حراك الشمال الأفغاني يؤزّم الصراع الداخلي... ويوسِّع نفوذ "طالبان"

11 يونيو 2016
تستغل "طالبان" صراعات الحكومة الأفغانية للتمدّد (فريدة أميني/الأناضول)
+ الخط -
للمرة الأولى منذ 14 عاماً، يشهد الشمال الأفغاني حراكاً قوياً ضد الجمعية الإسلامية (أحد أكبر الأحزاب الجهادية ضد السوفيات)، وذات النفوذ القوي في الأقاليم الشمالية، خصوصاً ضد نائب رئيس الجمعية، أكبر قائد عسكري له نفوذ كبير في الأوساط الميدانية، الجنرال عطاء محمد نور. وكما يُعرقل الصراع الداخلي الكثير من المشاريع، فهو يؤدي أيضاً إلى تنامي نفوذ حركة "طالبان" في الشمال بصورة متزايدة.

ففي الأيام الأخيرة، تشهد بعض مناطق الشمال، لا سيما مدينة بلخ، معقل الجمعية، تظاهرات حاشدة بين الحين والآخر، مطالبة بتنحي نور، المدعوم من إيران وروسيا، كما له يد الطولى في أحداث العنف الأخيرة في الشمال، خصوصاً أن له مليشيات شخصية تتورط في أحداث القتل والنهب، بحسب بعض الساسة ورموز القبائل.

منح قادة التظاهرات، ومن بينهم أعضاء البرلمان الإقليمي وبعض الساسة، الحكومة، أسبوعاً واحداً، لتنحي الرجل من المنصب، مهدّدين بتحويل التظاهرات إلى حراك شعبي شامل. في المقابل، يصرّح نور أنه لن يأخذ كل ما يحدث على محمل الجدّ. واتهم أعضاء في مجلس الأمن الأفغاني (يضم الرئيس، والرئيس التنفيذي، وقائد الجيش، ووزير الدفاع والداخلية)، وقادة في الحزب الإسلامي (أحد الأحزاب القتالية المناوئة للوجود الأجنبي في أفغانستان الذي توصل، أخيراً، إلى اتفاقية مع الحكومة الأفغانية)، ونائب الرئيس الأفغاني، الجنرال عبد الرشيد دوستم بالتآمر ضده، مشدداً على أن تلك الجهود لن تكلّل بالنجاح.

وبحسب مراقبين، لا أحد يعلم إنْ كانت تلك الجهود قد تؤدي إلى الإطاحة بالرجل وتقليص نفوذ "جبهة الشمال" التي تقودها الجمعية الإسلامية التي تتربع على مناصب مهمة في حكومة الوحدة الوطنية مثل الخارجية والداخلية. إلّا أن الحدث نال اهتماماً كبيراً في الأوساط الإعلامية والسياسية بسبب الحراك الأخير ضد الرجل، وهو ما كان يأمله كبار الساسة في البلاد وبعض وزراء الحكومة. كما تعالت أصوات متتالية لتنحي نور كونه يشكل حكومة داخل الحكومة، خصوصاً بعد ادعائه أن الرئيس الأفغاني أشرف غني ليس بوسعه أخذ أي قرار بشأنه.

وتزامن ذلك، مع مواجهات شرسة بين أنصار نور وأنصار نائب الرئيس الأفغاني عبد الرشيد دوستم في عدد من أقاليم الشمال، والتي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات. وأعرب البرلمان ومجلس الشيوخ، أكثر من مرة، عن استيائهما إزاء الصراع بين نور ودوستم، كونه يصبّ في مصلحة الجماعات المسلحة لا سيما "طالبان". الصراع داخل الحكومة، وتحديداً، بين نور الذي يمثّل نصف حكومة الوحدة الوطنية، وهو من أبرز القادة المقربين من الرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله، وبين الجنرال عبد الرشيد دوستم، ليس وليدة اللحظة. لكن وقعت أحداث كثيرة، أخيراً، تجدد بسببها ذلك الصراع، أبرزها المصالحة بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار.

ويدرك الأفغان وكل من له صلة بالقضية الأفغانية ما دار بين الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية من الحروب الدامية والصراع المستميت إبان الغزو السوفييتي عام 1979 وبعد دخول المجاهدين إلى العاصمة كابول، إثر سقوط حكومة الدكتور نجيب الله الموالية للسوفييت. لذا لم يكن القلق في أوساط "جبهة الشمال"، عموماً، وقيادة الجمعية خصوصاً، من عودة الحزب إلى المنظومة السياسية أمراً مستغرباً.




