إغراءات للانضمام
يوم الثلاثاء 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نقل التلفزيون الرسمي التابع للنظام السوري، في خبر عاجل بياناً صادراً عن "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة"، دعت فيه "جميع المواطنين الراغبين بالمشاركة في إنجاز الانتصار النهائي على الإرهاب، إلى مراجعة مراكز الاستقبال في قيادات المناطق العسكرية بالمحافظات"، قبل أن يظهر بيان مصور لاحقاً، تلاه المتحدث باسم قيادة جيش النظام (منصب مُستحدث في السنوات القليلة الماضية)، فنّد فيه المراكز التي يستطيع "الراغبون بالالتحاق" مراجعتها، لتسجيل أسمائهم، مع تعداده الشروط التي يجب توافرها فيهم.
جيش النظام الذي يعتبر جميع المعارضين خارج مناطق نفوذه من "الإرهابيين"، حدد في بيانه حينها، الهدف من الفيلق الجديد، بأنه لدعم "تشكيلات الجيش والقوات الرديفة والحليفة" في "مهمة القضاء على الإرهاب"، محدداً ثكنات عسكرية تقع ضمن مناطق سيطرة النظام في محافظات دمشق وحمص وحماه وحلب وطرطوس واللاذقية ودرعا والسويداء، على أنها مراكز استقبال طلبات "الراغبين"، الذين أتمّوا عمر الثامنة عشرة، ويتمتعون بصحة جيدة، على ألا يكونوا من "المكلفين أو الفارين" من الخدمة الإلزامية. وبينما وسّعت قيادة جيش النظام شريحة المستهدفين من إعلانها، بقبول طلبات المسرحين من الجيش، أكانوا من الضباط (بمختلف الرتب) أو صف الضباط (مساعدين ورقباء)، أو الأفراد (عرفاء ومجندين)، فقد كان لافتاً أيضاً، أن الإعلان فتح باب "التطوع في الفيلق" للموظفين الحكوميين المدنيين، بعقدٍ مدته سنة قابل للتمديد، ويحتفظ فيها الموظف براتبه الأساسي، مع حصوله على راتب الفيلق (يعادل بالليرة السورية بين 200 و500 دولار حسب الشهادة العلمية والخبرة العسكرية الموجودة لدى الراغبين بالتطوع)، لكنه يحتاج قبل ذلك لـ"موافقة الجهة" الحكومية المدنية، التي يتبع لها الموظف الراغب بالالتحاق في "الفيلق الخامس".
ومع مرور أيامٍ نهاية شهر نوفمبر وبداية ديسمبر/كانون الأول، ظهر جلياً أن النظام من خلال وسائل إعلامه الرسمية، ومختلف الطرق المتاحة، يحشد الشباب في مناطق سيطرته عبر حملات إعلامية، من أجل الالتحاق بهذا التشكيل الجديد، حتى وصل الأمر لما اعتبره بعض الناشطين السوريين، "استجداءً" من قبل النظام لحاضنته الشعبية، بعدما لاحظ إحجام شرائح المستهدفين عن الالتحاق بالفيلق.
تسخير مختلف المنابر
"ها هو الفيلق الخامس ينادي أبناء هذا الوطن. أتدري أيها السوري لماذا يناديك الفيلق الخامس؟ يناديك لكي يبقى علم الجمهورية العربية السورية، مرفرفاً في سماء جولاننا الحبيب وسماء الاسكندرون وفي الغوطة الشرقية وريف حمص وريف دير الزور وفي كل مكان من أرض هذا الوطن". هذه الكلمات لخطيب الجامع الأموي في دمشق، المعروف بتأييده اللامحدود للنظام، مأمون رحمة، في أحد خطب الجمعة، التي توجّه فيها للشباب السوريين، عبر الخطبة التي تبثها قناة "نور الشام" على الهواء مباشرة، للالتحاق بالفيلق الجديد. في وقتٍ شهدت فيه منابر مساجد مختلفة، دعوات مماثلة، تلبية لطلب "وزارة الأوقاف" من الخطباء الموالين، بضرورة الترويج للموضوع في خُطب الجمعة.
في موازاة ذلك، وخلال الأسابيع الماضية، كان تلفزيون النظام الرسمي، يبث بين البرامج ونشرات الأخبار، إعلاناً تصل مدته إلى ثلاث دقائق، يحض على ضرورة الالتحاق لـ"نيل شرف المشاركة في الانتصار على الإرهاب"، معدداً الميزات التي يحصل عليها كل من تطوّع في "الفيلق الخامس".
هذه الحملة التسويقية الواسعة، لحشد حاضنة النظام الشعبية، توسعت لاحقاً لتصل إلى جميع السوريين القاطنين ضمن مناطق سيطرة النظام، عبر رسائل قصيرة أرسلتها شركتا الهاتف المحمول في سورية، خصوصاً "سيرياتيل" التي يملكها رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد. كما عرضت صفحات موالية للنظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، صورة ورقة كانت تُوزع مع الخبز، في بعض مخابز محافظة اللاذقية، يدعو النص المكتوب فيها لـ"الالتحاق بالفيلق الخامس للدفاع عن أرض الوطن ودحر الإرهابيين"، فضلاً عن تعميمات صدرت من مؤسسات حكومية لموظفيها، تدعوهم عبرها لضرورة الالتحاق بالفيلق.
