أتباع الصهيونية الدينية آخر مراحل الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، بعدما كان حزب "العمل" التاريخي قد أطلق حركة الاستيطان الزراعي في الضفة الغربية، وتحديداً في غور الأردن عبر إقامة مستوطنات زراعية، تبعها قيام حزب "الليكود" بتشجيع مستوطنات شبه علمانية مرتبطة بالتراث والديانة اليهودية، إلى أن مسحت غوش إيمونيم الاستيطان الديني الشوفيني.

ومع حصول "البيت اليهودي" على هذه الحقيبة، فمن شأنه، وإلى جانب استمرار سيطرته على وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة، أن يعزز أسباب بقاء هذا الحزب في الائتلاف الحالي وعدم المخاطرة في هزه أو إسقاطه، آخذاً في عين الاعتبار الخسائر التي يتكبدها جمهور هذا الحزب من مستوطنين، من جهة، وما قد يخسره زعيم الحزب نفتالي بينيت، نفسه، من جهة ثانية. فقد خرج بينيت الذي اعتبر "أعجوبة" الانتخابات الماضية، خاسراً بفعل تراجع حزبه من 14 مقعداً إلى 8 مقاعد فقط، خسر غالبيتها لصالح "الليكود"، وهو ما جعله عرضة لانتقادات لاذعة من قبل مؤيدي الحزب.

وما ينطبق على بينيت، ينطبق في هذه الحكومة على زعيم "شاس"، أرييه درعي، الذي عاد إلى الحكم، بعد سنوات قضاها خارج الحكومة والسياسة بفعل إدانته بالسرقة وسجنه لسنوات. كما ينطبق على جمهور "شاس"، الذي كان نتنياهو، تحت ضغط يئير لبيد ونفتلي بينيت، قد استبعده مع حزب "يهدوت هتوراة" الحريدي من الحكومة. وزاد نتنياهو على ذلك في حكومته السابقة، سلسلة تشريعات أضرت بجمهور الحريديم، سواء على صعيد تقليص مخصصات الأطفال، أو على صعيد تشريع قانون لفرض عقوبات جنائية على من يتهرب من الخدمة العسكرية من الحريديم، أو المضي في تشريعات مدنية تقلص صلاحيات وتحكم الحريديم في مسألة تحديد هوية المهاجرين الروس كيهود.

ويعني هذا الوضع، أو "الجوع" والتوق للعودة إلى أروقة الحكم بما يرتبط بها من ميزانيات وامتيازات للحريديم، أن حزبي الحريديم، سواء شاس، أم يهدوت هتوراة، سيملكان الكثير مما يخسرانه في حال تلاعبا بالحكومة وعرّضا استقرارها للخطر.

وفي الخلاصة، فإنّ المركب الرابع الأساسي لائتلاف نتنياهو، وهو موشيه كاحلون، رئيس حزب "كولانو"، سيكون مشغولا طيلة ولاية الحكومة في السعي إلى تنفيذ وعوده بإنقاذ المواطن الإسرائيلي من مشاكل "غلاء المعيشة" وأزمة "السكن" وإدخال إصلاحات على النظام المصرفي والاقتصادي الإسرائيلي، مما يفسح المجال أمام نتنياهو لاختيار السياسة الخارجية التي يريدها، لا سيما أن كاحلون نفسه أعلن، مراراً، أنه يمثل "الليكود" التاريخي الذي قاده بيغن.

المساهمون