نهاية أسطورة ياسر سليم: رسالة تحذيرية وهيكلة مشاريع النظام

30 نوفمبر 2019
كان سليم أحد أبرز رجالات السيسي(تويتر)
+ الخط -

لا يبدو أن إلقاء القبض على رجل الأعمال وضابط المخابرات السابق ياسر سليم، الذي كان من الشخصيات الفاعلة في عملية سيطرة المخابرات العامة على الصحف والقنوات الفضائية في مصر خلال السنوات الخمس الماضية، مجرد خطوة انتقامية أو معبّرة عن إزاحته وحده عن مجال استثمارات المخابرات العامة والأجهزة السيادية الأخرى التابعة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بل إنه يعكس اتجاه النظام لإعادة هيكلة مشاريعه الربحية خارج إطار الدولة، وإبعاد مجموعة من الضباط والمستثمرين الذين كانوا واجهة لذلك النشاط، تمهيداً للدفع بآخرين. وهي رسالة تحذيرية تأتي في وقت تنتشر الشائعات والأنباء عن إبعاد نجل السيسي وكيل المخابرات محمود السيسي والمقدم أحمد شعبان مساعد مدير المخابرات عباس كامل. والأسماء الثلاثة السابقة هي الأهم حتى الآن، في معادلة تسيير الإعلام المصري والتقاطعات بينه وبين الاستثمار والسياسة.

وكان المصريون قد استيقظوا أمس الجمعة على نبأ القبض على "المنتج الهارب" ياسر سليم، وذكرت المواقع المملوكة للمخابرات والموالية للنظام بصياغة موحّدة أن سبب إلقاء القبض على سليم هو "اتهامه بإصدار شيكات من دون رصيد للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"؛ فضلاً عن نشر صورة مهينة له في سيارة "ميكروباص"، وبجانبه عنصران أمنيان غير واضح ما إذا كانا تابعين للشرطة أو جهاز آخر. واللافت أن الشركة الشاكية التي تُعتبر من الشركات الجديدة في مجال الإنتاج الإعلامي، هي إحدى شركات مجموعة إعلام المصريين التي كان سليم نائباً لرئيسها، ويرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال المقرب من المخابرات العامة تامر مرسي، والذي عيّن سليم نفسه نائباً له في رئاسة المجموعة المملوكة للمخابرات. كما ادعت الصياغة أن سليم كان هارباً، مع أن بعض المواقع التي نشرت الخبر على عجالة في ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة، كانت قد نشرت صورا لاحتفاليتين أقامهما سليم الشهر الحالي ودعا فيهما عدداً كبيراً من الفنانين، في أحد المطاعم التي يملكها في القاهرة الجديدة.

مصادر مطلعة في مشروع إعلامي تابع للمخابرات وأخرى في حزب "مستقبل وطن" المدار بواسطة المخابرات، وكانت تربطها صلة بياسر سليم، كشفت أنه تم إبعاده سراً عن منصبه كنائب لمجموعة إعلام المصريين منذ 5 أشهر في إطار حركة "إعادة هيكلة" للمجموعة وشركات الدعاية والقنوات والصحف التابعة لها؛ وبمعنى أوضح، تم إبعاد ياسر سليم عن ممارسة دوره كواجهة لإدارة أموال المخابرات وشخصيات كبيرة بالنظام، وهو الدور الذي أجاد لعبه، على شاكلة رجل الأعمال المبعد أيضاً أحمد أبو هشيمة. لكن الفارق هو أن أبو هشيمة لم يتم القبض عليه، ليصبح هذا الإجراء هو الأقسى بحق شخصية على هذا المستوى الاستثنائي من النفوذ والقرب من السيسي ونجله محمود ومدير مكتبه عباس كامل.

وأضافت المصادر أن سليم، الذي كان الجميع يتقرّب منه ويسعى للتعرف عليه في مجال الإعلام والإنتاج الفني، يعتبر نفسه أكثر من مجرد واجهة لإدارة الأعمال وتمثيل الشركات؛ فهو من ناحية يرى أنه ساهم في تحقيق نهضة كبيرة لتلك الشركات منذ بدأ العمل بها، عندما وقع اختيار عباس كامل عليه من بين ضباط المخابرات العامة، ليترك العمل رسمياً عام 2014 ويدخل مجال الإعلام بأموال متعددة المصادر، لصالح المخابرات، ويشتري حصة حاكمة من أسهم موقع "اليوم السابع" وشراء الحق الحصري للإعلانات المطبوعة والرقمية له.

وبحسب المصادر، فإن سليم كان يرى أنه أنقذ مشاريع دائرة السيسي أكثر من مرة من الإفلاس، بسبب إجادته عقد الصفقات وجذب العديد من المستثمرين الكبار والمتوسطين لتوظيف أموالهم معه في المشاريع التابعة للمخابرات، خصوصاً في مجالي الإنتاج الفني والدعاية والإعلانات. ولم يكن هذا الأمر محل إنكار من قبل دائرة السيسي الخاصة، لكن خلافات متكررة في وجهات النظر منذ بداية العام الماضي ساهمت في اشتعال الموقف، حتى ارتأى نجل السيسي إبعاد ياسر سليم عن المجموعة منذ 5 أشهر تقريباً، على خلفية خلافات متصاعدة بينه وبين تامر مرسي، الأقرب لدائرة السيسي حالياً، بالرغم من عدم انتمائه إلى خلفية عسكرية أو مخابراتية.

