وقف التنسيق الأمني... هل هو لاستعادة ثقة الشارع الفلسطيني؟

23 يوليو 2017
عباس يحاول استعادة ثقة الفلسطينيين (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -


على الرغم من إعلان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مساء الجمعة، تجميد الاتصالات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى المستويات كافة، لحين التزام إسرائيل بإلغاء الإجراءات التي تقوم بها في الأقصى، إلا أن موجة التشكيك بمدى مصداقية القرار شعبياً، دفعت عباس ورئيس المخابرات ماجد فرج ونائب حركة "فتح" محمود العالول إلى إعادة التأكيد مرة أخرى على قرار التجميد وأنه يتضمن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.


التأكيدات المتلاحقة للمستويات الرسمية العليا الفلسطينية، سواء للإعلام الفلسطيني أو الإسرائيلي، بأن القرار يشمل وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، جاءت دليلاً على فقدان الثقة بين الشارع والمستوى الرسمي الذي عبّر أكثر من مرة أن "التنسيق الأمني مقدّس" من جهة، ولإيصال رسائل سياسية للإدارة الأميركية وإسرائيل بأن شروط اللعبة ربما اختلفت بعد عشرة أيام على المواجهات الدامية في الأقصى ضد تغيير الأمر الواقع وتركيب البوابات الإلكترونية تمهيداً للتقسيم الزماني والمكاني.


وقال مسؤول فلسطيني، اشترط عدم ذكره اسمه، لـ"العربي الجديد" إن مدى مصداقية قرار الرئيس أبو مازن ستكشفها الأيام المقبلة، في حال تواصلت اعتقالات الشبان الفلسطينيين على خلفية مقاومة الاحتلال أو حيازة سلاح لاستخدامه لأغراض المقاومة ومصادرة المخارط التي يشتبه بتصنيعها سلاح "الكارلو" المصنع يدوياً، والذي درجت السلطة منذ أعوام على ملاحقة العاملين في هذه المخارط ومصادرة محتوياتها، تماماً كما تفعل قوات الاحتلال.

الأمر الآخر الذي يتطلّب الانتظار لمعرفة حقيقة القرار، حسب المصدر، هو "السلوك الأمني اليومي لأجهزة الأمن الفلسطينية، والتي تمنع المتظاهرين من الوصول إلى نقاط التماس مع الاحتلال بعد انتشارهم، سواء بالزي المدني أو الرسمي من جهة، أو إعادة المستوطنين وجنود الاحتلال الذين يدخلون الضفة الغربية المحتلة ومنهم من يدخل كقوات خاصة بغرض تصفية مطلوبين للاحتلال"، كما حدث في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في 15 أبريل/ نيسان الماضي، إذ وفّر الأمن الفلسطيني الحماية لهم وأخرجهم من المدينة، وصدّ الغضب الشعبي عنهم، بعد أن تم فضح هويتهم وكشف كونهم مستعربين.

فيما أكد مصدر آخر لـ"العربي الجديد" عدم إمكانية تطبيق قرار الرئيس أبو مازن بوقف التنسيق الأمني بشكل كامل، والأمر يعود لسببين: "الأول أن التنسيق بين أجهزة الأمن الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لم يعد تنسيقاً بين المستويات العليا بين أجهزة الطرفين، كما كان الأمر فترة الرئيس ياسر عرفات، إذ توجد الآن خطوط متشابكة ومعقدة مركزية وغير مركزية بين الأمن الفلسطيني والإسرائيلي".

أما الأمر الآخر، بحسب المصدر، "والذي لا يقل خطورة هو أن الجنرال الأميركي كيث دايتون الذي قام بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ عام 2007 كان أحد منجزاته ربط حواسيب الأمن الفلسطيني والإسرائيلي ببرنامج واحد في ما يختص بقضايا المقاومة أو ما تطلق عليه حكومة الاحتلال (الإرهاب)".


