من القاهرة إلى تونس... هل يتغير شيء في ليبيا؟

21 فبراير 2017
علامات استفهام كثيرة على إعلان تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت كل من تونس والجزائر ومصر، عن مبادرة وزارية مشتركة مهمتها دعم وتعزيز التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، وذلك خلال إطلاق "إعلان تونس" الثلاثي في مؤتمر صحفي مشترك بالعاصمة التونسية، يوم أمس الاثنين، بالاشتراك مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ووزير الشؤون المغاربية الجزائري، عبد القادر مساهل.

وجاءت المبادرة في إطار التأكيد على خمسة مرتكزات تتمثل في مواصلة جهود تحقيق المصالحة بين الأطراف الليبية، والتمسك بسيادة البلاد ووحدتها في ظل حلّ سياسي يكون اتفاق الصخيرات منطلقًا له، بالإضافة لرفض أي تدخل أجنبي، وتحديدًا العسكري منه، والسعي لوحدة مؤسسات الدولة من خلال مواصلة سعي الدول الثلاث لتذليل عقبات الطريق للوصول الى تسوية سياسية قريبة.

لكن مراقبين للشأن الليبي وضعوا علامات استفهام كثيرة إزاء حقيقة وجود مبادرة ثلاثية عربية، متسائلين عن شكل هذه المبادرة، وتفاصيلها التي لم يتمّ الإعلان عنها، وعمّا إذا كانت ترقى إلى أن تكون مبادرة في الأساس، أم أنها مجرد "مساعٍ عربية" لجمع أطراف الأزمة على تعديل للاتفاق السياسي يكون محلّ إجماع، للبدء لاحقًا في تطبيقه.

ويرى بعض المحللين أن تأجيل الإعلان عن تفاصيل هذه المبادرة مرتبط بغموض الموقف الدولي؛ فالاجتماعات التي عقدت على هامش مؤتمر الأمن أخيرًا في ألمانيا بين قادة أوروبا ووزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، لا تزال غامضة، مما يعكس أن الملف الليبي لا يزال محل اختلاف دولي كبير، بالتوازي مع عدم وضوح الموقف الأميركي حتى الآن.


كما يتساءل البعض عن التسريبات المتزايدة حول اتفاق الأطراف الليبية والإقليمية، بموافقة دولية، على تعديل الاتفاق السياسي، لناحية ما إذا كان ثمّة تحديد لمواضع التعديل واتفاق عليها، أم أن التعديل سيطاول كامل الاتفاق.

لكن أحد أعضاء لجنة الحوار السياسي كشف في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، طالبًا عدم الكشف عن اسمه، أن "طروحات جديدة بدأت تظهر في كواليس المفاوضات، أبرزها مناقشة إمكانية تطبيق النظام الكونفدرالي في البلاد، لكن المشروع تعترضه مسائل متعلقة بوضع مؤسسات الدولة، كالبنك المركزي ومؤسسة النفط وقيادة الجيش"، لافتًا إلى أن المؤسسة الأخيرة تعتبر نقطة الخلاف الرئيسي بين أبرز الأطراف الليبية، بسبب إصرار الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على التمسك بها، ورفضه إشراك آخرين معه في قيادتها.



وفي وقت لاحق من يوم أمس الاثنين، أعلن رئيس البرلمان في طبرق، عقيلة صالح، عن نيته الإعلان عن شكل التعديلات المطلوبة في الاتفاق السياسي، ولخّص بيانه الرسمي، الذي اطلع "العربي الجديد" على نسخة منه، تعديلاته في شكل إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وتعيين رئيس منفصل عنه للحكومة "من أجل إخضاعه للمساءلة أمام البرلمان عند حصول مخالفات وتجاوزات"، دون أن يتعرض لمسألة قيادة مؤسسة الجيش، وهي النقطة الأكثر جدلًا والمعرقل الأول للتسوية.

ويرى محللون أن مسألة إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وفرز حكومة جديدة، ليست محل اعتراض من قبل الأطراف الليبية، حتى المناوئة لمشروع حفتر وداعميه السياسيين في الشرق، لكن المشكلة الأساسية مرتبطة بمنصب قائد الجيش، وما إعلان رئيس البرلمان ذاك، في وقت أعلنت فيه الدول الثلاث عن مبادرتها، إلا مناورة جديدة لإبعاد الحديث عن قائد ذراعه العسكرية حفتر.

ومن المحتمل أن إعلان تونس لن يأتي بجديد، لكنه يحمل رسالة واضحة مفادها أن الملف الليبي لم يعد حكرًا على القاهرة، وهناك لاعبون جدد باتوا يفرضون وجودهم داخل المعادلة الإقليمية بشأن ليبيا.

ويبدو أن القاهرة، التي استقبل رئيس اللجنة الوطنية المعنية بليبيا فيها، الفريق محمود حجازي، الأسبوع الماضي، وفدًا من أعضاء المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، برئاسة محمد إمعزب، المعروفين بمناوأتهم لمشروع حليف القاهرة حفتر، باتت تدرك أن الملف الليبي متشعب، وأن عليها التواصل مع أطراف أخرى في طرابلس، مرتبطة بدول كبرى لها مصالح أيضًا في ليبيا، وتدعم أطرافًا تفرض نفسها في واقع الملف، لتعلن عن اتفاق ليبي بشأن تشكيل لجنة مشتركة بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، من أجل مناقشة المناصب التي سيستمر شاغلوها فيها الى حين الوصول الى انتخابات جديدة العام القادم، في خطوة استباقية لتجميد الأوضاع في البلاد لصالحها.

وحتى اللحظة، يبدو أن الجزائر، الفاعل الجديد في الملف الليبي، ومعها تونس، أكثر اقترابًا من الواقع، فقد تناقلت وسائل إعلام مؤخرًا نية الجزائر توجيه دعوة لرئيس حكومة الإنقاذ، خليفة الغويل، كما ستستقبل تونس اللواء حفتر، دون الإشارة لنيتهما في التواصل مع القادة السياسيين في طبرق وطرابلس، في إشارة منهما إلى أن الحل يكمن في من يسيطر على الأرض، فخليفة الغويل أعلن، قبل أيام، عن تشكيل عسكري ضارب في طرابلس والمدن المحيطة به، تحت مسمى "الحرس الوطني"، مشكلًا من كتائب مسلحة كانت قد خاضت في وقت سابق "عملية فجر ليبيا"، واستطاعت السيطرة على طرابلس وعدد من المدن الأخرى، بالإضافة لتحقيقها الإنجاز الأكبر المتمثل في طرد تنظيم الدولة "داعش" من سرت، كما أن اللواء حفتر بات يملك قوة عسكرية كبيرة مكنته من السيطرة مؤخرًا على عصب حياة البلاد المتمثل في "الهلال النفطي"، فضلًا عن سيطرته على شرق البلاد، وانتشاره جزئيًّا في الجنوب.