الدور المصري فلسطينياً: توحيد القيادة أولاً والتمهيد لمبادرات غربية

07 يونيو 2016
يطمح السيسي لأداء دور إقليمي (Getty)
+ الخط -
رغم نفي وزير الخارجية المصري سامح شكري، ومصادر دبلوماسية عديدة في وزارته، أن يكون الدور المصري الجديد في عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل يتضمن التنازل عن جزء من أرض سيناء للفلسطينيين مقابل مساحة مماثلة في صحراء النقب، إلا أن الحديث لم يتوقف عن هذا الأمر في المنتديات السياسية ومواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً في ظل تأكيد نشطاء سيناويين أن عملية إخلاء شمال شرق سيناء الممنهجة من الأهالي هي خطوة أولى على طريق المبادلة.

وكتب الناشط السيناوي البارز مسعد أبو فجر، والذي كان عضواً في لجنة الخمسين لوضع الدستور المصري الحالي بعد الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين"، تدوينة طويلة على صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك" أعلن فيها تأكده من أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيوافق على عملية المبادلة، وأن هذا هو الهدف النهائي من عملية الإخلاء والتهجير القسري الممنهجة لأهالي سيناء من الشيخ زويد وحتى رفح، بدعوى مكافحة الإرهاب.

ليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها موضوع مبادلة قطعة من أرض سيناء بجزء من صحراء النقب لتوسيع قطاع غزة في الاتجاه الجنوبي الغربي لاستيعاب آلاف الأسر الفلسطينية، إذ طرحت وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية هذا المشروع من قبل تحت اسم "جيورا ايلاند" مطلع الألفية الجديدة، وقالت بعضها آنذاك إن دوائر أميركية عرضت الأمر بصورة غير رسمية على الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، لكنه لم يوافق.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه رفض عرضاً مشابهاً للحصول على قطعة أرض من سيناء مساحتها ألف كيلومتر مربع وذلك في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وتلقت الصحف الموالية لنظام السيسي هذه التصريحات بترحيب وترويج واسع، غير أن مسؤولين سابقين في الرئاسة المصرية في عهد مرسي نفوا تصريحات عباس جملة وتفصيلاً ووصفوها بالكاذبة.

وعادت هذه الأطروحات إلى الواجهة أخيراً في ظل مستجدين أساسيين، الأول هو الخلاف بين إسرائيل من جهة والفلسطينيين ومصر والأردن وأطراف أخرى حول المبادرة الفرنسية المطروحة حالياً للسلام، والمستجد الثاني هو دعوة السيسي المفاجئة للفلسطينيين وإسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات "لمناقشة أي مبادرة"، وبدء النظام المصري رعاية جهود للمصالحة الفلسطينية الداخلية بين عباس والقيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان، وبين عباس وحركة "حماس".

واستضافت باريس اجتماعات حول المبادرة الفرنسية التي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسمياً رفضه لها، ويوضح مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد" أن "هذه الاجتماعات لا يعوّل عليها لإنجاح المبادرة، ولكنها تسمح بطرح أفكار جديدة لإقناع إسرائيل بها، أو الضغط عليها للتخلي عن سياسة الالتفاف وكسب الوقت". ويؤكد المصدر الفرنسي أن "باريس تريد إنجاح مبادرتها التي ستُعرض رسمياً على الأمم المتحدة ومجلس الأمن نهاية العام الحالي لسببين: أولهما رغبة فرنسا في أن يكون لها دور محوري جديد في الشرق الأوسط، وثانيهما إيمان الدوائر السياسية الفرنسية بأن استمرار الصراع في القضية الفلسطينية سيؤدي لاستمرار اشتعال الأوضاع في مختلف مناطق الشرق الأوسط، بما في ذلك سورية ولبنان المهمين لفرنسا تاريخياً وثقافياً، وليبيا المهمة لها استراتيجياً".

وحول التباين في مواقف الأطراف الفاعلة، يقول المصدر إنّ "نتنياهو لا يريد الذهاب إلى طاولة مفاوضات تحت ضغط، وواشنطن تكتفي حتى الآن بعبارات مجاملة مثل نحن معكم، ونقدر المبادرة وغيرها من المبادرات، فيما رد الفعل الأكثر إيجابية صدر من السيسي بإعلانه تأييد المبادرة، لكن مصر والأردن تؤيدان قبل كل شيء المبادرة العربية، وهناك فارق بين المبادرتين بالتأكيد، فلا يمكن الانطلاق منهما سوياً".

