الرئيس الموريتاني الجديد أمام اختبار تفكيك الأزمات والإيفاء بالوعود

11 يوليو 2019
تنتظر ولد الغزواني ملفات مهمة (سيا كامبو/فرانس برس)
+ الخط -
بعد إعلان المجلس الدستوري في موريتانيا فوز محمد ولد الغزواني رسمياً برئاسة البلد، ورفضه كل الطعون التي تقدّم بها باقي المرشحين، أصبح بإمكان تحالف الأغلبية الحاكم الذي قدّم دعماً منقطع النظير للغزواني، أن يبدأ البحث عن أفضل الطرق لمساعدة عاشر رئيس لموريتانيا منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، في تسيير المرحلة المقبلة، خصوصاً أنه سيكون أمام استحقاقات عدة.

ويواجه ولد الغزواني تحديات كثيرة، سواء في ما يتعلّق بتنفيذ وعوده الانتخابية والتخلّص من إرث الحكم العسكري ومحاولات النظام الحالي التحكّم في مجريات الأمور، أو في ما يخصّ شرعية حكمه بعد أن رفض أربعة مرشحين نتائج الانتخابات، واصفين إياها في بيان مشترك أخيراً، بأنها "مزورة ولا تعكس الإرادة الشعبية للناخبين"، ومعتبرين أنّ قرار المجلس الدستوري "جذّر الأزمة السياسية الحالية" التي قد تتحوّل إلى "أزمة اجتماعية عرقية تهدد الوحدة الوطنية".

أقل نسبة لمرشح رئاسي

حصل ولد الغزواني، حسب بيان المجلس الدستوري، على نسبة 52 في المائة من مجموع أصوات الناخبين، وهي أدنى نسبة يحصل عليها مرشح رئاسي منذ اعتماد التعددية عام 1992. وتمثّل هذه النسبة في حدّ ذاتها تحدياً بالنسبة للرئيس الجديد، الذي لم يحتفل بنجاحه في الانتخابات كما جرت العادة ليلة إعلان النتائج الأولية، واختفى مباشرة بعد ظهورها، ما يدلّ على أنّ هذه النسبة لم ترضِ طموحه في الانتخابات التي حظي فيها بدعم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والسلطة والقبائل والجماعات الصوفية و21 حزباً من الأغلبية.

وفي السياق، يعتبر الناشط في صفوف المعارضة، يحيى ولد سيدي محمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "النظام القائم هو من سعى بنفسه إلى هذه النتيجة المتدنية من خلال تضخيم مرشح ليس له تاريخ على الساحة السياسية، ليفوز في النهاية بنسبة متدنية وبالتزوير، وبدعم منقطع النظير من الدولة والزعامات الاجتماعية". ويضيف "نحن في المعارضة نسعى لكي لا يتم تجاهل نسبة 48 في المائة من الشعب، والتي اعترف النظام أنها صوتت ضدّ مرشح السلطة، مع العلم أنّ النسبة أكبر من ذلك وتتجاوز 60 في المائة، واجهت تهديدات وإغراءات النظام، ولم تجبن وصوتت بكثافة لمرشحي المعارضة".

وعن دعوات التهدئة السائدة في الشارع حالياً، يقول ولد سيدي محمود "هناك قوى تؤدي أدواراً سلبية وتسعى لتبرير نتيجة الانتخابات من أجل أن يقبل الشارع بالأمر الواقع... ونحن نؤكد أنّ كل ما حصل تنقصه النزاهة. فصحيح أنهم حصلوا على الحكم، لكنهم لم يحصلوا بعد على الشرعية".

حوار وطني تحت إشراف رئيس جديد

يؤكد الكثير من المراقبين أنّ فترة ما بعد الانتخابات هي الأنسب لإطلاق حوار وطني وخلق مناخ سياسي إيجابي وبثّ الثقة من جديد بين الفرقاء السياسيين، خصوصاً أنّ ولد الغزواني لم تكن لديه مواقف سياسية من اللقاءات السابقة التي جمعت المعارضة والأغلبية عامي 2009 و2014. وفي هذا السياق، بدأت الحكومة الموريتانية، مساء الثلاثاء، اللقاءات مع مرشحي المعارضة الذين رفضوا الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية، وذلك تحضيراً للحوار الذي دعا إليه المرشحون من أجل الخروج من الأزمة السياسية التي دخلتها موريتانيا بعد الانتخابات الرئاسية الماضية. وجمع أول لقاء بين المرشح الحاصل على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية بيرام ولد اعبيدي، ورئيس حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، عضو الحكومة، سيدنا عالي ولد محمد خونه.
ووافق ولد محمد خونه على طلب ولد اعبيدي بأن يكون اللقاء في مقر حملة الأخير وبحضور عدد من الناشطين في حملته الانتخابية، كما وافق على لقاء باقي المرشحين تباعاً. وقال ولد اعبيدي بعيد اللقاء إن "النظام رد بشكل إيجابي على نظرتنا لحل الأزمة عن طريق الحوار وبالطرق السلمية"، مضيفاً أن "اللقاء كان ممهدا لحوار سينطلق قريبا".

وتعليقاً على ذلك، يرى الباحث السياسي محمد فال ولد المختار، في حديث مع "العربي الجديد" أنّ التحدي الحقيقي الذي يواجه الرئيس الجديد هو أن يثبت أنه رئيس لجميع الموريتانيين، موالاةً ومعارضةً، وألا يعمل على تهميش المناطق التي اختارت منافسيه في الانتخابات، كما فعل رؤساء سابقون.