وأفاد أحد المصادر بأن السبب الرئيس في إبعاد ياسر سليم، هو انتقاده لمحمود السيسي وطريقة إدارة الملف الخاص بمنظومة تسويق تراث الإذاعة والتلفزيون وتدشين المنصة الإعلامية الجديدة المملوكة للمخابرات "ووتشيت"، التي حازت بالأمر المباشر على معظم محتوى مكتبة اتحاد الإذاعة والتلفزيون ومنعت إتاحته مجاناً على منصات التواصل الاجتماعي المجانية، وذلك نظراً لتفضيل المسؤولين عن المنصة الجديدة شركة جديدة على حساب شركة ياسر سليم "بلاك أند وايت" في مجال الدعاية، وحرمانه من تحقيق أرباح من المشروع الجديد.



في المقابل، ربط مصدران بين ظهور الخلافات غير المعروفة، تحديداً التي أودت بمستقبل ياسر سليم وبين خصومة قديمة بينه وبين شخص جديد يشاركه الماضي المخابراتي لكنه يحظى بثقة أكبر لدى نجل السيسي وعباس كامل، هو الضابط السابق منتصر النبراوي، الذي تدرج بسرعة الصاروخ منذ أن كان مسؤول العلاقات العامة بإعلام المصريين، ليصبح في ظرف عامين عضواً في مجلس الإدارة ونائباً لرئيس شركة "بي أو دي" المتخصصة في الدعاية والتابعة للمجموعة نفسها. وهي الشركة التي تملك أكبر الحقوق الحصرية للإعلانات في مصر حالياً، فضلاً عن كونه المسؤول الأول عن منظومة التسويق الجديدة "تذكرتي" التي ظهرت في كأس الأمم الأفريقية الماضية، وكذلك بات أحد المسؤولين الرئيسيين عن منصة "ووتشيت" الجديدة. وعكس حديث المصادر اتجاه دائرة السيسي لسياسة الإحلال والتبديل والتصعيد والإبعاد، على مستوى المشاريع نفسها، بهدف ضمان التبعية والثقة.

وأشارت المصادر إلى أن انتقادات ياسر سليم لتلك السياسة، قادتها للتواصل أكثر من مرة مع ضباط مخابرات سابقين تم إبعادهم في السنوات الأخيرة، لكونهم من التابعين لرئيس المخابرات الراحل عمر سليمان ولعدم ثقة دائرة السيسي بهم، إذ كان يبحث معهم تدشين مشاريع جديدة في الفترة المقبلة لمزاحمة شركائه القدامى، خصوصاً في مجال الإنتاج التلفزيوني.

وأدى عدم معرفة غالبية العاملين بالحقل الفني بتلك التطورات التي ظلت محصورة على نطاق ضيق، إلى استمرار تمتع ياسر سليم ببريقه طوال الفترة الماضية كرجل أعمال مقرب للنظام، بل وممثلاً له في بعض المشاريع، فكانت الصحف تنشر أخباره وصوره بصورة طبيعية، لا سيما وأنه كان معروفاً بتنظيم الحفلات الباذخة ودعوة نجوم الفن لحضورها. كما كان يواصل نشاط شركته "بلاك أند وايت" بصورة طبيعية في إنتاج الأغاني والفيديو والتدريب وتقديم الاستشارات الدعائية.

وعُرف سليم منذ دخوله مجال الإعلام عام 2014 بأنه واجهة للمخابرات العامة، وعرّف نفسه أكثر من مرة في عدة اجتماعات بأنه ضابط سابق؛ وبعد عام من شرائه أكبر حصة من "اليوم السابع" أوكلت له الرقابة الإدارية إنتاج البرامج الرئيسية في التلفزيون المصري إبان فترة سيطرتها عليه قبل تركه للمخابرات، ثم اشترى موقعي "دوت مصر" و"صوت الأمة" وضمّهما إلى "اليوم السابع" عام 2016، ثم اشترى شركة "بلاك أند وايت للدعاية والإعلام" وضم تلك الكيانات جميعاً لمجموعة إعلام المصريين.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، وبالتزامن مع بدء خطة توحيد الإعلام الموالي تحت سيطرة المخابرات العامة وحدها وسحب المشاريع التي كانت موكلة للداخلية وغيرها من الكيانات، تم تعيين ياسر سليم نائباً لرئيس مجموعة إعلام المصريين؛ ثم في إبريل/نيسان 2018 أعلن توليه رئاسة مجلس إدارة مجموعة "الحياة والعاصمة وراديو دي آر إن" قبل ضمها إلى مجموعة إعلام المصريين، وكان سليم من معارضي قرار الضم، بحسب مصدر مطلع.

وإلى جانب ذلك، كانت لياسر سليم الذي يلقب في أوساط المخابرات والإعلام الموالي للسلطة بـ"القبطان"، أنشطة استثمارية أخرى في مجال المطاعم السياحية والفنادق وتجارة السيارات، بالشراكة مع رجال أعمال آخرين. كما برز اسم ياسر سليم باعتباره إحدى الشخصيات التي أشرفت على إعداد قائمة "في حب مصر" التي فازت بالأكثرية النيابية بالانتخابات التشريعية الماضية، وهو أيضا أحد المتداخلين بقوة في إدارة حزب "مستقبل وطن" أقرب كيان سياسي للسلطة الحاكمة حالياً.