يكمن الفارق بين المبادرتين في أن الفرنسية تتعامل مع الوضع الحالي الذي ترسخ بتآكل حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وتسعى لإيجاد مناطق عيش للفلسطينيين، بينما تتعامل المبادرة العربية مع حدود الرابع من يونيو/حزيران وتنطلق من الاتفاقيات التي وقّعها الفلسطينيون سلفاً مع إسرائيل برعاية أميركية. ويرى المصدر الفرنسي أن عدم تفاؤل باريس بنجاح سريع لمبادرتها له ما يبرره، لأن "إسرائيل لن تتحرك إلا بضغوط أميركية قوية، وواشنطن من جهتها لا تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها حالياً على عكس حقبة التسعينيات من القرن الماضي". غير أنه يشير إلى أن "الرئيس الأميركي باراك أوباما قد يكون راغباً في تحريك المياه الراكدة قبل انتهاء فترة حكمه، لكن نتنياهو يتمتع بهامش واسع من المناورة يتمثّل في التغيرات السياسية داخل الكنيست والحكومة بالاتجاه المطرد نحو التطرف اليميني".


ويبدو أن الدور المصري الذي عرض السيسي أن يقوم به في الآونة الأخيرة يدخل في إطار "تحضيرات لتحركات محتملة فرنسية أو أميركية" بحسب وصف المصدر الفرنسي الذي يقول: "عرض السيسي وخارجيته على باريس وواشنطن وعواصم أخرى تصوراً مفاده أن يتم تفويضه ودعمه لرعاية مصالحة فلسطينية شاملة داخل حركة فتح (بين عباس ودحلان) وبين فتح وحماس، كضمانة أولية لجدية أي تفاوض محتمل". يضيف المصدر: "يتصور السيسي أيضاً أن خطابه التحفيزي للسلام قد يؤدي لتعامل إيجابي أكبر من اليمين الإسرائيلي، وهذا ما تأمل باريس في تحققه"، مشدداً على أن "السيسي يبدو طموحاً لأداء دور إقليمي فيما تبقى من مدته الرئاسية الأولى ليكسب ثقة أكبر في الدوائر الغربية، خصوصاً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية والحقوقية الداخلية في مصر". كما ينفي المصدر ما تردد عن إدراج مشروع تبادل الأراضي في المبادرة الفرنسية، مشيراً إلى أن "هذه الأفكار لا يمكن عرضها في بداية الترويج لمبادرة مثيرة للجدل، لكن لا أحد يعلم ماذا يحمله المستقبل إذا تطور التفاوض حول أي مبادرة".

أما في الطرف المصري، فيبدو الدور الذي يريد السيسي أن يقوم به أكثر وضوحاً في الإطار السياسي، مع استمرار النفي "المشدد" لقبوله مشروع مبادلة الأراضي. ويقول مصدر دبلوماسي مطلع في القاهرة لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تنسيقاً مصرياً مع السعودية والإمارات لرأب الخلافات الفلسطينية، لأن التعامل مع أكثر من طرف فلسطيني قوي مجهد للجميع"، مؤكداً بدء جولة اتصالات جديدة تديرها الاستخبارات المصرية بين عباس ودحلان من جهة، وبين عباس و"حماس" من جهة أخرى. ويضيف المصدر أن "الاتصالات الجديدة تتم بتنسيق عربي عربي ولن تنأى عن علم الولايات المتحدة وأطراف دولية أخرى، ومصر تعتقد أن هذه المصالحة الداخلية ضرورية قبل العودة لمفاوضات السلام".

وعما إذا كانت هذه الجهود تهدف إلى تغيير القيادة الفلسطينية الحالية؛ يجيب المصدر بتحفظ: "هناك ثقة مصرية في عباس أكثر من الآخرين، لكن لا يمكن تجريد القيادات الفلسطينية من طموحات الزعامة، وربما على الجميع اللجوء لعملية ديمقراطية تحل الأوضاع العالقة".
وحول التنسيق مع إسرائيل، يكشف المصدر عن وجود اتصالات تنسيقية لكنها لم ترقَ لدرجة الاتفاق على أي شكل للتفاوض سواء تحت مظلة المبادرة العربية أو الفرنسية، مضيفاً: "دعوة السيسي لاقت ترحيباً إسرائيلياً تتردد أصداؤه بشكل مباشر بين مصر وإسرائيل، فهم يرون أن الدعوة جادة من شخص جاد يمكن الوثوق فيه".

وسبق أن نفى وزير الخارجية المصري معلومات نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن لقاءات مصرية إسرائيلية فلسطينية وشيكة في القاهرة. ويعقب المصدر الدبلوماسي المصري على ذلك بقوله: "هناك اتصالات فعلية تُغني عن اللقاءات في الوقت الحالي، ونواجه رفضاً إسرائيلياً قاطعاً لحضور أي أطراف على مائدة التفاوض مع القيادة الفلسطينية للتهرب من الضغوط". ويصف المصدر المصري الجهود الحالية بـ"محاولة بعث الحياة في جسد مات منذ عدة سنوات"، مشيراً إلى محاولات استئناف المفاوضات التي فشلت عامي 2012 و2014، مما يدفعه لتوقّع أن تستغرق محاولات "إعداد قاعدة جيدة للتفاوض" نحو عام من العمل الدبلوماسي والاستخباراتي الجاد.

المساهمون