ويرى ناشطون سوريون أن تسخير النظام لمختلف المنابر للترويج لفكرة الفيلق بكثافة، يدل على إحباطٍ لدى مسؤولي النظام، من جراء عدم التحاق أعدادٍ كبيرة ضمن هذا التشكيل الجديد الذي يأتي كخطوة إضافية لسد الاستنزاف الكبير في العنصر البشري لجيش النظام، والذي بدأ فعلياً منذ خمس سنوات تقريباً مع بدء الانشقاقات وخسارة عشرات آلاف العناصر في المعارك، وعمل النظام، منذ ذاك الوقت، على إنشاء واستدعاء مليشيات محلية وأجنبية، يسميها "القوات الرديفة والحليفة".
هدف تأسيس الفيلق
تختلف آراء خبراء عسكريين وناشطين مدنيين سوريين، حول هدف تأسيس "الفيلق الخامس-اقتحام" في هذه المرحلة تحديداً، وما إذا كان أقرب لخدمة مصالح موسكو، أم لخدمة مخططات طهران في سورية. فرئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر العميد أحمد بري، يرى أن "الفيلق الخامس تم تأسيسه على مبدأ الحشد الشعبي العراقي، ويهدف النظام منه لتنظيم الشبيحة الذين يقاتلون معه، وإدخال المرتزقة الذين جاء بهم من بلدان مجاورة لمساندته ضمن تشكيل عسكري منظم" بدل تبعثرهم في مجموعات كثيرة، مشيراً في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أن "إيران هي من تدعم و تموّل إنشاء هذا الفيلق، أما الروس فليسوا مضطرين لدفع أموال إضافية، وقد ضمنوا مصالحهم تقريباً في سورية، من خلال إنشاء قواعد عسكرية أبرزها حميميم".
من جهته، لم يستبعد المحلل العسكري والاستراتيجي أحمد رحال، أن يكون النظام يسعى من خلال إعلان الفيلق إلى دمج المليشيات المحلية الموجودة حالياً ضمن مسميات مختلفة (مثل كتائب البعث، اللجان الشعبية، الدفع الوطني) ضمن قيادة عسكرية موحّدة، لكنه يشير إلى أن "روسيا تملك فعلياً كما هو معروف المؤسسة العسكرية السورية منذ عقود، ولها الكلمة العليا في جيش النظام، بينما نفوذ إيران ضمن هذه المؤسسة محدود، وهي بعد نجاح فكرة الحشد الشعبي في العراق، تسعى لتكرار التجربة من خلال دعمها لهذا الفيلق لتواجه القوة الروسية في سورية".
ولا يستبعد رحال في حديث لـ "العربي الجديد" أن تكون فكرة إنشاء الفيلق روسية بالأساس، لكنه يضيف أن "الروس في المحصلة يريدون الحفاظ على صلب المؤسسة العسكرية للنظام، لكنهم عادة لا يدفعون المال بل يدعمون بطرق أخرى مختلفة". ومن هذا المنطلق يرى العميد الذي خدم سابقاً ضمن جيش النظام لأكثر من ثلاثة عقود، أن "طهران هي المستفيد الأكبر فحتى لو كانت فكرة إنشاء الفيلق روسية، لكن إيران ستستثمر فيها لخدمة مطامعها في سورية". ويشرح أن جيش النظام لم يكتمل فيه الفيلق الرابع أساساً منذ ما قبل الثورة، وعليه فإن طرح اسم "الفيلق الخامس" يأتي كبروباغندا، موضحاً أن الفيلق العسكري يتألف عادة من 3 أو 4 فرق عسكرية، تضم الواحدة منها ما بين 15 و20 ألف جندي، وعليه فإن الفيلق يجب أن يضم نحو ستين ألف مقاتل.
لكن هناك رأياً آخر سائداً بين ناشطين ومتابعين لتفاصيل الميدان والسياسة في سورية، بأن فكرة الفيلق روسية محضة، للحد من نفوذ المليشيات الإيرانية على الأرض، وهو يأتي كحلقة جديدة من "عض الأصابع"، بين أكبر قوتين داعمتين للنظام السوري. ويرى الناشط السياسي محمد الشامي، الذي كان من كوادر الجيش الحر في الغوطة الشرقية قبل أن يترك العمل العسكري، أن "روسيا حاولت منذ تدخّلها المباشر في سورية نهاية السنة الماضية، أن تستثمر العدد الكبير من عناصر المليشيات الإيرانية في سورية، من أجل تغيير ميزان القوى لصالح النظام بعد أن كان في موقف ضعف أمام تقدم قوات المعارضة على جبهات عدة، لكن موسكو بالمحصلة لا تدعم العمل المليشيوي، عكس إيران التي تعتمد عليه في سورية والعراق".
ويقول الشامي في حديث إلى "العربي الجديد"، إنه في حين "تمكن الروس الآن من ترجيح كفة النظام على جبهات عدة، فإنهم يسعون لتخفيف الاعتماد شيئاً فشيئاً على العنصر البشري المليشياوي المدعوم إيرانياً"، مضيفاً أن "ممارسات المليشيات المحلية من سرقة وابتزاز للمدنيين في مناطق النظام، بدأت تستفز الموالين أنفسهم لدرجة غير مسبوقة، ولذلك فإن النظام وداعميه الروس سيبدأون بخطوات متسارعة لدمج هذه المليشيات (غير الإيرانية) ضمن هذا التشكيل الجديد، ويأملون بضم عدد كبير من الشباب السوريين المقيمين في مناطق النظام له، وبذلك ينظمون هذه المليشيات السورية، وينجحون في تحجيم دور المليشيات الإيرانية".