في بداية الأمر، رحّبت الجمعية الإسلامية مثل بقية الأحزاب السياسية الأفغانية بالحوار بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي، كما استقبلت الجمعية وفد الحزب في مكتبه. لكن مع إبرام الصلح ووصول الطرفين إلى اتفاقية بينهما، بدأ موقف الجمعية يتغير تدريجياً، لا سيما مع زيادة التكهنات بأن الحزب الإسلامي الذي يعتبر أكثر الأحزاب تنظيماً، قد يأخذ محلّ الجمعية، وأن الرئيس الأفغاني ينوي من وراء الصلح معه تقوية جبهته لتقويض نفوذ جبهة الشمال (الجمعية الإسلامية جزء منها)، وأن الأخير يريد الاستعانة بالحزب لتنفيذ مخططاته ضد الفساد.

وبعد مطالبة بعض قيادة ورموز الحكومة (الممثلون لجبهة الشمال، أو معسكر الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله) بدخول الحزب وزعيمه قلب الدين حكمتيار إلى كابول بعد تسليم السلاح إلى الحكومة الأفغانية، وألا يكون لهم أي نشاط في البلاد سوى على الصعيد السياسي، دعا آخرون إلى محاكمة حكمتيار كونه أحد أطراف الحرب الأهلية قبل ظهور "طالبان" وبعد هزيمة الروس.

لم تقف الأمور عند حد الاتهامات، بل طاولت انتقاد سياسات الحكومة ورئيسها أشرف غني من قبل رموز الحكومة والممثلين للتيار المعارض للحزب والقلقين بشأن الاتفاقية بين الحزب والحكومة. وكان وزير الخارجية الأفغاني، زعيم الجمعية الإسلامية صلاح الدين رباني من بين أولئك الذين انتقدوا الحكومة، وطرحوا أسئلة حول شرعيتها. ولفت رباني إلى أن الحكومة، التي هو جزء منها، فشلت في مواجهة جلّ التحديات. بالإضافة إلى فشلها الذريع في العمل على ما توصل إليه كل من الرئيس الأفغاني أشرف غني ومنافسه في الانتخابات، الرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، أثناء التوافق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وفقاً لرباني.

استغرب الكثير من الساسة موقف رباني بشأن الحكومة، التي هو جزء منها، كما أثار استياء الرئيس الأفغاني أشرف غني. وتقول تسريبات صحافية أن الرئيس طالب رباني بتقديم استقالته. كما دعت الأوساط السياسية والإعلامية رباني وحزبه الجمعية الإسلامية إلى تشكيل المعارضة بدلاً من الانتقادات ضد الحكومة ووضع عوائق أمامها، وهم جزء منها. إلا أن كثيرين يروون أن موقف الجمعية وبعض رموز الحكومة الأخيرة هي نتيجة الاتفاقية التي توصلت إليها الحكومة مع الحزب الإسلامي، وذلك بعدما فشلت الجهود التي بُذلت لإحباطها.

في المقابل، ثمة مَن يرى أن الحراك الجديد في شمال البلاد ضد الجنرال عطاء نور هو من صنع الحكومة، وأن الأخيرة تريد أن تقضي على قوة الجمعية و"جبهة الشمال" في شمال البلاد، قبل أن يستفحل خطرها داخل الحكومة. ويعتبر مراقبون أن التظاهرات الحالية جزء من الجهود التي تُبذل بهذا الشأن، وهذا ما يوضّحه نور وقياديون في الجمعية الإسلامية. إلا أن ما هو واضح، أن الصراع بين قادة الحكومة يصبّ في مصلحة "طالبان" والجماعات المسلحة، لا سيما أن هناك ادعاءات قبلية وسياسية عن أن أطراف الصراع تستعين ضد بعضها بعضا في "طالبان". وهو ما صرح به مجلس الأمن، أخيراً، إذ أشار إلى أن نور ساند "طالبان" في هجومها على مدينة قندوز، والسيطرة عليها العام الماضي، وأنّ مليشيات خاصة به وبأكبر منافسيه في الشمال، نائب الرئيس الأفغاني الجنرال دوستم، هي العثرة في سبيل تقوية القوات المسلحة الأفغانية وتطبيق القانون.


المساهمون