وتابع المصدر: "دائماً كان هناك سؤال كبير يطرحه الشارع الفلسطيني حول سياسة (الباب الدوار) حيث تقوم أجهزة الأمن الفلسطينية بإطلاق سراح المقاوم الفلسطيني، وسرعان ما يتم اعتقاله لدى الاحتلال الإسرائيلي بالتهمة ذاتها، ويجد اعترافاته أمامه غالباً مع ملاحظات المحقق الفلسطيني عليها"، وهو ما كشفته مؤسسات حقوقية إسرائيلية سابقاً.



وواجه غالبية النشطاء والكتاب الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي قرار الرئيس بالسخرية وعدم التصديق باتخاذه قرار وقف التنسيق الأمني، وهو القرار ذاته الذي اتخذه المجلس المركزي الفلسطيني في الخامس من مارس/ آذار 2015، ولم يتم تنفيذه، فيما انبرت أصوات فتحاوية للدفاع عن الرئيس ضد من يتهكم على قراره غير مصدّق.

وقال الرئيس أبو مازن ظهر اليوم: "هذا القرار الذي اتخذناه بوقف جميع أنواع التنسيق سواء الأمني أو غيره، ليس سهلاً إطلاقاً، ولكن عليهم (الإسرائيليين) أن يتصرفوا، وأن يعرفوا أنهم هم الذين سيخسرون حتماً، لأننا نقوم بواجب كبير جداً في حماية الأمن عندنا وعندهم، ولدينا كدولة فلسطين، قناعة بأنه لا بد من محاربة الإرهاب في كل مكان، ولدينا ما لا يقل عن 83 بروتوكولاً مع مختلف دول العالم من أجل محاربة العنف والإرهاب".

وأضاف: "بالنسبة لنا كدولة حضارية نحارب العنف والإرهاب، أما إسرائيل فتريد محاربة الإرهاب من خلالنا وتعتمد علينا، ولا تقوم بواجباتها، فهذا ما لا نقبله، لذلك إذا أرادت إسرائيل أن يعود التنسيق الأمني بيننا وبينهم فعليهم أن يتراجعوا عن هذه الخطوات التي قاموا بها".

أما رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية، اللواء ماجد فرج، فأكد صباح اليوم لصحيفة "إسرائيل هيوم"، حسب ترجمة الخبير في الشأن الإسرائيلي، محمد أبو علان: "أن قراراً صريحاً وواضحاً صدر من مكتب الرئيس أبو مازن لكافة رؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتوقف وبشكل فوري عن كافة أشكال التعاون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية".

وتعوّل القيادة الفلسطينية على قرارها غير المسبوق، باستعادة ثقة الشارع وبوصلته التي فقدت جزءاً مهماً منها، خلال فترة إضراب الأسرى الأخير بقيادة مروان البرغوثي، حيث وجه الشارع أصابع الاتهام للقيادة بعدم إسناد الأسرى كما يجب في معركتهم ضد الاحتلال التي استمرت 41 يوماً.

ولفت نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، خلال لقاء مع تلفزيون "فلسطين" الرسمي، مساء السبت، "إلى أن خطاب الرئيس عباس أحدث هزة مهمة للغاية سواء لدى المواطن الفلسطيني الذي قابل المسألة بارتياح وكان ينتظرها، وأحدث هزة لدى هذا العدو المحتل، وأيضاً في العالم لأنه يضع الأمور من جديد على حافة الهاوية، وإن سألنا البعض لماذا تضعون الأمور على حافة الهاوية، سنقول لهم: ماذا سنخسر، لا يوجد ما نخسره بل نكسب أنفسنا".

وتابع: "ما جرى فرصة لنا، أما الاحتلال فهو اعتاد ألا تكون لدى القيادة الفلسطينية مواقف صارخة وجذرية ويعتقد أنه لا يمكن ذلك، ولكن بالعكس قلنا له إن ذلك ممكن".