ويضيف ولد المختار، في حديث مع "العربي الجديد"، "سعي ولد الغزواني لأن يكون رئيساً للجميع، سيظهر في تشكيلة الحكومة التي سيختارها... وما إذا كانت ستضم أطيافاً سياسية متعددة وربما أحزاباً معارضة، وستعتمد على الكفاءات من أجل القيام بالإصلاحات التي وعد بها. كما سيظهر ذلك في الدعوة لحوار وطني شامل ومحاولة صياغة عقد اجتماعي جديد، حتى لو استدعى الأمر حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة تخلق تحالفات جديدة وتقارباً أكثر مع المعارضة".

ويؤكد الباحث السياسي أنّ "الجميع في موريتانيا ينتظرون من الرئيس الشروع في إصلاحات حقيقية وتهدئة الأوضاع السياسية وتنفيذ الوعود التي أطلقها إبان حملته الانتخابية".


الخروج من المأزق

وفي سياق متصل، يرى الكثير من المراقبين أنّ التحدي الأكبر الذي يواجه الرئيس الجديد هو الخروج من عباءة الرئيس السابق وكبح جماح أحزاب الأغلبية التي أصبحت تقدّم نفسها على أنها المعبرة عن الشارع والحاملة لهمومه والشريكة الأساسية في جميع الإنجازات السابقة.

وسيقود ولد الغزواني (62 عاماً)، موريتانيا لخمس سنوات مقبلة، بعد 10 سنوات من حكم الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، كان خلالها ولد الغزواني "رجل الظلّ" والصديق الوفي لولد عبد العزيز، حتى حين عانى حكمه من فترة اضطراب بسبب إصابة الرئيس السابق بطلق ناري وسفره للعلاج قرابة شهرين.

ويؤكّد الناشط في حملة ولد الغزواني، الشيخ ولد محمد أحمد، أنّ "الرئيس الجديد قادر على قيادة البلاد إلى برّ الأمان، ولديه برنامج سياسي مدروس، سيعمل على تنفيذه مباشرة بعد تنصيبه".

وعن موقف المعارضة الرافض لنتائج الانتخابات، يقول ولد محمد أحمد "المراقبون الذين تابعوا مجريات العملية الانتخابية ميدانياً، أكدوا على شفافية الانتخابات وتطابق النتائج في محاضر الأحزاب مع النتائج المعلنة من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات"، مضيفاً أنّ "المعارضة ترتكب خطأ آخر بحرمان موريتانيا من مناخ توافق عام هي في حاجة ماسة إليه للانطلاق نحو المرحلة المقبلة".

 ملفات ثقيلة

وتَنتظر الرئيس الجديد ملفات مهمة، كالبطالة التي باتت تهدد استقرار البلاد، والتعليم الذي يسير من سيئ إلى أسوأ، والصحة، وارتفاع مستويات الفقر. وإذا كانت خطابات ولد الغزواني الانتخابية قد حملت وعوداً بحلّ هذه الملفات من خلال تقليص حجم البطالة وتنفيذ مشاريع لاستيعاب العاطلين عن العمل، خصوصاً من حاملي الشهادات الجامعية، وإصلاح التعليم، وتعميم التغطية الصحية، وتمويل مشاريع مدرة للدخل، فإنّ تحقيقها يبقى صعب المنال في ظلّ انتشار الفساد والمحسوبية وضعف موارد الدولة.

وفي السياق، يرى الأستاذ الجامعي سيد أحمد ولد لمين، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الأولوية بالنسبة للرئيس الجديد هي "الارتقاء بمعيشة المواطنين، خصوصاً بعد ما تضمنته حملته الانتخابية من وعود وحلول تعلّق بها المواطنون والنخبة على حدّ سواء". ويتوقع أن يشكّل الرئيس الجديد خلية لمساعدته على إدارة المرحلة الحالية، وترتيب الأولويات، خصوصاً أنه تفصله فترة شهر كامل عن تسلمه مهام رئيس الجمهورية في الأول من أغسطس/آب المقبل.

ويضيف ولد لمين أنّ "الخلية هذه التي يروّج في دهاليز السياسة أنّ الرئيس عاكف على اختيار أعضائها، يجب أن تتمتّع بالمصداقية والاحترام، وأن يتم تحديد صلاحيات واختصاصات أعضائها بدقة، وأن تستفيد من جو المصالحة السائد حالياً، من دون أن تتأثّر بالشعارات التي ترفعها الأحزاب في الساحة السياسية". ويتابع "يجب على الرئيس الجديد إعادة الثقة والهدوء للشارع، من خلال إجراءات عاجلة تتعلّق أساساً بإزالة مظاهر العسكرة والمضايقات الأمنية التي عانت منها البلاد في الفترة الأخيرة، إضافة إلى إلغاء المتابعات القضائية ذات الصبغة السياسية".

ويؤكد ولد لمين أنّ ولد الغزواني "قادر على التعاطي بسرعة مع الملفات السياسية والاجتماعية، فهو ليس جديداً على المشهد، بل هو الرجل الثاني في النظام، من خلال قيادته للجيش ووزارة الدفاع. كما أنّ الحملة الانتخابية التي قادها أكّدت أنه رجل سياسي بامتياز".