"الحدود الإيرلندية" تتحكم بمصير بريكست... وتحبط مخططات ماي

06 ديسمبر 2017
تطالب دبلن بالحفاظ على الوضع الحدودي الحالي(بول فايث/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت مفاوضات بريكست تطورات درامية، أول من أمس، عندما اضطرت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى التراجع عن تصريحاتها بالتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، يختتم المرحلة الأولى من مفاوضات بريكست. وجاءت هذه الانتكاسة في المفاوضات بعد إعلان الحزب الاتحادي الديمقراطي رفضه الاتفاق الذي أبرمته ماي مع دبلن حول الحدود الإيرلندية.

وكانت أجواء من التفاؤل سادت بروكسل، عندما أعلن عن التوصل إلى تفاهم بين الحكومتين البريطانية والإيرلندية حول حدود إيرلندا الشمالية، لكن سرعان ما انهارت الآمال بعد أن خرجت زعيمة الحزب الاتحادي الديمقراطي، أرلين فوستر، بتصريح صحافي، ترفض فيه أي تفاهم مع دبلن لا ينطبق على كامل المملكة المتحدة. وتطالب دبلن بالحفاظ على التشريعات الأوروبية في إيرلندا الشمالية، التي هي جزء من بريطانيا، لحماية التجارة بين شطري إيرلندا. ويتضمن ذلك أيضاً استمرار الوضع الحدودي كما هو حالياً، أي غياب نقاط التفتيش الحدودية، وهو الأمر الممكن نتيجة عضوية بريطانيا وإيرلندا في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي. إلا أن الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو حزب إيرلندي شمالي مؤيد للتاج البريطاني، يرفض أي اقتراح من شأنه أن يفتح الباب أمام فصل إيرلندا الشمالية عن بريطانيا. ويرى الحزب، الذي يدعم حكومة الأقلية المحافظة في البرلمان البريطاني، أن منح إيرلندا الشمالية معاملة خاصة يعد خطوة في هذا الاتجاه.

وكانت تيريزا ماي قد أعلنت عن تفاهم مبدئي مع نظيرها الإيرلندي، ليو فارادكار، حول الحفاظ على بعض أوجه التشريعات الأوروبية في إيرلندا الشمالية. وهي النقطة الأخيرة في جدول المفاوضات الأولية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، والتي شملت إلى جانب الحدود الإيرلندية، فاتورة الطلاق وحقوق المواطنين. وأملت ماي أن التفاهم على هذه النقاط، خلال اجتماعها مع رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أول من أمس، سيفتح الباب للانتقال إلى المباحثات التجارية بين الطرفين. لكن يبدو أن ماي نسيت أن تستشير حليفها في البرلمان البريطاني قبل القدوم إلى بروكسل. وأدى رفض الحزب الاتحادي الديمقراطي لموقف ماي، إلى عقدها مؤتمراً صحافياً عاجلاً، بعد 20 دقيقة من تصريحات فوستر، لتعلن أن المحادثات لم تصل إلى النهاية المطلوبة، ولتنطلق عائدة إلى لندن لتقنع حلفائها بنجاعة صفقتها مع دبلن، قبل أن تعود إلى بروكسل الجمعة المقبل.
إلا أن هذا الخطأ الدبلوماسي الفادح من جانب تيريزا ماي قد زاد من تعقيد مفاوضات بريكست الحالية، وأدخل بريطانيا في متاهة من التعقيدات، الناجمة في المقام الأول عن التناقضات في سياسة الحكومة البريطانية تجاه بريكست. فقد تبنت ماي سياسة تفاوضية يعمها الغموض حول رؤيتها للشكل النهائي للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي. فالحكومة الحالية ترغب في الحصول على كافة الفوائد التجارية من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وترفض في الوقت ذاته البقاء في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي. وبينما سمحت المفاوضات، حتى أول من أمس، باستمرار حالة الغموض، جاءت لحظة الحقيقة لتضع ماي في موقف صعب جداً، قد يؤدي إلى انهيار الحكومة في المستقبل القريب.

