تونس: عرّابو حكومة الشاهد يهاجمونها بانتظار ثقة البرلمان

23 اغسطس 2016
أحزاب تتهم بعض وزراء حكومة الشاهد بالفساد(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتأخر ردود الفعل على إعلان تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، حاملة رسائل عدة، خصوصاً بعدما انطلقت مواقف الاستهجان والرفض لتضع الرئيس المكلف، يوسف الشاهد، أمام وضع صعب، سيضطر فيه إلى مواجهة اعتراضات من قبل أحزاب اختارها لتشكيل وزارته، فضلاً عن انتقادات من بقية أحزاب المعارضة التي ظلت خارج اللعبة.

أما الاختبار الأبرز فسيكون يوم الجمعة المقبل، حين تعقد الجلسة العامة للبرلمان المخصصة لعرض حكومة الشاهد على التصويت لمنحها الثقة، بحسب ما أعلن رئيس البرلمان، محمد الناصر، أمس.

وبرزت في اليومين الماضيين سلسلة من المواقف التي عكست حالة تململ وتحفظ بشأن تركيبة الحكومة، سياسياً واجتماعياً. وانتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات مختلفة تصبّ في مجملها في خانة التهكم والسخرية من أسماء بعض الوزراء، ومن الخيارات التي تم اعتمادها بهذا الشأن، لأنها لا تختلف عن خيارات حكومة الحبيب الصيد، وفق آراء البعض.

وعلى الرغم من أن الشاهد عقد سلسلة طويلة من المشاورات، على مدى أكثر من أسبوعين، مع مختلف الأطياف السياسية والحزبية ومعظم المنظمات الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة رجال الأعمال، والشخصيات السياسية، إلا أن ردود الفعل جاءت في أغلبها رافضة للتركيبة الحكومية. وارتفعت الأصوات المطالبة بتغيير بعض الوزراء، مستغربةً التسرع في الإعلان عن التشكيلة قبل مناقشتها والاتفاق النهائي على أسمائها، وكأن الشاهد أراد أن يضع الجميع أمام الأمر الواقع.

وأكد رئيس الكتلة البرلمانية لحركة نداء تونس، سفيان طوبال، لـ"العربي الجديد" أن "الكتلة قررت إرسال وفد للقاء الشاهد للنقاش حول وضعية بعض التسميات من وزراء وكتّاب دولة وإبلاغه بتحفظات النواب على التركيبة الجديدة".

كذلك، أفادت رئيسة الكتلة النيابية لحزب آفاق تونس، ريم محجوب، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن "أغلبية أعضاء المجلس الوطني أكدوا ضرورة دعوة الشاهد إلى مراجعة عدد من أسماء الوزراء قبل الإعلان عن الموقف الرسمي والنهائي من مشاركة الحزب في الحكومة من عدمها". وأصدر المجلس الوطني للحزب بياناً أعلن فيه دعمه التام لمسار تكوين حكومة الوحدة الوطنية، لكنه عبّر عن تحفظاته على مسار المشاورات التي سبقت تشكيلها، وعلى تركيبتها، مشيراً إلى تكليف فريق التفاوض بالاتصال مجدداً برئيس الحكومة المكلف وفتح باب النقاش من جديد لإبلاغه بالنقاط الخلافية.


لكن موقف رئيس حزب آفاق تونس، ياسين إبراهيم، كان الأعنف. فقد هاجم الحكومة في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل فيه: "كيف يمكن لحكومة أن تقاوم الفساد بوزيرين هما عبيد البريكي ومهدي بن غربية؟". ويعكس هذا الأمر مناخ العلاقات في المستقبل داخل هذه الحكومة، إنْ كتب لها أن تبصر النور بهذا الشكل، أي إذا نالت ثقة البرلمان التونسي.

بدوره، اعتبر المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري، والذي يمثله أياد الدهماني في الحكومة، أنه فوجئ بسرعة الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة قبل استيفاء التشاور مع الأحزاب الديمقراطية التقدمية الموقعة على وثيقة قرطاج. ودعا في بيان له أمس الاثنين، رئيس الحكومة المكلف، إلى فتح باب الحوار، بما يساعد على حشد الدعم لحكومة الوحدة الوطنية بعيداً عن سياسة فرض الأمر الواقع و من أجل توفير أكبر قدر من أسباب ضمان انطلاقة ناجحة لهذه الحكومة.


ولم يكن موقف حركة النهضة مختلفاً عن بقية الأحزاب. ولفت رئيس مجلس شورى "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "تم الاتفاق مع الشاهد على أن يترك لنا حيزاً من الزمن للنقاش في مقترحاته لكنه فاجأنا بالإعلان عن التركيبة". وأضاف أن "النهضة" كانت تأمل أن تعقد اجتماعاً لمجلس الشورى فيها، قبل ولادة الحكومة، ليتسنى لهذا المجلس أن يضع ملاحظاته وتحفظاته على تشكيلتها. صحيح أن مجلس شورى الحركة صادق على ممثلي النهضة في الحكومة المعلن عنها، لكن الهاروني قال إنه لن يقبل بأن تضم حكومة تونس أشخاصاً تحوم حولهم شبهات فساد أو إقصائيين. وتنوي الحركة إبلاغ الرئيس المكلف بموقفها قبل المصادقة على الحكومة في البرلمان.

بيد أن الهاروني أكد أن تصويت "النهضة" في جلسة منح الثقة للحكومة لن يكون مشروطاً بتغيير بعض الأسماء التي تتحفظ عليها الحركة، معتبراً أن دورها سيكون إيجابياً في هذه المرحلة وأن انتقاداتها ستبلغها لرئيس الحكومة كما ستطرحها كتلتها أيضاً خلال جلسة منح الثقة للشاهد. وشدد على أن الحركة "لن ترفض حكومة كاملة لأجل بعض الأسماء لكن لدينا تحفظات".

ولفت رئيس مجلس شورى النهضة إلى أن الحركة ستعمل في إطار فريق حكومي متضامن ومنسجم، لكنها لن تقبل أي شبهة في العلاقة بالفساد وأي شبهة نحو الإقصاء والاستئصال، ذاكراً أن حركته ستتواصل مع بقية مكونات الحكومة للقيام بالإجراءات التي ينتظرها التونسيون، ولا سيما أن الوزارات التي تقلدتها الحركة لها علاقة بالاقتصاد. وأوضح أن تركيبة الحكومة كشفت عن تعزيز الوسطية والاعتدال، الأمر الذي عده مؤشراً لنضج سياسي وسيساعد تونس لكسب التحدي ضد الإرهاب والبطالة، وفق قوله.

في هذا الصدد، قال رئيس "النهضة"، راشد الغنوشي، "إن النهضة ستبلغ (الشاهد) تحفظاتها (على الحكومة) وهو سيقرر كيفية التعاطي معها". وفي حديث لـ"العربي الجديد" أعرب عن تفاؤله بتركيبة الحكومة التي كشفت عن تطور كبير في الساحة السياسية التونسية، عجزت عن تحقيقه دول أخرى شقيقة، على حد تعبيره. وذكّر بالوضع في ليبيا التي عجزت نخبها عن إدارة حوار وطني وحل نزاعاتها، ما جرّها لمربع العنف والخراب، لافتاً إلى أنها المرة الأولى التي يلتقي فيها التيار الإسلامي مع التيار اليساري والتيار النقابي والقومي والليبرالي، وهو ما يعد إنجازاً محموداً تونسياً، على حد قوله. ووصف التشكيلة الجديدة ونتاج المشاورات بـ"تونس الحقيقية" وتونس التوافق.

وأسباب هذا الارتياح تقابلها عوامل ريبة وتساؤلات حول إمكانية التجانس والتضامن الحكومي. فالوجوه اليسارية والنقابية والليبرالية عُرفت أيضاً بمعارضتها للنهضة، والعكس بالعكس، ما يهدد تناغم العمل الحكومي. وبالتوازي، عبّر نواب من حزب نداء تونس عن رفضهم ترشيح الأمين العام لحزب المسار الديمقراطي والاجتماعي (يساري)، سمير الطيب، لمنصب وزير الزراعة والموارد المائية. وقال النائب عصام الماطوسي، في تصريح اذاعي، إنه كان من الأفضل تعيين شخصية خبيرة بقطاع الزراعة، مشيراً إلى رغبة "نداء تونس" بتكليف عضو قيادته، عبد العزيز القطي، أو أي قيادي آخر، بهذا المنصب.

في ظل كل هذه الانتقادات والتحفظات، قد يجد الشاهد نفسه مجبراً على إعادة النظر بتشكيل حكومته، وتعديل بعض حقائبها، وربما اقتراح حكومة ثانية. وهذا ما يؤكد أن الشاهد، شأنه شأن غيره من رؤساء الحكومة السابقين، لن يفلت من فخ المحاصصة الحزبية. لكن بعض العارفين بالقانون الدستوري يؤكدون أن الرئيس المكلف لم يعد بإمكانه تغيير التشكيلة بعد عرضها على رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، الذي أحالها سريعاً إلى مجلس النواب. ويضيف هؤلاء الخبراء أن الشاهد لم يعد قادراً على إضافة اسم جديد إلى التشكيلة الوزارية، ولا على شطب أي اسم منها.

لكن يبقى السؤال في معرفة ماذا سيفعل الشاهد في حال خرج أحد الأحزاب من التشكيلة الحكومية قبل عرضها على البرلمان؟

المساهمون