وتحتاج تيريزا ماي، للحفاظ على أغلبيتها البرلمانية، لدعم نواب الحزب الاتحادي الديمقراطي العشرة في وستمنستر، وذلك لتمرير سياسات الحكومة الكبرى الخاصة بالبريكست والميزانية وغيرها. لكن فوستر، زعيمة الحزب الإيرلندي المتشدد، هددت بسحب هذا الدعم من ماي على خلفية الاتفاق مع دبلن، وهو ما سيؤدي حتماً إلى انتخابات برلمانية مبكرة. إلا أن محللين يشككون في رغبة الحزب الاتحادي الديمقراطي الفعلية في انهيار حكومة ماي، لسببين، أولهما خسارة مليار جنيه إسترليني من الاستثمارات في إيرلندا الشمالية كانت ماي قد وعدت الحزب الإيرلندي بها مقابل الدعم البرلماني، وثانيهما قناعة الجميع حالياً بأن أي انتخابات مبكرة ستصل برئيس حزب العمال، جيريمي كوربن، إلى رئاسة الحكومة. كما أن الجناح المتشدد من حزب المحافظين الحاكم يطالب بالانسحاب الكلي من الاتحاد الأوروبي، ما يتناقض أيضاً مع منح إيرلندا الشمالية وضعاً خاصاً، خصوصاً إن بدا هذا الحل على أنه إذعان بريطاني للشروط الأوروبية. لكن قيادات المتشددين من المحافظين، مثل وزير الخارجية، بوريس جونسون، لا تزال صامتة بشأن هذا التفاهم مع إيرلندا. فالتفاهمات تنص على توقيع "توافق تنظيمي" في حال "عدم وجود حلول متفق عليها"، وفقط في الشؤون المتعلقة "بالتعاون بين الشمال والجنوب" الإيرلنديين و"حماية اتفاق الجمعة العظيمة". وفي هذه الحالة أيضاً، يمكن لتمرد من داعمي هذا الجناح المحافظ أن يدفع الحكومة إلى الانهيار، لكن المخاوف من وصول حزب العمال إلى 10 داوننغ ستريت، إضافة إلى عدم وجود مرشح بديل لتيريزا ماي، تردعهم عن ذلك حتى الآن.

وما يزيد الأمر تعقيداً، تصريحات نيكولا ستيرجون، رئيسة الحزب القومي الاسكتلندي، الذي يتمتع بالأغلبية في اسكتلندا. وبوجود 35 نائباً في مجلس العموم في لندن، فإن اسكتلندا ستطالب بالبقاء في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي، في حال بقاء إيرلندا الشمالية، إذ لا يوجد مانع عملي ضد ذلك. وتأمل ستيرجون من ذلك أن تزيد من نسبة الدعم الاسكتلندي لحزبها الذي يطالب بالانفصال عن بريطانيا. كما أن الإدارة الويلزية وعمدة لندن، صادق خان، طالبا بالأمر ذاته، كون غالبية هذه المناطق صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. ودفعت هذه التطورات رئيسة حزب المحافظين الاسكتلندي، روث ديفيدسون، التي تتمتع بثقل في حزب المحافظين نظراً للمكاسب التي حققها الحزب تحت إدارتها في الانتخابات العامة الماضية، بالإبقاء على كامل بريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي، وهو حل سيرضي المعارضة البريطانية، والجناح المحافظ الراغب في بريسكت مخفف، لكنه سيغضب متطرفي بريكست المحافظين والحزب الاتحادي الديمقراطي الذين تعتمد عليهما ماي لاستمرار حكومتها. وفي ضوء هذا الموقف المستحيل، تواجه ماي خيارين أحلاهما مر، نظراً لضعف قدراتها التفاوضية وحلولها الإبداعية، فإما أن تخرق الخطوط الحمر التي وضعها حلفاؤها المتشددون، وتغامر بالتالي بانهيار حكومتها، أو أن تقامر بمستقبل بريطانيا رهن بقائها في الحكم. إلا أن الرابح الوحيد والأكبر من هذه المعادلة هو جيريمي كوربن، إذ إن أي خطوة تتخذها ماي حالياً ستصب في صالحه، سواء كانت التوجه لانتخابات مبكرة، أو البقاء في السوق الأوروبية المشتركة.

المساهمون